اخر الاخبار

وسط تصاعد شكاوى الأهالي وتكرار وعود الحلول، تتواصل أزمة المياه في محافظة ذي قار، حيث تحولت الحياة اليومية في مناطق مثل الدواية إلى معاناة مستمرة بسبب شح المياه وملوحتها.

ومع فشل الإجراءات الرسمية في تقديم حلول ملموسة، تتزايد المخاوف من تدهور أكبر يهدد الأمن المائي والصحي في المحافظة

العديد من سكان مناطق الأطراف في ذي قار مثل قضاء الدواية يعيشون في معاناة يومية بسبب أزمة المياه المستمرة التي تُهدد حياتهم.

ويصف ستار خضير، أحد سكان منطقة العكرات، الوضع قائلاً: "منذ ما يقارب الشهر، والماء لا يصلنا، وإذا وصل، فهو غير صالح للشرب". هذه المشكلة التي يعاني منها أهالي المنطقة لا تقتصر على العكرات فقط، بل تشمل قرابة 15 منطقة سكنية تحيط بالقضاء، حيث يواجه السكان نفس الأزمة المائية الحادة التي لا حلول حقيقية لها حتى الآن.

وأضاف خضير في حديثه لـ"طريق الشعب"، ان "المياه التي نستخدمها حاليا إما مالحة أو ملوثة، كما أن نهر الدواية الذي نرتوي منه، والذي يتغذى من نهر الغراف، أصبح تدفقه شبه معدوم".

وأشار إلى أن هذه المياه غير صالحة للاستخدام، بسبب الاطيان والرائحة الكريهة.

واكد أن "العطش اصبح جزءا من حياتنا اليومية. لا أحد يمكنه تخيّل كيف تصبح الحياة مرهقة بسبب نقص المياه".

أزمة يعانيها الناس صباحا ومساء

سجاد السومري، ناشط مدني من المحافظة، يصف الوضع قائلاً: ان "العديد من سكان ذي قار أصبحوا يعتمدون بشكل كامل على شراء الماء، بعد أن فشلت شبكات الإرواء العامة في تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية".

ويضيف السومري في حديثه لـ"طريق الشعب"، انه "مع غياب الحلول المستدامة، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين لتكرار مشقة البحث عن الماء يوميا، صباحا ومساء، في رحلة لا تنتهي". ويرى أن هذه الأزمة المستفحلة باتت تفرض اضرارا صحية واقتصادية ونفسية على السكان، في ظل غياب حقيقي للتدخلات الحكومية المؤثرة.

ويشير إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط بشح المياه، بل تمتد إلى نوعية المياه المتوفرة، التي لا تصلح للاستهلاك في كثير من الأحيان، مؤكدا أن "العطش لم يعد مجرد معاناة يومية بل خطر يهدد الصحة العامة، بسبب الاعتماد على مياه غير مأمونة، بعضها ملوث، ما يعرض الأهالي للأمراض والمضاعفات الصحية".

ورغم إدراك الجهات الرسمية لحجم الكارثة، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة ومخيبة للآمال. ويلفت السومري إلى إعلان وزارة الموارد المائية في آب 2024 عن توقيع عقد مع ائتلاف شركتي ايطالية وأردنية، بهدف تطوير أنظمة الري وتأمين مستقبل مائي مستدام في العراق، خصوصا في مواجهة آثار التغيّر المناخي.

وبرغم مرور شهور على توقيع العقد، يقول السومري: "لم نر أي نتائج ملموسة على الأرض. الأزمة لا تزال على حالها، والمواطن هو من يدفع الثمن". ويختم محذرا من أن استمرار تجاهل هذا الملف الحيوي يهدد بتوسيع رقعة الجفاف والمعاناة، ويقوض الثقة بين المواطن والدولة.

تجاوزات المزارعين احد الاسباب

وكان مدير إدارة حوض نهر الغراف وجيه شاكر، قال في حديث صحفي أن "الكميات المائية المطلقة من نهر الغراف منخفضة في الوقت الحالي"، موضحاً أن "معدل تصريف المياه حالياً يتراوح بين 4 إلى 5 مترمكعب بالثانية، في حين أن الاحتياج الفعلي يصل إلى 7 مترات، لتغطية احتياجات الزراعة والمناطق السكنية".

