اضطر المواطن حسن علوان البهادلي (42 عاماً)، المصاب بسرطان الرئة، إلى بيع بيته لتأمين نفقات إجراء عملية استئصال الورم، الذي أصابه على حين غرة.
وعن ذلك يقول في حديث صحفي، أنه لم يكن يقوى على تحمل أعباء الكلف المالية التي تترتب على عملية استئصال الورم، وما يتبعها من علاجات كيمياوية مكلفة، مؤكدا أن كلفة العملية تتجاوز 35 ألف دولار، وأنه طرق أبواب المستشفيات الحكومية لغرض إجراء العملية، لكن دون جدوى. إذ أخبروه بعدم توفر سرير شاغر، وان هناك عددا كبيرا من المرضى الذين ينتظرون دورهم لإجراء عمليات مماثلة.
وينوّه حسن، إلى انه في النهاية حصل على موعد لإجراء العملية في مدينة الطب، تبلغ مدته 4 شهور. وهي مدة يراها لا تسمح له بالاستمرار في العيش، لأن المرض يكون وقتها قد انتشر واستفحل، ولن تكون هناك ثمة جدوى من إجراء العملية، وهو ما دفعه للتوجه إلى مستشفى خاص.
إهمال صارخ!
قد يكون حسن أوفر حظاً من المواطن سعدون هليل (55 عاماً)، الذي أُصيب بالمرض ذاته ورقد في مستشفى الكاظمية مدة شهرين، لم يزره خلالها طبيب الأورام إلا مرة واحدة أسبوعيا، وذلك لعدم وجود طبيب اختصاص أورام في تلك المستشفى. إذ يستقدم المستشفى هذا الطبيب من مدينة الطب ليوم واحد في الأسبوع، وإذا صادف هذا اليوم عطلة رسمية، فعلى المرضى انتظار الطبيب في الأسبوع التالي!
هذا ما تذكره زوجة هليل، سميعة عبد الحسين، في حديث صحفي، والتي تؤكد أن زوجها لم يُعطَ خلال رقوده في المستشفى أي علاجات سوى المهدئات، حتى استفحل المرض وانتشر في مواضع عديدة من جسده، وهو ما دفع أطباء المستشفى إلى إخراجه لمنزله لأن حالته لم تعد تسمح بخضوعه إلى أي عملية.
وتلفت سميعة إلى ان سعدون توفي بعد أقل من شهر على خروجه من المستشفى، بسبب عدم اهتمام الكوادر الصحية الحكومية بحالته، وعدم توفر المال اللازم لعلاجه في المستشفيات الأهلية.
ويعاني المصابون بالأورام الخبيثة والسرطانات المختلفة تأخيرا في إجراء العمليات والحصول على حجوزات في المستشفيات الحكومية، بسبب الازدحام الشديد وقلة الكوادر الطبية التي لا تنسجم مع أعداد المرضى. كما يعانون عدم توفر العديد من العلاجات وأجهزة الفحص الضرورية، في المؤسسات الصحية الحكومية. وإذا ما أرادوا التوجه للصيدليات والمختبرات الأهلية، فعليهم تأمين مبالغ كبيرة جدا.
ما قول الجهات الرسمية؟!
من جانبه، يوضح مدير إعلام مدينة الطب واثق الجابري، أن مؤسستهم تضم "مستشفى الأمل" للأورام ومركزا لزرع النخاع النقي وفحص الدم، فضلاً عن "مركز بغداد" للإشعاع، المتخصص في الفحوصات الدقيقة.
ويشير في حديث صحفي إلى ان مركز زرع النخاع يعد من المراكز الفريدة في العراق، وتم افتتاحه عام 2023، وأن مدينة الطب تشرع حالياً ببناء مركز مشابه بسعة 150 سريراً خاص بالأطفال، لافتاً إلى أن أكثر من 45 في المائة من موازنة وزارة الصحة المالية تخصص للأمراض السرطانية.
وينوّه الجابري إلى أن الجرعات الكيمياوية التي يقدمها المستشفى تختلف بين مريض وآخر بحسب الحالة المرضية، وان عمليات رفع الأورام للنساء والرجال، وجميع الفحوصات، يتم إجراؤها مجانا.
