على الرغم من امتلاك محافظة واسط واحدة من أكبر المحطات الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية في العراق والشرق الأوسط، إلا أن أكثر ما جناه سكان المحافظة من تلك المحطة هو انبعاثاتها وعوادمها المسرطنة!
وسنويا مع بداية فصل الصيف، يستعد أهالي واسط إلى مواجهة معاناة طائلة إثر تراجع تجهيز التيار الكهربائي، إلا أن هذا العام سيكون الأسوأ ربما، لأن المعاناة بدأت مبكرا. حيث استقبل الأهالي فصل الربيع بأزمة كهرباء خانقة غير مسبوقة، الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة عن المستوى الذي ستبلغه الأزمة صيفا.
وسجلت ساعات تجهيز الكهرباء أدنى مستوياتها منذ سنوات، بمعدل لا يتجاوز ست إلى سبع ساعات يومياً، وسط درجات حرارة بدأت ترتفع تدريجياً مع نهاية نيسان.
محطة واسط الحرارية في قضاء الزبيدية، والتي أنشئت لتكون دعامة أساسية للمنظومة الوطنية، تنتج طاقة كهربائية كبيرة تصل إلى 2500 ميغاواط. وكان يُفترض بهذه المحطة أن تضمن استقرار الكهرباء في المحافظة، إلا ان ما يجنيه الأهالي هو الغازات المسرطنة المنبعثة منها، بينما الكهرباء من سيء إلى أسوأ، الأمر الذي يضطرهم إلى الاعتماد على المولدات الأهلية والمنزلية، وبالتالي تحمّل نفقات كبيرة.
وهذا العام حلت الأزمة قبل شهرين من موسم ذروة الطلب على الكهرباء، ما ينذر بصيف كارثي إذا لم تُتخذ حلول عاجلة.
ويُعبر مواطنون من مدن الكوت والحي وشيخ سعد والنعمانية والعزيزية والصويرة، عن استيائهم من هذه الأزمة المتكررة. وبينما يتساءلون عن دور المسؤولين المحليين في تأمين حق واسط من الطاقة الكهربائية، باعتبارها مُنتجة للكهرباء والنفط أيضا، يُهدد ناشطون ومواطنون بالخروج في احتجاجات أمام مبنى مجلس المحافظة، في حال لم تُعالج الأزمة.
ويعزو مسؤولو الطاقة في واسط، الأزمة إلى عوامل عدة، منها ان تقسيم حصص الكهرباء مركزي من وزارة الكهرباء وليس من المحافظة، إلى جانب قلة الوقود وإجراء أعمال صيانة في المحطة والنواقل وغيرها. وفي المقابل يرى ناشطون ومواطنون أن هذه الأزمة التي تتكرر سنويا، تنم عن سوء إدارة ملف الطاقة وعن الفساد المستشري في مفاصل الدولة، على اعتبار أن أموالا هائلة أنفقت على ملف الكهرباء منذ 2003 ولا تزال الأزمة تستفحل عاما بعد آخر.
وكثيرا ما يُصرح مسؤولون في واسط عبر وسائل إعلام، بأن المحافظة تحصل على حصة رسمية من الكهرباء تحددها وزارة الكهرباء وشركة التوزيع في بغداد، لكنها أقل بكثير من احتياجات السكان الفعلية. فيما يستغرب المواطنون من تجاهل معاناتهم، مطالبين الحكومتين المحلية والاتحادية باتخاذ خطوات عاجلة لضمان عدالة توزيع الكهرباء.
أما وزارة الكهرباء، فهي تبرر الأزمة بتزايد الأحمال مع بدء ارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن قلة الوقود، ووجود مشكلات في خطوط النقل.
وفي نهاية العام الماضي، رفع محافظ واسط دعوى قضائية ضد وزارة الكهرباء. حيث اتهمها بالفساد المالي والإداري واعتماد المحسوبية في توزع الطاقة بين المحافظات. ووقتها دعا المحافظ مجلس المحافظة إلى عقد جلسة طارئة لفك ارتباط المحطة الغازية بوزارة الكهرباء، أو نقلها إلى محافظة أخرى، أو تخصيص 50 في المائة من انتاجها لواسط.
ورغم الشكوى، لم تشهد الأزمة أي تحسن ملموس حتى الآن، ما جعل الكثيرين يعتبرون تلك الشكوى مجرد إجراء شكلي، لم يُترجم إلى ضغط حقيقي لتغيير الواقع.
المواطن في قلب المعاناة!
في ظل أزمة الكهرباء تتفاقم معاناة المواطنين. فمع مواجهة الحرارة الشديدة والظلام الدامس، تأتي أجور المولدات الأهلية لتزيد المعاناة معاناة. إذ يضطر الكثيرون إلى طلب المزيد من الأمبيرات والاشتراك في "الخطوط الذهبية" ذات الكلفة الأعلى، فضلا عن استهلاك كميات كبيرة من الوقود في حال كانوا يمتلكون مولدات منزلية، وبالتالي تحمّل نفقات إضافية كبيرة. بينما الفقراء والمعدمون لا يتغيّر لديهم الحال، إذ يواجهون آلام الصيف بالصبر الجميل!