وأضاف، أن "من بين الأسباب التي فاقمت الأزمة وجود تجاوزات من قبل بعض المزارعين، ممن لم يلتزموا بحصصهم المائية المحددة، ما أدى إلى استنزاف المصادر المحدودة وتفاقم الشحّة في المناطق الواقعة في نهايات شبكات الري".  وقال عضو مجلس محافظة ذي قار والناطق الرسمي باسم المجلس، أحمد سليم، إن المحافظة تواجه أزمة حادة في المياه تهدّد مناطق شاسعة، خاصة في شرق المحافظة، مثل قضاء الدواية، الشطرة، الغراف، سيد دخيل، والإصلاح، التي تعتمد بشكل أساسي على مياه نهر دجلة.

وأوضح سليم في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هناك انخفاضاً كبيراً في مناسيب نهر دجلة، ما أثر بشكل مباشر على الواقع الزراعي والمعيشي في تلك المناطق"، مضيفاً ان "بعض المناطق خرجت تماماً من المساحة الزراعيّة، وأصبحت الحاجة فيها تقتصر على مياه الشرب فقط".

وأشار إلى أن الأزمة ليست جديدة، بل تعاني منها المحافظة منذ سنوات، وقد جرى طرح هذا الملف خلال زيارة رئيس الوزراء الأخيرة إلى ذي قار، حيث تقدّمت الحكومة المحليّة بعدّة طلبات، أهمها زيادة الإطلاقات المائيّة من نهر دجلة، والتأكيد على التزام محافظة واسط بحصّتها المائيّة تجاه ذي قار.

وتابع سليم ان "رئيس الوزراء وعدنا بزيادة الإطلاقات المائيّة للمحافظة، على الأقل للحفاظ على الحد الأدنى من المناطق الزراعيّة، وضمان وصول مياه الشرب إلى المناطق المتضرّرة".

بين التصحر وشحّ الماء

وبيّن أن الحكومة المحلية، بشقيها التشريعي والتنفيذي، عملت أيضاً على تأمين كميّات إضافيّة من مياه نهر الفرات لتغطية احتياجات مناطق أخرى تعاني من الجفاف، مثل سوق الشيوخ والمناطق الواقعة على ضفاف الفرات.

وأكد سليم في ختام حديثه أن ذي قار باعتبارها من محافظات الجنوب، تتعرّض لخطر حقيقي بسبب التصحر، وارتفاع درجات الحرارة، وشحّ المياه، ما يتطلب استجابة عاجلة من الحكومة الاتحادية لضمان الأمن المائي والغذائي في المحافظة.

وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، إنّ "الوزارة تعتمد في معالجتها لأزمة المياه على محورين رئيسيين؛ الأول داخلي، ويشمل معالجة التجاوزات على الأنهر والجداول، وتطبيق نظام المناوبة والمراشنة لضمان توزيع عادل للمياه بين المناطق، فضلاً عن الجهود الاستثنائية التي تبذلها الوزارة لضخ المياه من بحيرة الثرثار لدعم مجرى نهر الفرات".

وأشار إلى أن "هناك توجيهات صارمة من الوزارة باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الشح المائي في محافظة ذي قار"، مؤكداً أن "المحور الثاني هو الخارجي، يرتكز على التواصل مع الجانبين التركي والسوري لتأمين إطلاقات مائية كافية في نهر الفرات، بما يسهم في تعزيز الخزين الاستراتيجي وتخفيف الأزمة".

وأضاف شمال في حديث خص به "طريق الشعب"، أن "الوزارة شكلت خلايا أزمة في كل محافظة، تتولى مسؤولية إدارة الموارد المائية ضمن قاطع المسؤولية الجغرافية، وتضم في عضويتها مديري الدوائر المختصة، وتعمل بالتنسيق مع الوحدات الإدارية، والقوات الأمنية، والجهات المدنية ذات العلاقة، لتنظيم إدارة المياه بشكل فعّال".

عرض مقالات: