اخر الاخبار

رغم تحديد قانون العمل العراقي لساعات الدوام بثماني ساعات يومياً، تتواصل شكاوى العمال في القطاع الخاص بشأن تجاوز هذا الحد دون احتساب أجر إضافي، وسط غياب الرقابة وضعف تطبيق القانون، ما يعرض شريحة واسعة من العاملين للاستغلال.

ويشتكي العديد من العمال في القطاع الخاص من ساعات عمل طويلة تتجاوز 12 ساعة يوميا، دون تعويضات أو استراحات مناسبة، ما يعكس واقعا مريرا من الاستغلال وغياب الرقابة. ويؤكد بعضهم أن ظروف العمل أصبحت مرهقة وغير عادلة، خاصة في قطاعات مثل المطاعم، والخدمات، والمشاريع الصغيرة، حيث تُفرض الشروط من أصحاب العمل في ظل انعدام العقود الرسمية أو جهة تضمن حقوقهم.

قانون غير مفعّل

قالت سميرة الخفاجي، عضو نقابة العمال، إن "قانون العمل العراقي الصادر عام 2015 لا يطبق إلا بنسبة لا تتجاوز 2 في المائة في القطاع الخاص، رغم احتوائه على مواد صريحة تنظم ساعات العمل، الأجور، فترات الاستراحة، والحقوق الخاصة بالنساء العاملات".

وأوضحت الخفاجي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "القانون حدد ساعات العمل اليومية وألزم أصحاب العمل باحتساب الساعات الإضافية، لكنه في واقع الحال لا يُفعّل، ما يترك العمال في القطاع الخاص عرضة لانتهاكات عديدة، أبرزها العمل لساعات طويلة دون أجر إضافي، وحرمانهم من الإجازات الرسمية المدفوعة".

وأضافت، أن "بعض الجهات الرقابية، مثل لجان التفتيش التابعة لوزارة النفط، تمارس دوراً فعالاً في مراقبة محطات الوقود، إذ قد تصل العقوبات إلى إغلاق المحطة في حال اكتشاف مخالفات، ما يدفع أصحاب هذه المشاريع إلى الالتزام، على الأقل في الشكل العام"، لكنها نبهت إلى أن أغلب عمليات التفتيش تقتصر على التحقق من وضع العمالة المهاجرة من حيث الإقامة القانونية، دون الالتفات إلى ظروفهم العملية أو الأجور أو السلامة المهنية.

وأشارت الخفاجي إلى أن "أحد أبرز التحديات هو غياب العقود المكتوبة بين العامل وصاحب العمل، حيث تعتمد معظم التعيينات على اتفاقات شفوية تتغير لاحقاً لصالح صاحب العمل، ما يُضعف موقف العامل في حال حدوث نزاع. وذكرت أمثلة من الحياة الواقعية، كحال زوج ابنة أخيها الذي اتفق مع إحدى الشركات العاملة في موانئ أم قصر على شروط معينة، لكن عند مباشرة العمل، تم تغييرها، من حيث ساعات العمل والأجر، دون وجود مرجعية قانونية يمكن الاستناد إليها".

كما اشرّت وجود تمييز واضح بين العمال المحليين والأجانب في بعض الشركات، حيث يحصل الأجانب على أجور أعلى بكثير، وتُوفر لهم شروط سلامة أفضل، في حين يعمل العراقيون لفترات أطول، وفي ظروف أصعب، دون ضمانات تذكر.

وأكدت، أن "غياب المتابعة الفعلية من الجهات الرقابية، وضعف عدد المفتشين، اسهما في تفاقم هذه الظواهر".

وأكدت الخفاجي، أن النساء هن من بين الفئات الأكثر تضرراً، حيث تُعرض عليهن وظائف بدوام جزئي أو بأجور متدنية، وغالباً ما تكون ساعات العمل أطول مما هو متفق عليه. وأشارت إلى أن العديد من النساء يقبلن بهذه الشروط القاسية بسبب الحاجة المعيشية، خاصة في مجالات مثل الزراعة، الغزل والنسيج، أو العمل في المطاعم، حيث تعمل بعضهن لساعات تمتد حتى 12 ساعة يومياً دون الحصول على مقابل عادل أو تعويض عن الساعات الإضافية.

وفي ما يتعلق بالعمل عبر الإنترنت أو المنصات الرقمية، قالت الخفاجي إن هذه الأنماط الجديدة من العمل باتت منتشرة على نطاق واسع، لكنها لا تخضع لأي إطار قانوني واضح حتى الآن. ولفتت إلى أن العاملين في هذا المجال يواجهون استغلالاً واضحاً، سواء من حيث الأجور أو ساعات العمل، في ظل غياب قوانين تنظم العلاقة بينهم وبين أصحاب العمل، مشيرة إلى أن هناك تحركات من قبل منظمات العمل الدولية والعربية لمحاولة إدخال هذه الفئات ضمن نطاق قانوني يضمن حقوقهم.

