يعد العراق من أول دول المنطقة في النقل السككي. إذ دخلت السكك الحديد إلى البلاد عام 1869 مع إنشاء أول خط ترامواي بين بغداد والكاظمية، ثم خط آخر يربط النجف بالكوفة. وخلال فترة الحرب العالمية الأولى جرى إنشاء مشروع سكة حديد برلين – بغداد، الذي نفذه الألمان والعثمانيون. وفي العام 1936، انتقلت إدارة السكك الحديد إلى الحكومة العراقية. أما في الستينيات والسبعينيات فقد ازدهر النقل السككي، وانتشرت المحطات على امتداد مساحة البلاد، لكن منذ فترة الحصار الاقتصادي في التسعينيات وحتى بعد 2003، تعرض قطاع النقل السككي إلى إهمال واضح، ولم يطرأ عليه تأهيل وتطوير بالشكل الذي يجعله يواكب أمثاله في الدول الأخرى. وهو اليوم قطاع يعاني تدهورا ملحوظا في مستوى الخدمات المقدمة للمسافرين، إضافة إلى تهالك وقدم البنى التحتية المتمثلة في خطوط السكك الحديد والقاطرات والعربات، ما يجعلها تفتقر إلى الراحة والسرعة والأمان، وهذا بدوره أدى إلى خفض الطلب على القطاع، على الرغم من توفيره أرخص وسائط النقل وأهمها في تجنب الازدحامات والحوادث المرورية.
يأتي هذا في الوقت الذي تُحمّل فيه لجنة النقل البرلمانية، الحكومة الحالية مسؤولية عدم إكمال المنهاج الوزاري لتطوير قطاع النقل. فرغم قرب انتهاء ولايتها لا تزال غالبية المشاريع في طور الاستشارات. في المقابل، تؤكد وزارة النقل تأهيل 12 خطاً سككياً وإعادتها إلى الخدمة خلال السنوات الثلاث الماضية، وان العمل مستمر لإكمال بقية المشاريع.
إهمال كبير
في هذا السياق، يقول الخبير في مجال النقل باسل الخفاجي، أن العراق كان من الدول الأولى في تطور النقل السككي منذ الستينيات والسبعينيات، مبينا في حديث صحفي أن "القطار كان ينطلق من محطة المعقل في البصرة ثم إلى ميناء أم قصر، وبعدها يتجه نحو بغداد وكل المحافظات، وصولا إلى تركيا".
ويضيف قائلا أن "القطار كان يتجه من المحطة العالمية في منطقة العلاوي نحو تركيا، ثم ينتقل أكثر الركاب والسائحين إلى قطار آخر للذهاب إلى ألمانيا، وهذا غير متوفر حالياً نتيجة الإهمال الكبير من قبل وزارة النقل".
ويشير الخفاجي إلى أن "سكك قطار طريق التنمية من المفترض أنها موجودة وتمتد من المعقل في البصرة إلى تركيا. فتلك السكك بحاجة إلى استبدال بأخرى حديثة، على أن تصل إلى ميناء الفاو الكبير عبر مدها لمسافة 400 كيلومتر بعد ميناء أم قصر، للاستفادة منها في نقل البضائع والركاب".
عدم الالتزام بالمنهاج الوزاري
من جهته، يقول عضو لجنة النقل البرلمانية هيثم الزركاني، أن "الحكومة الحالية لم تلتزم بالمنهاج الوزاري حتى بنسبة 25 في المائة. ورغم قرب انتهاء ولايتها لا تزال غالبية المشاريع في طور الاستشارات والاجتماعات".
ويدعو في حديث صحفي إلى "محاسبة رئيس الوزراء لعدم إكمال المنهاج الحكومي الذي كان يتضمن تطوير قطاع النقل من فك الاختناقات ومعالجة طرق النقل وسكك الحديد"، مشيرا إلى أن "قطاع النقل لا يرتقي بالمستوى، خصوصاً سكك القطارات، فهي غير مؤهلة ولا تواكب التطور الحالي في دول العالم - حيث تصل سرعة القطارات هناك إلى نحو 300 كيلومتر في الساعة - بل أن قطاعنا السككي لا يواكب حتى قطاعات دول مجاورة مثل تركيا وإيران".
ويشير الزركاني إلى ان "هناك حاجة للربط السككي في نقل البضائع، خاصة عند الانتهاء من ميناء الفاو. فالقاطرة الواحدة قد تعوّض عن عشرات شاحنات النقل"، مبينا أن "أهمية تلك السكك لا تقتصر على نقل البضائع، بل تشمل نقل المسافرين بين المحافظات. لذلك أن افتتاح النقل السككي أخيرا بين بغداد والموصل، كان إضافة جيدة".
تأهيل 12 خطاً
في المقابل، يؤكد المتحدث باسم وزارة النقل ميثم الصافي، أن "الوزارة أكملت تأهيل 12 خطاً سككياً، وتمت إعادتها إلى الخدمة خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي العام الماضي تم افتتاح مشروع ساوة – حجامة، وان العمل مستمر لإنجاز بقية المشاريع".
وعن سكك خط البصرة - الشلامجة، يوضح الصافي في حديث صحفي، أن "هذا المشروع مخصص للمسافرين. وتم التعاقد مع شركة (إيماثيا) الإسبانية التي شرعت بإجراءات تنفيذه"، لافتا إلى ان "هذا المشروع يحتاج إلى أعمال تأهيل من حيث إزالة الألغام ورفع المخلفات الحربية والتجاوزات على الطريق. وقد بدأت وزارة النقل بعمليات التأهيل، وهي الآن في مراحل متقدمة، وعلى أبواب تنفيذ المشروع بشكل مباشر".
ويتابع قوله ان "هناك مشروعا آخر، وهو مشروع طريق التنمية المرحلة الأولى. إذ يجري العمل حاليا على تأهيل الخطوط القديمة للاستفادة من هذا المشروع في تشغيل ميناء الفاو. فضلا ذلك سيتم تنشيط قطاع السكك في المحافظات التي يمر فيها طريق التنمية. حيث وضعت وزارة النقل خطة لإعادة تأهيل الخط من البصرة إلى بغداد ومن ثم من بغداد باتجاه المناطق الشمالية". وعن خط البصرة - الشلامجة، يقول الصافي أن "طوله يبلغ 36 كيلومترا من الحدود الإيرانية إلى محطة البصرة، ومنها ينطلق إلى عدة محافظات بينها كربلاء، إضافة إلى ذلك، هناك مشروع آخر يربط النجف مع كربلاء، وهو مشروع قطار معلق بطول 85 كيلومترا، وهناك عروض عليه من قبل شركات عدة، وهو حالياً محال إلى هيئة الاستثمار". ويشير الصافي إلى ان "العمل مستمر في مشروع طريق التنمية الاستراتيجي، وتم إكمال مرحلة التصاميم الأولية فيه، وهو حالياً في مرحلة التصاميم التفصيلية، وهذه تنتهي نهاية العام الحالي، وبعدها يعرض المشروع أمام الشركات لغرض تنفيذه".