اخر الاخبار

في مشهد يعيد إلى الأذهان حوادث الاحتيال الجماعي، التي تكررت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، عادت ظاهرة المنصات الإلكترونية الوهمية للظهور مجدداً، مستهدفة فئة الشباب الباحثين عن فرص عمل أو استثمار سريع، وذلك من خلال حملات احتيالية تنتشر عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأبرزها "واتساب" و"تيليغرام"، وباستخدام حسابات مجهولة معظمها يحمل صور نساء ويدّعي تقديم فرص ربح مضمونة.

وتكررت القصة التي بدأت قبل سنوات في كركوك مع شركة "يونمارت"، التي استهدفت شبابا مهجرين آنذاك، بشعارات براقة مثل "غيّر حياتك" و"تعال وجيب وياك أصدقاءك نحو الأفق"، ليتبين لاحقاً أنها كانت عملية نصب محكمة خسر فيها العشرات من الشباب مدخراتهم.

أساليب الاستدراج

يبدأ الاحتيال بأخذ أموال من الضحايا بذريعة تشغيلها، ثم يتم منحهم مبالغ بسيطة لا تتجاوز في العادة 30 ألف دينار، كأرباح أولية يمكن سحبها بسهولة، في محاولة لكسب ثقتهم. بعدها تُطلب "رسوم ضمان" لسحب الأرباح التي يُقال إنها ارتفعت إلى 100 دولار أو أكثر. ويستمر هذا النمط في تصعيد تدريجي يستنزف أموال الضحية، وصولاً إلى دعوته لجلب مشاركين جدد.

وحسب ما تنقله وكالات أنباء عن مراقبين، فإن بعض الضحايا خسروا ملايين الدنانير، وأن التقديرات تشير إلى ان إجمالي الخسائر في بعض المناطق تجاوز مئات الملايين من الدنانير، وسط غياب أي جهة قانونية يمكن الرجوع إليها بعد إغلاق هذه المنصات بشكل مفاجئ واختفاء القائمين عليها.

أزمات قلبية!

أحمد الجبوري، أحد ضحايا ما يُعرف بمنصة "التداول"، يذكر في حديث صحفي أنه "في البداية، أقنعوني بأرباح يومية مغرية، وفعلاً حصلت على مبالغ بسيطة شجعتني على زيادة الاستثمار، لكن بعدها توقفت الأرباح بأعذار غريبة، مثل ضعف حركة السوق، أو وجود مشكلات تقنية. وفي النهاية اختفت المنصة تماما، لا رد على الرسائل ولا أثر للأموال"!

ويلفت إلى ان "العديد من المشاركين أصيبوا بأزمات قلبية نتيجة الصدمة النفسية التي تعرضوا لها"، مشيراً إلى أن "إجمالي الأموال التي أودعت في المنصة تجاوز مليار دينار"!

اختصاصيون يُحذّرون

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي يوسف محمود، ان "التداول الإلكتروني الحقيقي يتطلب ترخيصاً من جهات رقابية دولية معترف بها، وأي منصة لا تملك عنواناً معروفاً أو سنداً قانونياً، فهي غالباً مجرد فخ احتيالي".

ويحذر في حديث صحفي، الشباب من الإغراءات الربحية السريعة. ويقول أن "الاستثمار الحقيقي لا يُعرض عبر رسائل مجهولة، ولا يُطلب فيه دفع أموال مقدماً دون ضمانات".

في السياق، يقول الخبير الأمني عبد الستار العلي، أن المنصات الاحتيالية تنشط غالباً في بيئات تفتقر إلى الوعي الرقمي، محذراً من مشاركة البيانات الشخصية معها أو الانخراط في دعوات استثمارية مشبوهة.

ويؤكد أن "الوعي هو خط الدفاع الأول ضد الجرائم الإلكترونية، وينبغي استشارة متخصصين قبل اتخاذ أي خطوة استثمارية عبر الإنترنيت".

احتيال قديم بثوب جديد

إلى ذلك، يرى الناشط والمراقب المجتمعي عباس حسين، أن "هذه الظواهر ليست جديدة على المجتمع العراقي. فهي تشبه ممارسات مجموعات ظهرت في التسعينيات مثل "علاءكو" و"وسامكو"، التي مارست التهديد والنصب العلني في ظل غياب الرقابة".

ويتابع في حديث صحفي قوله: "اليوم، تتكرر الصورة نفسها لكن بأساليب رقمية ناعمة، نفس العقلية، نفس الطمع، إلا أن الأمر يتم خلف شاشات الهواتف الذكية"، منوّها إلى انه "من المهم التعلم من تجارب الماضي لتفادي الوقوع مجدداً في مصائد الاحتيال".

وتستنزف المنصات الإلكترونية الوهمية مدخرات الشباب، مخلفة آثاراً نفسية وصحية خطيرة. ويشكل الوعي الرقمي والتحقق من التراخيص واستشارة الخبراء، الوسائل الأهم للوقاية من هذه الظواهر التي تتوسع يوماً بعد آخر.