وفي ختام حديثها، شددت الخفاجي على أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب تفعيل القانون، وضعف وعي العاملين بحقوقهم، ووجود جهات متنفذة تُرهب بعض العاملين وتمنعهم من تقديم شكاوى أو المطالبة بحقوقهم. ودعت إلى تفعيل الدور الرقابي الحقيقي لوزارة العمل، وزيادة عدد المفتشين، وتكثيف حملات التوعية بحقوق العمال، لضمان الحد الأدنى من العدالة في بيئة العمل داخل القطاع الخاص في العراق.

حماية العمال تبدأ بالتوعية

وقال القانوني مصطفى البياتي إن "قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، يُعد من القوانين المتقدمة في حماية حقوق العاملين، حيث ينص على أن ساعات العمل اليومية لا يجوز أن تتجاوز ثماني ساعات، وبما لا يزيد عن 48 ساعة في الأسبوع، مع وجوب منح استراحة لا تقل عن ساعة خلال العمل اليومي".

وأضاف البياتي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "القانون ألزم أصحاب العمل بدفع أجور إضافية للعاملين عند تشغيلهم ساعات عمل إضافية، و تحسب الأجور الإضافية بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من الأجر الاعتيادي في الأيام العادية، و100 في المائة في أيام العطل الرسمية".

وأشار إلى أن "عدداً كبيراً من العمال، خاصة في القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة، غير مطلعين على هذه الحقوق، ما يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال، حيث يُجبرون على العمل لأكثر من ثماني ساعات يومياً دون أي زيادة في الأجر، أو يُحرمون من الإجازات السنوية والمرضية المنصوص عليها في القانون".

وأكد البياتي ضرورة تفعيل دور مفتشية العمل ووسائل الإعلام والنقابات العمالية في توعية العمال بالقانون، قائلاً: ان "الجهل بالقانون لا يسقط الحق، لكنه يسهل التجاوز عليه. حماية العمال تبدأ بالمعرفة والوعي، وتنتهي بتطبيق القانون ومحاسبة المخالفين".

القانون لا يغطي الأعمال الرقمية

وفي السياق ذاته، قال الناشط العمالي علي الجناحي إن "قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015 ينظم بشكل دقيق حقوق العمال، بما في ذلك عدد ساعات العمل، والإجازات الرسمية، والامتيازات التي يجب أن يتمتع بها العاملون في مختلف القطاعات".

وأوضح الجناحي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "المادة 57 من القانون تحدد ساعات العمل بثماني ساعات يوميًا، أو 48 ساعة في الأسبوع، فيما تنص المادة 60 على دفع أجر إضافي بنسبة 50 في المائة عند تشغيل العامل لساعات إضافية. أما العمل الليلي، بين الساعة التاسعة مساءً والسادسة صباحًا، فيُمنع إلا في ظروف استثنائية، مع تعويض مناسب".

وفي ما يتعلق بالعطل، أشار الجناحي إلى أن "القانون يمنح العمال يوم راحة أسبوعية مدفوعة الأجر، وعطلاً رسمية تشمل المناسبات الوطنية والدينية، إضافة إلى 20 يومًا من الإجازة السنوية بعد عام من الخدمة، وإجازات مرضية قد تصل إلى 90 يومًا حسب مدة الخدمة".

لكن رغم هذه الحقوق القانونية، يؤكد الجناحي أن "الكثير من العمال، خاصة في القطاعات غير الرسمية، لا يملكون معرفة كافية بهذه الحقوق، ما يجعلهم عرضة للاستغلال، من خلال إجبارهم على العمل لساعات طويلة دون أجر إضافي، أو حرمانهم من الإجازات". ولفت إلى أن "صناع المحتوى في العراق يمثلون فئة جديدة من العاملين الذين لا تشملهم اللوائح التقليدية، حيث يعمل أغلبهم لحسابهم الخاص أو بموجب عقود غير رسمية، ما يعني أنهم خارج تغطية قانون العمل، ويواجهون مشاكل تتعلق بساعات العمل الطويلة، وعدم وجود ضمان اجتماعي، أو تأمين صحي".

وبيّن الجناحي أن "أغلب صناع المحتوى لا يملكون عقودا واضحة تحدد حقوقهم والتزاماتهم، ما يصعّب عليهم المطالبة بحقوقهم لاحقا"، داعيا إلى "تعديل قانون العمل ليشمل العاملين في القطاع الرقمي، وتفعيل نماذج العقود الرسمية التي تحمي حقوق هذه الشريحة".

وختم بالقول إن "العمل عن بعد كذلك لا يحظى بتنظيم كافٍ في القانون العراقي، ما يتطلب إعادة النظر في التشريعات الحالية لمواكبة التغيرات في سوق العمل، وضمان حماية العاملين، بمن في ذلك النساء، اللواتي يحق لهن بحسب المادة 70 الحصول على إجازة أمومة تصل إلى 72 يومًا مدفوعة الأجر".