في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تداعيات التغيّر المناخي وتراجع الإيرادات المائية من دول الجوار، تعيش محافظة النجف واحدة من أسوأ أزماتها البيئية والمائية منذ سنوات. فقد أدى الانخفاض الحاد في كميات المياه ـ إلى جانب الإهمال الحكومي وتدهور البنى التحتية ـ إلى جفاف مساحات واسعة من الأهوار والمسطحات المائية، لا سيما في مناطق جنوب المحافظة.
سوء إدارة الموارد المائية
قال الباحث في الشأن العام حسين القاضي إن "جفاف الأهوار في جنوب النجف، ضمن الممتدة من ناحية الحيرة وصولًا إلى محافظة ميسان، يعود إلى قلة الدعم الحكومي المركزي وسوء إدارة الموارد المائية"، مؤكدا أن "الإطلاقات المائية القادمة من تركيا وسوريا انخفضت بشكل كبير، ما فاقم الأزمة".
وأضاف القاضي لـ "طريق الشعب"، أن "الأهوار تعاني اليوم بسبب سياسة توزيع مياه غير عادلة من قبل الحكومة المركزية، الأمر الذي أدى إلى جفاف مساحات واسعة، خصوصا في مناطق جنوب النجف، التي تعتمد كليا على هذه المياه في الزراعة وتربية المواشي".
وتابع، ان "النتائج كارثية؛ فقد بدأ التصحر يزحف على الأراضي الزراعية، وارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، ما أجبر الكثير من العائلات على الهجرة القسرية، بعد أن فقدوا مصادر رزقهم. المحاصيل الزراعية تدمرت بالكامل، والحيوانات التي يعتمد عليها الأهالي في معيشتهم بدأت بالهلاك".
وأشار القاضي إلى أن "ما فاقم من حجم الكارثة هو غياب الرقابة البيئية الحقيقية، وانعدام الصيانة الفعلية للأهوار"، مبينا أن "معظم المشاريع التي أُعلن عنها لم تكن سوى واجهات شكلية شابها الفساد الإداري، ولم تترجم إلى أية إجراءات ملموسة على الأرض".
وحذّر القاضي من أن استمرار هذا الإهمال يؤدي إلى "زوال بيئة الأهوار بالكامل، بما تحمله من تراث طبيعي وإنساني فريد"، داعيا إلى "ضرورة تحرك حكومي عاجل، عادل وفعال، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان".
أزمة مائية خانقة
وقال محمود السعيدي، مراقب محلي وبيئي، إن "محافظة النجف تعاني من أزمة مائية خانقة نتيجة انحسار المياه والتغير المناخي الذي أثر على العراق عموما، وعلى النجف بشكل خاص"، مشيرا إلى أن "المطالبات بإيجاد حلول حقيقية لا تزال تُقابل بالتجاهل".
وأضاف السعيدي لـ "طريق الشعب"، ان "بعض المحافظات بدأت تتحرك وتطالب بزيادة الإطلاقات المائية أو طرح حلول بديلة، لكن للأسف حتى الآن لم نرَ أية خطوات عملية تجاه النجف. هناك مقترحات اليوم باستخدام المياه الجوفية في الصحراء الغربية القريبة من النجف، وهي من أكبر المكعبات المائية الجوفية في العراق، لكن حتى الآن لم يتم استغلالها بشكل فعلي".
وأشار إلى أن نهر الفرات في الكوفة يتعرض لتلوث خطر، نتيجة المصانع القريبة منه، إضافة إلى مياه المجاري التي تُصرف مباشرة في النهر من خلال مجاري الكوفة، ما أدى إلى ارتفاع نسب التلوث بشكل كبير، خصوصًا في ظل انخفاض مناسيب المياه والجفاف العام.
وقال السعيدي ان "أغلب أهالي النجف يعانون من شح المياه التي تصلهم ملوثة وتحمل روائح كريهة، ما أثر بشكل مباشر على الحياة اليومية والصحة العامة".
وفي ما يخص القطاع الزراعي، أشار إلى أن المزارعين، خصوصا مزارعي الشلب والحنطة، هم الأكثر تضررا، حيث تكبدوا خسائر كبيرة بعد أن زرعوا على نفقتهم الخاصة دون أي دعم أو تعويض من الدولة.
وأشار الى لقائهم عددا منهم، وعبّروا عن استيائهم من الإهمال، خاصة أنهم واجهوا الجفاف دون أدنى مساندة.
وتطرق السعيدي إلى التظاهرات التي خرجت في المشخاب والقادسية والعباسية، للمطالبة بالماء وإنقاذ الزراعة، مؤكدا أن هذه التظاهرات لم تجد آذانًا صاغية حتى الآن.
واختتم بالقول ان "الوضع في النجف مأزوم، والخلل في المنظومة المائية والإدارية بات واضحا من دون تحرك عاجل، سنشهد انهيارا كاملاً للواقع الزراعي والبيئي في المحافظة".
فقدان المكونات البيئية
قال مدير بيئة النجف جمال عبد زيد إن جفاف الأهوار والمسطحات المائية في المحافظة، مثل بحر النجف وهور ابن نجم، يعود بشكل رئيس إلى انخفاض الإيرادات المائية القادمة من دول المنبع.
وأضاف زيد لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الانخفاض أدى إلى انحسار هذه المسطحات وفقدانها لمكوناتها البيئية الطبيعية"، مشيرا الى أن "الأهوار تُعد مناطق بيئية متكاملة، وتشمل أنظمة نباتية، وأحياء مائية، وطيورا مستوطنة وأخرى مهاجرة، وقد تعرضت جميعها إلى مستويات مختلفة من التأثر تبعا لتراجع الواردات المائية"
وأوضح، أن المديرية تتابع الإجراءات البيئية ضمن خطط العمل السنوية والروتينية التي تصدر من وزارة البيئة، وأن شعبة النظم البيئية في المديرية هي الجهة المسؤولة مباشرة عن ملف الأهوار والمسطحات المائية.
وأشار المدير إلى أنه تم تشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الثاني لمحافظ النجف تُعنى بمكافحة الجفاف، وتركّز على معالجة قضايا المياه، الشحة، والتلوث البيئي في عموم المحافظة.
وخلص الى أن "الاهتمام الحكومي بملف المياه بدأ يتصاعد تدريجي، لما لهذا الموضوع من أهمية قصوى على المستوى البيئي والزراعي والمعيشي في النجف".