اخر الاخبار

يتعرّض أهالي محافظة ميسان الى مخاطر صحية جمّة إثر أزمة المياه التي تشهدها المحافظة، بدءا من جفاف الأهوار، مرورا بتلوّث مياه الأنهار، وفي مقدمتها نهر دجلة. إذ لم تعد المياه تصلح للاستخدام البشري، ولا حتى لسقي المزروعات.

ورغم زيادة الاطلاقات المائية الاخيرة من قبل وزارة الموارد المائية، إلا ان ذلك لا يُعتبر سوى حل مؤقت، وان مشكلتي الجفاف والتلوث قائمتان – وفقا لمتابعين.

ولا تقتصر مشكلة تلوّث المياه وشحها على ميسان فقط، إذ تعاني البلاد بصورة عامة تلوّثا حادا في مصادرها المائية، نتيجة تصريف كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية والزراعية في الأنهار، دون معالجة كافية. وأصبحت الأنهار الرئيسة، وعلى رأسها دجلة والفرات، بيئة ملوثة بفعل المواد الكيميائية والفضلات العضوية، ما يشكّل خطرا كبيرا على صحة الإنسان والتنوع الاحيائي والبيئي.

وتستمر هذه المشكلة في التفاقم، نتيجة ضعف الرقابة وغياب أنظمة المعالجة الفعالة.

ملوّثات وطحالب سامة

مستشار لجنة الخدمات العامة في مجلس محافظة ميسان، منتظر السيد نور، يذكر في حديث صحفي ان "وضع المياه بشكل عام خلال المدة الماضية سيء للغاية بسبب قلة الاطلاقات في عمود نهر دجلة الذي يمر بمحافظة ميسان، وكثرة الملوثات التي تأتي من بعض محطات الصرف الصحي، والتي تُلقى دون معالجة في مجرى النهر"، مضيفا في حديث صحفي قوله أن "من الملوثات أيضا مياه بعض المبازل الزراعية التي تحتوي على مركبات الأسمدة الكيميائية، والتي ترفع من نسب أيونات ملوثة للماء، الى جانب تصريف مياه بحيرات الأسماك الحاوية على الأملاح ومخلفات العلف البروتيني في الأنهر، ما يزيد من معدلات تعكر الماء ويساهم في ظهور أنواع متعددة من الطحالب".

ويشير إلى انه "تم تحديد ستة انواع من الطحالب في مياه نهر دجلة، بضمنها الطحالب الخضر المزرقة التي تفرز السموم في الماء، فضلا عن  الطحالب الخيطية التي تسبب تعطل الفلاتر المنزلية"، مبينا أن "معدلات المواد الصلبة الذائبة في الماء، والتي تعرف ب TDS، مرتفعة، خصوصاً في الأنهر الفرعية. اذ وصل أعلاها إلى نحو  4000 ملغم/ لتر في نهر المشرح. اما بقية الأنهر فلم تقل معدلاتها عن 2500 ملغم/ لتر، كما هو الحال في ناحية السلام و قضاء الميمونة. في حين أن المعدل الطبيعي كحد أعلى يفترض أن يكون أقل من 1000 ملغم/لتر".

ويلفت السيد نور إلى ان احصاءات الجهاز المركزي نبّهت إلى ان مجمعات الماء لم تقم بمعالجة حقيقية للمياه "وكأنها لم تعالج شيئا سوى الضخ من النهر إلى منازل المواطنين"! موضحا أن "المياه المجهزة لمنازل المواطنين غير صالحة للشرب. وانه وصل الحال في قرى اذناب الأنهر الفرعية إلى عدم صلاحية المياه حتى لشرب الحيوانات، بعد ارتفاع نسب الملوحة فيها إلى أكثر من 4 آلاف ملغم/ لتر. لذا اضطر المواطنون إلى توفير مياه (آر أو) لمواشيهم"!

مسؤولية مشتركة

ويعتبر السيد نور أن "مسؤولية تلوث المياه مشتركة بين الحكومة بمختلف مؤسساتها والمواطنين، خاصة المزارعون وأصحاب بحيرات الأسماك، فضلا عن بعض المؤسسات الحكومية. إذ لا توجد في جميع مستشفيات ميسان محطات معالجة لمياه الصرف الصحي، فتلقى تلك المياه في الأنهر دون معالجة".

ويلفت إلى ان "الإطلاقات المائية الأخيرة التي ساهمت في ارتفاع مناسيب نهر دجلة في ميسان، جاءت لدفع اللسان الملحي في شط العرب، وليس لمعالجة التلوث في ميسان، وان ارتفاع المناسيب حصل في مجرى النهر الرئيس فقط، وتم تصريف كميات قليلة باتجاه الأنهر الفرعية والاهوار"، مؤكدا أن "الانهار الفرعية لا زالت تعاني زيادة التلوث، خاصة في قضاء الميمونة وناحية السلام، بسبب تصريف مياه المجاري دون معالجة، من قبل محطة مجاري البتيرة".

ويكشف السيد نور عن "وجود 8 محطات للصرف الصحي في عموم المحافظة، 5 منها تلقي مياهها في مجاري الانهار دون معالجة، هي محطات: البتيرة، وقلعة صالح الأولى، وقلعة صالح الثانية، والعزير وطريق العمارة- الكحلاء. إذ لا توجد حتى الان معالجات واضحة من الحكومة المحلية"، موضحا ان "بغداد تعد الملوث الأكبر لمياه دجلة. حيث تلقي نحو 700 ألف متر مكعب يوميا من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في النهر. كما تلقي مجاري ناحية الشيخ سعد في محافظة واسط أيضاً كميات من مياه الصرف الصحي في نهر دجلة دون معالجة، إلا أن الأخطر هو ما تلقيه المستشفيات في بغداد وواسط وميسان".

تمدد اللسان الملحي

من جانبه، يذكر الخبير البيئي احمد صالح نعمة، انه قبل نحو أسبوع أطلقت وزارة الموارد المائية موجات مائية كبيرة من سدة الكوت باتجاه البصرة مرورا بمحافظة ميسان، لسد اللسان الملحي في شط العرب وتعويض النقص الحاصل في المياه، مبينا أن تلك الاطلاقات تستمر 10 أيام.

ويوضح في حديث صحفي أن "هذا الاجراء وقتي، والحل الأمثل هو  تدارك الوضع المائي بالاتفاق العاجل مع تركيا"، منوّها الى ان "النقص الحاصل في المياه أدى الى ارتفاع التراكيز الملحية نتيجة إلقاء مخلفات الصرف الصحي في الأنهر"، مشيرا إلى ان "الخزين الاستراتيجي متدهور جداً، والمياه لن تكفي في هذا الصيف، وستكون البيئة والاهوار اول ما يضحى به في ظل أزمة المياه".

وتعد ميسان من أبرز المحافظات التي تعتمد على الزراعة وتربية الأسماك والمواشي، كمصدر أساسي للعيش، وان شح المياه وجفاف الأنهار له تأثير كبير على الاوضاع المعيشية للمواطنين وعلى اقتصاد المحافظة بشكل عام.

الماء لا يصلح للاستحمام!

في السياق، يقول المواطن الميساني مهدي الساعدي، ان "الماء الذي يصل إلى منازلنا لا يصلح للشرب ولا حتى للاستحمام. وقد سبّب الكثير من المشكلات الصحية، ومنها تساقط الشعر وانتشار الأمراض. لذا يضطر الأهالي إلى استخدام ماء (آر أو)".

ويشير في حديث صحفي إلى انه "بسبب شح المياه، انتشرت عربات بيع الماء في جميع أنحاء محافظة ميسان، وأن الوضع يزداد سوءاً في اقضية المحافظة ونواحيها".

اما المواطن باسم كريم من أهالي قضاء العزير، فيقول انه "على الرغم من الاطلاقات المائية التي شهدتها انهار المحافظة أخيرا، لكن مشكلة التلوث لا زالت قائمة وازدادت في بعض الأنهر بسبب ارتفاع مناسيب مياهها. إذ جرفت المياه كميات كبيرة من النفايات المنتشرة على أكتاف الأنهر، نحو مجراها".

مصادر التلوّث مستمرة

إلى ذلك، يقول أستاذ التلوث البيئي في كلية العلوم بجامعة ميسان، د. صالح حسن جزاع، انه "لا فائدة من زيادة نسب الاطلاقات المائية. فهي تخفف التلوث لكنها لا تقضي عليه  بشكل تام ما دامت مصادره مستمرة في إطلاق مخلفاتها نحو الأنهار والجداول".

ويشير في حديث صحفي إلى ان "الحلول تتلخص في إيقاف تدفق الملوثات من المصانع والمعامل والمستشفيات وشبكات الصرف الصحي والمزارع، او معالجتها قبل إطلاقها في الانهار".