اخر الاخبار

بينما تتزايد الضغوط والدعوات لإدارة الوضع المالي المتأزم، حذّر خبراء محليون ودوليون من استمرار التوسع في الإنفاق العام وغياب استراتيجية واضحة لتنويع مصادر الدخل، لا سيما أن صندوق النقد الدولي اكد في تقرير حديث أن التباطؤ في القطاعات غير النفطية، والاعتماد المفرط على عائدات النفط، يهددان الاستقرار الاقتصادي في المدى القريب، ما يستدعي إصلاحات هيكلية عاجلة. فيما دعا اقتصاديون ومعنيون الى ضرورة تبني رؤية اقتصادية بديلة، تقوم على تنمية القطاعات غير النفطية وتوسيع القاعدة الإنتاجية.

تباطؤ في النمو وعجز متفاقم

وقد كشف خبراء صندوق النقد الدولي اخيراً عن تراجع الوضع المالي فيما سجل نموا أبطأ قياسا خلال العام الماضي في القطاعُ غير النفطي

وقالت البعثة في بيان اعقب على اجتماع عقده خبراء البعثة مع مسؤولين عراقيين في عمّان وبغداد خلال المدة من 4 الى 13 أيار الحالي، ان "القطاعُ غير النفطي نما بوتيرة أبطأ في العام الماضي، وظلَّ التضخُّم منخفضاَ. فبعد تحقيق نمو قوي جدًّا بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024، بسبب التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلًا عن ازدياد الضعف في الميزان التجاري".

ولفت البيان الى "ازدياد مواطن الضعف في العراق في السنوات الأخيرة بسبب التَّوسُّع الكبير في المالية العامة، فإلى جانب التأثير على آفاق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، فإن سياسات التوظيف المعمول بها حاليًّا في القطاع العام، وتكاليف الأجور المترتبة عليها لا يمكن أن تستمر، وذلك نظرا إلى تدني حجم الوعاء الضريبي غير النفطي لدى العراق. وتبعًا لذلك، فقد تفاقم الاعتماد على عائدات النفط، وازداد سعر برميل النفط المطلوب لتصفير العجز في الموازنة، إلى حوالي 84 دولارًا في العام 2024، مرتفعا من 54 دولارا للبرميل في العام 2020".

وأشار في جزء منه الى انه "من المتوقع أن يظل النمو غير النفطي ضعيفًا في العام 2025 في خضم بيئة عالمية تكتنفها التحديات، والقيود على التمويل. ومن المتوقع أن يتباطأ الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1 في المئة هذا العام حيث يُثقل انخفاض أسعار النفط والقيود على التمويل كاهلَ الإنفاق الحكومي ومعنويات المستهلكين".

ما المعالجات المطلوبة؟

في هذا الصدد، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، أن العراق يُعد من الدول المؤسسة لصندوق النقد الدولي منذ عام 1945، وتربطه بالصندوق علاقة ممتدة لأكثر من 80 عامًا، تتسم بالتعاون المستمر وتبادل الرؤى.

وقال صالح في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن ما يُعرف بـ "مشاورات المادة الرابعة" هي: "تقييم سنوي شامل يجريه الصندوق للاقتصاد الكلي للدولة، ويشمل مراجعة المؤشرات الاقتصادية العامة، وتحديد نقاط القوة والضعف، والتحديات والمخاطر، وكذلك الفرص المتاحة"، مبيناً إن “هذا التقييم لا يترتب عليه التزامات أو إجراءات إلزامية، بل هو أقرب إلى تقرير استشاري تأخذه الحكومة العراقية بعين الاعتبار”.

وأضاف، أن وزارات المالية والنفط والتخطيط، والبنك المركزي، إضافة إلى الأجهزة الرقابية، تتابع هذه التوصيات، وتقوم بتحليلها والاستفادة منها، خاصة في ما يتعلق بتشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتعزيز العلاقات المالية الدولية.

وأكد المستشار، أن الحكومات المقبلة مطالبة بوضع خطط لمعالجة قضية التوسع المالي، والعمل على تنويع مصادر الدخل من خلال تعظيم الإيرادات غير النفطية، مثل الشراكات مع القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المشترك في قطاعات جديدة".

وشدد على أهمية "إيجاد نظام ضمانات فعّالة للعاملين في القطاع الخاص، ما من شأنه تشجيع المواطنين على الانخراط في سوق العمل الحر وتخفيف الضغط على التوظيف الحكومي"، مشيراً الى أن "توفر نظام تقاعدي عادل في القطاع الخاص للناس، من شأنه ان يغير نظرتهم لوظيفة الدولة، ويتحقق التوازن المطلوب”.

وخلص الى القول  انه “لا يمكن تحقيق نمو حقيقي دون تنمية القطاعات غير النفطية عبر شراكات مع الشركات العالمية والإقليمية لاستثمار الموارد الطبيعية غير المستغلة، ليس فقط في مجال الاستخراج، بل عبر سلاسل إنتاج وصناعة تضيف قيمة مضافة وتدعم الاستدامة المالية. هذا هو الطريق الوحيد نحو اقتصاد متنوع ومستقر”.

توسع خطر في الانفاق

وضمن السياق، حذر الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه من أن التوسع في الإنفاق العام، في ظل استمرار الأزمة المالية، قد يتسبب بمشكلات مالية حادة للعراق، لاسيما مع وجود عجز كبير في الموازنة لم يتم التعامل معه بصورة صحيحة حتى الآن.

وقال عبدربه في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “الاستمرار في الاعتماد على مورد النفط كمصدر وحيد للدخل يمثل مخاطرة استراتيجية”، مشددًا على ضرورة أن "تعمل الحكومة على تنويع مصادر الإيرادات عبر إطلاق مشاريع تنموية حقيقية، من شأنها أن تخلق فرص عمل وتسهم في زيادة موارد الدولة".

وأشار إلى أن تقارير صندوق النقد الدولي الأخيرة أشارت بوضوح إلى تباطؤ نمو القطاعات غير النفطية في العراق، وهو ما يعكس ضعفا في السياسات الحكومية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية خارج قطاع الطاقة.

وأوضح عبد ربه، ان "العراق بلد يمتلك مقومات زراعية وسياحية وصناعية كبيرة، لكنه يفتقر إلى الإرادة السياسية للنهوض بالقطاعات غير النفطية وتوظيف هذه الإمكانات”.

وانتقد عبد ربه أداء عدد من الشركات الحكومية، واصفًا إياها بـ "الخاسرة والعاجزة عن تحقيق نتائج، رغم ما يتوفر لها من أراضٍ واسعة وموارد طبيعية ومواقع سياحية مؤهلة للاستثمار"، مضيفاً ان “المشكلة ليست في غياب الموارد، بل في غياب الرؤية السياسية والقرار الاقتصادي الواضح”.