في ظل تصاعد التحذيرات من تدهور البيئة الطبيعية في أهوار العراق، يتجدد القلق بشأن مصير "كلب الماء ناعم الفراء"، أحد أندر الكائنات البيئية المهددة بالانقراض.
وبين تجاهل حكومي وتوسع في المشاريع النفطية، يحذر ناشطون بيئيون من خطر انقراض أحد أندر الكائنات البيئية في أهوار العراق.
أخطر أزمة بيئية
وقال رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، رعد الأسدي، أن الأهوار العراقية، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، تواجه أخطر أزمة بيئية منذ الاف السنين، نتيجة شحّ المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المناخية.
واضاف الأسدي لـ "طريق الشعب"، إن "أربعة مواقع من الأهوار انضمت إلى قائمة التراث العالمي، ولكن للأسف الشديد، تعاني هذه المواقع من تدهور بيئي حاد، تسبب في تهديد مباشر للتنوع الأحيائي في المنطقة".
وأشار إلى أن "عدداً كبيراً من الكائنات التي كانت تعيش في الأهوار أصبحت اليوم ضمن القائمة الحمراء الدولية للكائنات المهددة بالانقراض"، موضحاً أن من أبرزها، الراكون طويل الذيل الذي اعتبر منقرضاً، لكن أُعيد تسجيله عام 2022 بالإضافة إلى كلب الماء العراقي (ماكسويل)، والأوتار، والرفش الفراتي، وقصب البصرة، فضلاً عن أنواعاً عديدةً من الطيور المهاجرة.
ونبّه إلى أنّ “الأهوار تمرّ بأكبر موجة جفاف في تاريخها، وان انخفاض مناسيب المياه أثّر بشكل مباشر ليس فقط على الكائنات، بل كذلك على سكان الأهوار الذين تعتمد حياتهم على هذا النظام البيئي".
وبيّن الأسدي أن “سكان الأهوار اليوم بدأوا يتحوّلون من مجتمعات مستقرة إلى مجتمعات شبه رحّل، بعد أن فقدوا مصادر رزقهم الرئيسية، مثل تربية الجاموس وصيد الأسماك، نتيجة نفوق الحيوانات وجفاف المسطحات المائية، ما تسبب في فقر اقتصادي واسع".
وأشار إلى أن "النساء والأطفال من أكثر الفئات تضرراً، حيث فقدت النساء فرص العمل، بينما يعاني الأطفال أمراضاً انتقالية ناجمة عن تدهور البيئة الصحية والمائية".
وحذّر من أن "هذه الظروف أدت إلى هجرة جماعية من الأهوار إلى مراكز المدن، ما تسبب في ضغط سكاني كبير، وتفكك اجتماعي، نتيجة اختلاف العادات والتقاليد بين أبناء الريف والمدينة”، مضيفاً ان "كل منطقة نزوح تحتاج إلى جهد أمني إضافي لمواجهة مشكلات قد تنشأ بفعل هذا التطور السكاني المفاجئ".
واختتم الأسدي قائلاً: ان "التغير المناخي وسوء إدارة الموارد المائية هما السببان الرئيسيان وراء هذه الكارثة، ويجب اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ ما تبقّى من الأهوار وسكانها قبل أن نفقدها إلى الأبد".
ثروة بيئية نادرة
وقال الناشط البيئي أحمد نعمة في حديث لـ"طريق الشعب"، إنّ "كلب البحر ناعم الفراء، كائن فريد يشكل ثروة بيئية نادرة يجب الحفاظ عليها"، مبينا أن هذا النوع يواجه خطر الانقراض بسبب تدهور بيئته الطبيعية وشح مصادر المياه.
وأكد أنّ "عدم اتخاذ إجراءات عاجلة سيؤدي إلى اختفائه تماماً".
وأشار إلى أن المجتمع البيئي سبق أن أطلق عدة نداءات ومبادرات للضغط على الجهات الرسمية لإنشاء محمية خاصة بهذا الكائن وتوفير مصادر مياه مستدامة في أهوار ميسان، إلا أن هذه المطالب لم تلقَ أي استجابة حتى الآن.
وأضاف نعمة، أن التجاهل الحكومي لهذا الملف قد يؤدي إلى فقدان تنوع بيولوجي نادر لا يقدر بثمن، لافتاً إلى ضرورة التحرك الفوري من أجل حماية هذا الكائن، عبر تشريعات بيئية صارمة وخطط حماية مدروسة بالتعاون مع المنظمات البيئية المحلية والدولية.
الحويزة في ظرف مصيري
من جانبها، قالت منظمة "المناخ الأخضر"، ان هناك نوعين من كلب الماء في العراق، أولهما الشائع (COMMON OTTER) المنتشر على امتداد نهري دجلة والفرات. والثاني هو كلب الماء ناعم الفراء (SMOOTH-COATED OTTER)، وهو نوع نادر ومرتفع القيمة بسبب فرائه المميز، ويوجد حصراً في هور الحويزة بمحافظة ميسان. ووجود هذا النوع النادر كان من بين الأسباب التي دفعت اليونسكو إلى تصنيف الأهوار ضمن مواقع التراث العالمي.
وحذر الناشط البيئي مرتضى الجنوبي من أن هور الحويزة، أحد أهم الأهوار في العراق، يواجه ما وصفه بـ"مرحلة مصيرية" تهدد التنوع الأحيائي النادر الذي يحتضنه منذ آلاف السنين، وسط توسع غير مسبوق للأنشطة النفطية في المنطقة.
وقال الجنوبي لـ"طريق الشعب"، إن "هور الحويزة يُعتبر آخر هور طبيعي في العراق لم تطله يد العمران، ويمثّل موطنا لتنوع بيئي نادر، حافظ على هويته رغم محاولات التجفيف والتهجين خلال فترة حكم النظام السابق".
وأضاف انه "رغم أن النظام السابق جفف نحو 90 في المائة من الأهوار في تسعينات القرن الماضي، إلا أن الحويزة صمد جزئياً، وظل محتفظاً بتنوعه الفريد"، موضحا أن الهور يحتضن أنواعا نادرة من الكائنات، منها كلب الماء المعروف بماكسويل، وهو نوع نادر يتواجد بكثرة في مياه الحويزة، بالإضافة إلى أسماك نهرية مهددة بالانقراض مثل البني والفراتي، فضلاً عن أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة التي تتخذ من الحويزة محطة موسمية لها، قادمة من روسيا وأوروبا عبر الأراضي الإيرانية.
وأكد الجنوبي أن "لتحدي الأكبر الذي يواجه الحويزة اليوم ليس الجفاف فحسب، بل التجريف المتعمد والتضييق المستمر على امتداد الهور، والذي بدأ منذ التسعينات اكنه مستمر حتى اليوم"، مشيرا إلى أن "الحكومة الحالية حوّلت أجزاء من هور الحويزة إلى ما يُعرف بحقل الحوز النفطي رغم أن الهور مُدرج ضمن قائمة التراث العالمي منذ عام 2016".
وحذر من أن "تنفيذ مشروع حقل الحوز النفطي في عمق الهور سيكون بمثابة إعلان نهاية التنوع الأحيائي فيه، ونهاية لحقبة بيئية لا يمكن تعويضها"، مشيرا إلى أن "الشركات النفطية، ومن ضمنها شركة الإسكان والتعمير، بدأت بالدخول إلى أراضي الهور، ما يُنذر بكارثة بيئية".
واختتم الجنوبي بالقول ان "المطلوب اليوم هو حماية الأهوار بإبعاد المشاريع النفطية عنها، وضمان حصصها المائية، ودعم سكانها الذين يعتمدون على تربية الجاموس وصيد الأسماك. إن اندثار الأهوار يعني اندثار الثروة الحيوانية والسمكية، وانتهاء واحد من أبرز معالم البيئة الطبيعية في العراق".
وكان سكان الأهوار نظموا الأسبوع الماضي تظاهرة تطالب بالحفاظ على التنوع الأحيائي، حيث رفع الأهالي تمثالاً لكلب الماء "ماكسويل" تعبيرًا عن رمزيته في بيئة الأهوار ودوره كأحد رموزها الطبيعية المهددة.
وأعلنت وزارة التخطيط مطلع العام الجاري عن توفير بيانات شاملة عن مناطق الأهوار بهدف إعادة تأهيلها وحمايتها واستثمار مواردها، وذلك في إطار استراتيجية وطنية لحماية التنوع البيولوجي وتعزيز سبل عيش السكان المحليين.
وأوضح رئيس هيئة الإحصاء ضياء عواد كاظم، أن الوزارة نفذت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مسحًا إحصائيا ميدانيا في أهوار ميسان وذي قار والبصرة، مؤكداً أن الأهوار تمثل تراثا حضاريا وبيئة طبيعية فريدة، لها دور مهم في الاستدامة البيئية ومواجهة التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن الدراسة تهدف إلى تحسين إدارة الأهوار، وتعزيز جودة المياه، ومعالجة المناطق المتضررة، إضافة إلى زيادة التعاون مع الجهات الحكومية والدولية والمحلية، واعتماد التقنيات الإلكترونية في جمع وتحليل البيانات بما يواكب المعايير الدولية.