ولتفادي الازدحام، يتم التسجيل والحجز إلكترونياً من قبل المرضى – وفقا للجابري، الذي يؤكد أن مرضى الأورام يتمتعون بأولوية من ناحية الفحوصات والعمليات والعلاجات بما فيها الفحوصات النادرة، ومنها فحصا "كاما كاميرا" و"بيتا سكان".
ويتابع قوله أنه تم افتتاح ردهة في الطابق الثالث من "مستشفى الأمل" مخصصة لزرق العلاج الكيمياوي اليومي، وان ثمة توجيها باستخدام الطبلة الإلكترونية الخاصة بالمريض بدلاً عن الطبلة الورقية، ويتم بموجبها إجراء جميع الفحوصات وتشخيص الحالة، مبيناً أنه تم قبل فترة قصيرة افتتاح المختبر الوطني في مدينة الطب لتشخيص الأورام السرطانية الذي يستقبل المرضى من جميع المحافظات ويستوعب مختلف الفحوصات الطبية.
تطور في الفحص والعلاج
طبيب الأورام في "مستشفى الأمل"، أحمد عبد القادر، يفيد بحصول تطور ملموس خلال العامين الماضيين في مجال فحص الأورام السرطانية وتشخيصها، مع توفير علاجات لم تكن موجودة سابقاً.
ويوضح في حديث صحفي أن "علاجات الأورام مكلفة جداً، لكنها تصرف مجاناً للمرضى. وقد فتحت هذه العلاجات آفاقاً جديدة للشفاء من الأمراض السرطانية"، مشيرا إلى "توفر أجهزة العلاج الشعاعي التي دخلت البلاد أخيرا، وهي ذات تقنيات متطورة ساعدت على شفاء عدد كبير من الحالات".
ويلفت عبد القادر إلى أن "العلاج الشعاعي كان يتوفر فقط في مستشفى واحد في بغداد، أما الآن فيوجد أكثر من 13 مركزاً يُقدم هذا العلاج في عموم البلاد".
ويعد "مستشفى الأمل" للأورام صغيراً للغاية بالمقارنة مع الزخم الكبير للمراجعين. وحسب عبد القادر فإنه جرت توسعة ردهة العلاج الكيمياوي، على أن يتم قريباً بناء مستشفى آخر يلحق بهذا المستشفى.
شح الأدوية ونقص الكوادر
وعلى الرغم من الخدمات الطبية والأجهزة المتطورة التي تفيد الجهات الصحية بإدخالها في القطاع الصحي، إلا أن ثمة مشكلات تواجه مرضى السرطان في المستشفيات الحكومية.
ووفقا لمعاون مدير مركز أمراض الدم في مدينة الطب، مازن عباس، فإن أبرز تلك المشكلات قلة عدد الأسرّة والكوادر الطبية والتمريضية المتخصصة، إضافة إلى شح الأدوية والمستلزمات الخاصة بعمليات الزرع.
ويلفت الى أن هناك شحا في بعض المواد الخاصة بالتحاليل، وهو ما يؤثر بشكل كبير على عمليات الزرع، فضلاً عن نفاد بعض الأدوية الخاصة في المستشفيات الحكومية.
ويتطلب رقود المرضى المصابين بأمراض سرطانية في المستشفى مدة لا تقل عن شهر. وقد تصل إلى شهرين أو أكثر لتلقي العلاج.
يقول المريض الراقد في "مستشفى الأمل" جاسم طاهر (57 عاماً)، أنه مكث شهراً بعد إجراء عملية استئصال ورم خبيث، وحاليا يتلقى العلاج الكيمياوي أسبوعياً، موضحا في حديث صحفي أن الخدمة التي يقدمها المستشفى جيدة وهناك عناية خاصة من حيث زيارة الطبيب وانتظام تقديم العلاج.
فيما تقول المريضة سناء عليوي، أن "هناك تأخيرا يحصل عادة في إجراء الفحوصات والتحاليل الطبية، وأن أكثر ما يقلق المرضى هو تأخير موعد العمليات، لأن معالجة هذه الأمراض لا تحتمل التأجيل"، مبينة أن "المستشفيات الخاصة مُكلفة للغاية، وليس أمام المرضى من محدودي الدخل سوى الامتثال للواقع وتقبل العلاج في المستشفيات الحكومية".