اخر الاخبار

في شوارع العراق التي تغيب عنها أنظمة إدارة النفايات الحديثة، يقف عمال النظافة يوميا في مواجهة مع القمامة والأتربة ومخلفات المواد الكيميائية وغيرها من المواد الخطيرة، بلا شروط عمل صحية ولا حماية أو تقدير رسمي. وفي المقابل، يجدون لفتات إنسانية من السكان الذين يحاولون تعويض غياب الدولة، ما يعطيهم حافزاً للاستمرار في عملهم الذي يعدّ بالغ الأهمية.

ويواجه عمال النظافة معاناة طائلة. إذ لا راتب جيدا يوازي جهودهم، ولا ضمان صحيا أو حقوق تجزي أتعابهم. وفيما يناشدون باستمرار، أصحاب القرار ضرورة الإلتفات الى حقوقهم وإحقاقها، لا يجدون اذنا صاغية.

170 ألف دينار شهريا!

العامل حسين الراضي (27 عاماً)، وُلد بإعاقة في قدمه اليسرى، ومنعته ظروف عائلته المعيشية الصعبة من إكمال تعليمه الابتدائي، لكنها لم تمنعه من النهوض يومياً عند الفجر للعمل في تنظيف الأرصفة المجاورة للمطاعم في منطقة الكرادة الشرقية.

يتحدث الراضي عن ظروف عمله، ويقول أنه يعمل بجد، لكن راتبه الذي يبلغ 170 ألف دينار، لا يكفيه لسد احتياجات عائلته. حيث يسكن مع والدته وشقيقتيه، إحداهما طالبة في الجامعة والأخرى في المرحلة الثانوية.

ويضيف في حديث صحفي أن "بعض أصحاب المطاعم يعاملونني كما لو كنت فرداً من عائلاتهم. يمنحونني وجبات طعام يومية، ويقدمون لي مبالغ مالية، خصوصاً في الأعياد. لولا مساعدتهم، لما تمكنت من إعالة أسرتي".

ورغم قسوة الواقع، يرفض الراضي الاستسلام أو التذمر. إذ يقول: "أحب عملي، لكن أتمنى أن تهتم الدولة بنا، خصوصاً نحن الأشخاص المعاقين".

الدعم المجتمعي

من جهته، اضطر عامل النظافة أحمد علي (17 عاماً) إلى ترك مقاعد الدراسة بعمر 11 عاماً، بعد أن أقعد المرض والده، ليصبح المعيل الوحيد لعائلة مكونة من خمسة أفراد.

يتحدث علي عن الدعم الذي يتلقاه من المجتمع قائلا: "يقدّرني الناس كثيراً. يتوقفون ليتحدثوا معي ويُظهرون الاحترام. بعض أصحاب المحال التجارية يمنحونني المال بين حين وآخر، وكثيراً ما يقدمون لي ملابس جديدة".

ويضيف في حديث صحفي قوله أنه "خلال الشتاء الماضي، خلع أحدهم معطفه الثمين الواقي من المطر وأهداني إياه، إذ كنت أختبئ من المطر تحت شجرة. لن أنسى هذا الموقف ما حييت. أشعر أن جهدي لا يضيع سدىً. كما أن حب الناس يُشعرني بأنه لا فرق بيني وبين الآخرين".

مخاطر المهنة

في السياق، يرى العامل قاسم علاوي (32 عاماً)، وهو متزوج وأب لطفلين، أن التضامن المجتمعي هو ما يمنحه القدرة على الاستمرار.

ويوضح في حديث صحفي أن "راتبي لا يكفي لتغطية نفقات الأسرة، لكن أصحاب المحلات يقدّمون لي الدعم باستمرار"، مبينا أن "المحلات تمنحني ملابس لي ولأطفالي. بعضهم يزودني بأدوات ومواد تنظيف أو حاجات منزلية أخرى".

ويتحدث علاوي عن الخطورة التي يواجهها عمال النظافة في عملهم، مبينا أنه "أحياناً، نضطر إلى إزالة نفايات تحتوي على زجاج مكسور أو مواد كيميائية ضارة.

نعمل بأيدينا وبمعدات بسيطة، من دون تأمين صحي أو فحوصات طبية منتظمة".

وتعاني مدن البلاد تدهوراً بيئياً، وضعفاً إدارياً في ملف النظافة والصحة العامة. إذ لا تتوفر الجهات المعنية منظومات حديثة لفرز النفايات أو معالجتها، فيُلقى جزء كبير منها في أماكن عشوائية.

وغالباً ما يستخدم العمال أدوات بدائية في التنظيف وجمع النفايات ويُتركون لمواجهة تحديات بيئية من دون وقاية.

وتشير تقارير بيئية إلى أن نسبة تلوث الهواء في بغداد كبيرة نتيجة انبعاثات المركبات وإحراق النفايات، بينما تغيب الحملات التوعوية والتشريعات البيئية الفاعلة. وفي مسح أجرته شركة "آي كيو آر" السويسرية لتصنيع أجهزة تنقية الهواء في آذار 2024، احتل العراق المرتبة الثانية من بين أكثر دول العالم تلوّثاً، وجاءت بغداد في المرتبة 13 من بين مدن العالم.

واجب دعم عمال النظافة

وسط هذا الواقع القاسي، يبرز وعي مجتمعي متزايد حول أهمية دعم عمال النظافة وحمايتهم ومساندتهم – وفقا لمحمد كريم، وهو صاحب محل أدوات منزلية في الباب الشرقي.

ويضيف في حديث صحفي أن "عمال النظافة في العراق لا يطلبون الإحسان، بل العدالة". ويوضح أن "هؤلاء الذين يكنسون الشوارع ويطهرون الزوايا المنسية، لا يملكون صوتاً إعلامياً ولا نقابياً، لكنهم يحظون بمحبة الناس واعترافهم بفضلهم".

ويتابع كريم قوله أن "هؤلاء العمال يؤدّون عملاً ضرورياً جداً. لا أحد يتحمّل ما يتحملونه يومياً. مع ذلك، رواتبهم ضئيلة جداً. نحاول مساعدتهم بما نقدر عليه، لكن هذا ليس حلّاً طويل الأمد".

أما سارة جاسم، وهي صيدلانية. فتقول أنه "كل صباح أرى عمال النظافة يرفعون النفايات بأيديهم من دون وسائل وقاية تتناسب مع مختلف تصنيفات النفايات. هناك نفايات سائلة وأخرى صلبة وبينها مواد جارحة وسامة وخطيرة".

وتشير في حديث صحفي إلى ان "هذا وضع لا يليق بكرامة الإنسان. لذلك، تجدنا نتفاعل معهم. دائماً ما أقدم لهم معقمات وعلاجات وضمادات مجاناً.

إذ يتعرضون باستمرار لجروح وإصابات. إن لم نقف نحن معهم، فمن سيفعل ذلك؟ هم أبناؤنا وإخوتنا، لكن ظروفهم الصعبة تجبرهم على العمل في بيئة مؤذية".