يقول المواطن محمد علي شهاب من قضاء النعمانية، أنه "من الغرابة أن تحل أزمة الكهرباء في نيسان، ترى أي ضيم سنواجه في تموز وآب؟!"، مضيفا لـ"طريق الشعب" قوله أنه "لدينا محطة تنتج من الطاقة الكهربائية ضعف ما تحتاجه واسط، بينما لا نحصل نحن إلا على الفتات!".
ويشير إلى ان "الحاجة إلى المولدات الأهلية برزت مبكرا كملاذ وحيد للمواطن، رغم انها لا تزال تعمل وفق نظام التشغيل الشتوي المحدد من الساعة 12 ظهرا حتى 12 ليلا".
فيما يقول المواطن كريم محمد من مدينة الكوت، أنه "نقضي ساعات الصباح والضحى بلا كهرباء. المولدة لا تعمل إلا بعد الظهر، والوطنية متذبذبة؟!"، مضيفا أنه "اعتدنا في هذا الوقت من السنة على التنعم قليلا بكهرباء مستقرة، نظرا لقلة الأحمال، إلا ان بوادر الأزمة هذا العام بدأت مبكرا. فحتى في فصل الشتاء عانينا كثيرا مع الكهرباء جراء قطع الغاز المورد من إيران".
ويُبدي محمد قلقه من تداعيات الأزمة في شهور ذروة الصيف.
إدارة فاشلة!
من جانبه، يقول المواطن محمد قربج من قضاء الصويرة، أنه "بالرغم من الأموال الهائلة التي أنفقت منذ 2003 ولا تزال تُنفق على قطاع الكهرباء، إلا أن الأزمة مستمرة. لا بل انها تشتد سنة بعد سنة. وهذا ينم عن فشل الإدارة المعنية بهذا الملف، ناهيك عن الفساد الإداري والمالي واللاأبالية تجاه المواطن ومعاناته".
وعن الوضع في واسط، يقول قربج لـ"طريق الشعب"، أنه "في الأوساط الشعبية يزداد الغضب على الحكومة المحلية، التي يرى الكثيرون انها لم تتحرك بالشكل الكافي لتأمين حصة كهرباء عادلة لهذه المحافظة المنتجة للكهرباء والنفط والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية"، مبينا أن "هذه الأزمة المستفحلة منذ سنوات تؤكد فشل التخطيط في ملف الكهرباء. محافظتنا تنتج آلاف الميغاواطات، لكنها لا تحصل حتى على نصف حاجتها من الطاقة.. هذا غير منطقي أبدا"!
ويتابع بألم: "كرهنا الصيف. لا بل أن أطفالنا لم يعودوا يستقبلون العطلة الصيفية بشغف. فهم مدركون جيدا انهم على موعد مع معاناة طائلة في جو لاهب"!
لا سبيل لانفراج الأزمة إلا بالاحتجاج
في ظل تفاقم الأزمة واستمرار الصمت الرسمي ازاءها، بدأ عدد من الناشطين في مدن واسط بالتحشيد لتنظيم احتجاجات شعبية أمام مبنى مجلس المحافظة، لإرغامه على التحّرك تجاه الحكومة المركزية ووزارة الكهرباء، من أجل تأمين حصة كهربائية عادلة للمحافظة.
ويرى الناشطون في منشورات تناقلتها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن لا سبيل لمعالجة الأزمة سوى في الاحتجاج الشعبي السلمي الواسع، مبدين استياءهم من عجز المسؤولين المحليين عن التحرك بشكل جاد لضمان حصة المحافظة من الكهرباء.
ويدعو ناشطون وجهاء المحافظة وجميع مواطنيها، إلى مساندة الاحتجاج لتشكيل زخم شعبي ضاغط، متوعدين الحكومة بتصعيد موقفهم في ظل توقعات بارتفاع درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة.
تظاهرة في شيخ سعد
أول أمس الأحد، خرج المئات من أهالي ناحية شيخ سعد شرقي واسط، في تظاهرة عند مدخل محطة توزيع الكهرباء في الناحية، وذلك احتجاجا على تراجع ساعات تجهيز الكهرباء.
ومنح المتظاهرون الجهات الحكومية، مهلة مدتها أسبوع لتحسين ساعات تجهيز الكهرباء، قبل عودة التظاهرات بأعداد أكبر.
وقال الناشط نشوان الناهي في حديث صحفي، أن "الكهرباء منذ حوالي 10 أيام تدهورت بدرجة كبيرة في ناحية شيخ سعد، ويمكننا القول أن مجمل التجهيز اليومي لا يتعدى 6 ساعات، حيث تُجهز الناحية بالكهرباء لنصف ساعة بعد انقطاع 4 ساعات".
وأوضح أنه "بمجرد دعوتنا للتظاهر تجمع المئات من أبناء الناحية استنكاراً لوضع التجهيز. وللحفاظ على الهدوء في الناحية، قررنا منح مهلة مدتها أسبوع لتحسين ساعات التجهيز، وبخلافه فإننا سننظم اعتصاماً كبيراً في الناحية ندعو اليه جميع العشائر".
وأكد الناهي أن "التوزيع الحالي للطاقة غير عادل، ففي الوقت الذي نُحرم فيه من الكهرباء تمرر محطة الناحية حوالي 15 ميغاواط إلى مناطق في محافظة ميسان المجاورة، كجزء من عمل منظومة الوطنية، وهو ما يُلحق الظلم بأهالي الناحية".