اخر الاخبار

في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الزراعة إحدى ركائز الأمن الغذائي والاقتصادي في العراق، يواجه فلاحو محافظة واسط أزمة متفاقمة تهدد استقرارهم المعيشي، وتضع مستقبل الزراعة على المحك.

إزاء شح الأسمدة، وغياب الدعم الفني، والقرارات الحكومية المثيرة للجدل بخفض أسعار شراء المحاصيل الاستراتيجية، يعيش الفلاحون حالة من الغليان الشعبي واليأس المتزايد، تُرجمت مؤخراً في تظاهرات سلمية قابلتها السلطات بالقمع، بحسب شهادات وشكاوى متكررة من مزارعين ومسؤولين محليين.

فلاح: تلقينا ضربة موجعة

قال عباس محمد، وهو فلاح من أهالي محافظة واسط، إن المزارعين باتوا يشعرون بأنهم مستهدفون من السياسات الحكومية التي تزداد قسوة عاماً بعد آخر، مشيراً إلى أن قرارات خفض أسعار شراء المحاصيل وعدم توفير مستلزمات الإنتاج الأساسية "أصبحت تهدد حياة آلاف العائلات التي تعتمد على الزراعة كمصدر رزق وحيد".

وأضاف محمد لـ"طريق الشعب"، أنهم يطالبون بحقوقهم الأساسية "وبدعمٍ يعيننا على الزراعة، لا يُجبرنا على تركها"، معتبرا تخفيض أسعار شراء الحنطة والشعير في هذا التوقيت "كارثة، لأننا زرعنا وحصدنا بكلف عالية وديون متراكمة".

وأوضح، أن الفلاحين كانوا ينتظرون موسم التسويق لتعويض ما دفعوه من أموال على البذور والأسمدة والمحروقات، لكنهم فوجئوا بقرار اعتبروه "ضربة موجعة"، مضيفاً: "كأن الحكومة لا تدرك ما نعانيه من شح المياه، وارتفاع أسعار السماد، وصعوبة الحصول على الوقود، والآن تبيعون محصولنا بأقل من كلفته!".

وتابع بغضب "نحن من يرزع لقمة العيش في هذا البلد، لكننا نُقابل بالتجاهل، وأحياناً بالقمع عندما نخرج لنعبر عن صوتنا. هل أصبحت المطالبة بالعيش الكريم جريمة".

وطالب عباس محمد بضرورة التراجع عن قرار تخفيض الأسعار، وتوفير الدعم الحقيقي للفلاحين، محذراً من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى "انهيار الزراعة وهجرة الأرض، وما يعنيه ذلك من تهديد مباشر للأمن الغذائي الوطني".

وقال أحمد القصير، مزارع ومستشار رئيس الجمعيات الفلاحية، إن محافظة واسط تُعد من أبرز المحافظات في إنتاج الحنطة، بعد العاصمة بغداد، وذلك بفضل موقعها الزراعي المميز على نهر دجلة. وأكد أن “انخفاض الإنتاجية هذا الموسم لا يعود إلى تقليص متعمد، بل هو نتيجة لتقليص الخطط الزراعية من مئة في المائة إلى مستويات متدنية تصل أحيانًا إلى 20 في المائة".

وأوضح القصير أن "وزارة الزراعة قلّصت المساحات المخصصة للزراعة، بحيث أن من كان يزرع أربعين دونما، خُفضت خطته إلى خمسة 25 دونما فقط. ومع ضعف الإنتاجية، فإن بعض الفلاحين يواجهون رفضا لمحاصيلهم عند التسويق، خصوصا إذا تجاوزت الإنتاجية الحد المسموح به (طنًا ز800 كيلوغرام للدونم )، ما يؤدي إلى عدم استيعاب السوق للزيادة.

غياب الدعم الحكومي

وأضاف أن "بعض المحافظات الأخرى رفعت سقف الغلة المستلمة، ما خفف من هذه المشكلة محليا، لكن الوضع لا يزال صعبًا في واسط".

وأشار إلى أن "غياب الدعم الحكومي، خاصة فيما يخص الأسمدة، أدى إلى تفاقم الوضع، حيث لا تتوفر أسمدة مثل الداب واليوريا من خلال الدولة، ما يفتح الباب أمام المضاربات في السوق، ويزيد التكاليف على الفلاحين".

وزاد بالقول إن الأرض أصبحت ضعيفة زراعيا ولا تعطي إنتاجية جيدة دون إضافة الأسمدة بشكل متكرر، ما يتطلب ثلاث وجبات تسميد على الأقل، وهو أمر مكلف جدا للفلاح. كما بيّن أن الحكومة رفعت يدها عن دعم المستلزمات الزراعية الأساسية، وبقي الدعم محصورًا بالبذور التي تُوزع وفقًا للخطة الزراعية.

ورغم أن الدولة ما زالت توفر بذورا محسنة، إلا أن الفلاحين لا يثقون بها بسبب ضعف نوعيتها وارتباطها بعلاقات ومصالح لبعض الشركات والمكاتب الزراعية، ما يدفعهم إلى شراء بذور مغلّفة أو مستوردة، تصل أسعارها أحيانًا إلى ثلاثة ملايين دينار للطن.

واختتم القصير حديثه بالتحذير من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى عزوف الفلاحين عن زراعة الحنطة، مؤكدًا أن السعر المحدد حاليا من قبل الدولة  850 ألف دينار للطن، وأحيانًا أقل ولا يغطي التكاليف، ولا يتيح للمزارع القدرة على المنافسة مع المنتجات المستوردة والمدعومة من حكوماتها.

وحذر مدير زراعة واسط، أركان مريوش، من تداعيات نقص الأسمدة الزراعية على واقع الزراعة في المحافظة، مؤكداً أن الفلاحين يواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على هذه المادة الأساسية، ما ينذر بتراجع الإنتاج الزراعي وربما عزوف البعض عن الزراعة في المواسم المقبلة.

 نقص في الاسمدة

وقال مريوش لـ"طريق الشعب"، إن "الفلاحين في واسط كانوا يحصلون على الأسمدة من خلال دعم حكومي سابق، حيث كانت الأسعار مناسبة والنوعية جيدة، لكن الأمور تغيرت بسبب قلة التجهيزات في الوقت الحالي".

وأوضح أن "شركة التجهيزات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة تعاقدت مع الشركة الجنوبية لصناعة الأسمدة لتأمين مادة اليوريا، إلا أن هذه الأخيرة لا تجهّز سوى 15 شاحنة فقط بحمولة 45 طناً لكل منها"، مضيفاً أن "هذا العدد غير كافٍ لتغطية احتياجات الفلاحين، ما تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير في السوق السوداء".

وأشار إلى أن الطلب على الأسمدة يزداد مع دخول الزراعة مراحلها الحاسمة، خصوصاً وأن الفلاحين باتوا في الثلث الأخير من الموسم الزراعي الحالي"، محذراً من أن استمرار هذا النقص قد يؤدي إلى عزوف عدد كبير من الفلاحين عن مواصلة نشاطهم الزراعي في المواسم المقبلة.

واختتم مريوش بدعوة الجهات المعنية في وزارة الزراعة إلى زيادة كميات التجهيز، وتحسين آليات التوزيع، بما يضمن استمرار العملية الزراعية ويخفف العبء الاقتصادي عن كاهل الفلاحين.

عرض مقالات: