اخر الاخبار

في ظل هيمنة البضائع المستوردة على الاسواق المحلية، باتت عبارة "صنع في العراق" التي تُلصق على السلع، نادرة جدا، بالرغم من كونها وصلت إلى السوق العالمية قبل عقود.

وعلى الرغم من توفر الخبرات والمواد الأولية الصالحة لصناعات مختلفة، يشهد العراق حالة من الشلل في القطاعين الصناعيين العام والخاص، باستثناء بعض المحاولات الخجولة التي لا يمكنها ان تجعل منه بلداً صناعياً.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه نحو الاستيراد. وقدّر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع. ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي من ذلك، بل يستمر الاستيراد من  دول المنطقة وغيرها ويتصاعد مع إهمال الصناعة المحلية.

لكن المتحدثة باسم وزارة الصناعة والمعادن ضحى الجبوري، تفيد بأن "الشركة العامة للصناعات الكهربائية والالكترونية، إحدى تشكيلات الوزارة، تواصل عملها وتعرض منتجاتها للبيع عبر عدد من المنافذ التسويقية، بالتعاون مع القطاع الخاص".

وتُبيّن في حديث صحفي أن "الشركة تتخصص في صناعة الأجهزة الكهربائية، مثل التبريد الذي يتضمن المكيف الشبكي، والذي يأتي بسعات مختلفة، فضلا عن اجهزة التبريد الكنتورية والمكيف الجداري بنوعيه العادي والاقتصادي، إضافة الى صناعة برادات الماء والمراوح السقفية والمنضدية والعمودية وأجهزة الحماية".

وتشير الجبوري الى "قيام الشركة بإنتاج سخانات الماء بسعات مختلفة فضلاً عن إنتاج مبردات الهواء ومضخات الماء"، مضيفة أن "هناك مصنعا متكاملا تابعا للشركة يتخصص في انتاج المصابيح ومواد الانارة الحديثة الموفرة للطاقة، ومنها مصابيح بأحجام وألوان مختلفة".

وتنوه إلى "وجود منافذ تسويقية للشركة في بغداد وديالى وبابل وواسط وكركوك، وإلى وجود تعاون ملموس في هذا الاطار بين الشركة والقطاع الخاص".

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قد أعلن في مطلع أيار 2023، خلال مؤتمر الاستثمار المعدني الذي أقيم في بغداد، ان "العراق قادر على إنتاج صناعة وطنية تضاهي ما ينتج في الدول العربية.. ولن نظل متفرجين على بقاء العراق سوقا استهلاكية، بل سيكون هنالك إنتاج وطني".

ويمتلك العراق شركات رسمية لا تزال فاعلة ومنتجة، مثل النسيج، والصناعات الكهربائية التي تحمل اسمي "عشتار" و"القيثارة"، فضلا عن شركات لإنتاج المواد الغذائية، كالألبان

عوامل منافسة المستورد

يرى الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن إعادة الحياة لشعار"صنع في العراق" تتوقف على مجموعة من العوامل، وعلى مقومات تساعد في إنتاج صناعة محلية قادرة على منافسة المستورد. 

ويوضح في حديث صحفي، أن "أبرز تلك العوامل هو إعادة الثقة في المنتج العراقي. إذ لن تتوفر هذه الثقة إلا من خلال طرح منتجات رصينة ومتينة تناسب قدرة دخل الفرد"، لافتا إلى ان "عامل الكلفة المالية له دور مهم في الصناعة. فتكلفة إنتاج أي منتج محلي عالية مقارنة بدول الجوار، مثل تركيا وإيران أو الصين".

ويشدد العبيدي على أهمية "إعادة النظر في التعرفة الكمركية للسلع المستوردة، بما يحقق قدرة تنافسية للمنتج العراقي، رغم ان ذلك سيؤدي الى ارتفاع بعض السلع في السوق المحلية وسيؤثر على قدرة المواطن الشرائية"، منوها إلى انه "نحتاج الى استراتيجية واضحة تعتمد على الثقة وتوفير العوامل الأساسية للمنتجات المحلية، وتقليل الكلف المالية لتصبح تلك المنتجات قادرة على منافسة مثيلاتها المستوردة".

جدير بالذكر أن وزير الصناعة خالد بتال النجم، أقر أخيرا بصعوبة منافسة المنتج المحلي للبضائع المستوردة من البلدان المجاورة، اضافة إلى الصين، بسبب انخفاض تكلفة الإنتاج في تلك البلدان وارتفاعها في العراق.

جاء ذلك خلال استضافته في انطلاق قمة الأعمال العراقية IBS، التي عقدت في بغداد بمشاركة مؤسسات اقتصادية وشركات استثمارية محلية ودولية.

وأشار النجم إلى أن "أكثر استيرادات العراق، تأتي من ايران وتركيا والصين".

باب الاستيراد المفتوح

من جانبه، يبيّن الخبير الاقتصادي علي دعدوش أن "من العسير جداً عودة الصناعة المحلية في ظل سياسة باب الاستيراد المفتوح، وضعف ضبط الحدود، ووجود منافذ غير رسمية".

ويشير في حديث صحفي إلى ان "اتجاه التجار والمستثمرين نحو تحقيق الربح السريع عبر الاستيراد، حول العراق إلى بلد مستورد لكل شيء"، مؤكدا أن "السلع المستوردة رخيصة، وهو ما أثر سلباً على الصناعة المحلية، خاصة أن التصنيع المحلي يحتاج إلى كلف مالية مرتفعة".

ويلفت دعدوش إلى أنه "في حال رغب العراق في عودة سياسة التصنيع المحلي، عليه مراجعة القوانين الخاصة بالمنافذ الحدودية، وعدم إعطاء استثناءات لاستيراد السلع والخدمات بشكل تدريجي، بما يعني تفعيل أدوات السياسة التجارية بالتزامن مع وضع سياسة اقراضية للمستثمرين المحليين الذين يرومون صناعة السلع والخدمات في الداخل، مع تعطيل استيفاء الضرائب لأول عامين من بدء المشروع".

ويتابع قوله أن "اتخاذ هذه الخطوات الجريئة من شأنه تفعيل الصناعة المحلية واعادتها الى الواجهة من جديد".

العزوف عن المنتج المحلي

يعزف أصحاب الشركات والمحال التجارية عن جلب بضائع كهربائية ومنزلية محلية الصنع الى شركاتهم ومحالهم، لأسباب تتعلق بالجودة والكلف المالية التي لا تسمح بتحقيق ارباح كبيرة، إضافة الى امتناع المواطنين عن اقتناء تلك البضائع.

وفي هذا الصدد يقول عباس عطوان، وهو صاحب شركة استيراد مواد كهربائية ومنزلية، أن "عدم وجود منتجات عراقية الصنع في شركتنا يعود الى عوامل عديدة، أبرزها ان البضائع المستوردة ارخص ثمنا من المنتجات المحلية".

ويوضح أن "المجمدة على سبيل المثال تصل الى الشركة مع الكمرك بسعر 200 ألف دينار، فيما تباع المجمدة محلية الصنع على الشركة بسعر 275 ألف دينار. وإذا اضفنا لها أرباحا بقيمة 50 الف دينار او اكثر، عند ذاك يصبح سعرها ضعف سعر المجمدة المستوردة أو قريبا من ذلك، ما يجعل تسويقها صعبا للغاية".

ويلفت عطوان إلى "فقدان المواطنين الثقة في المنتج المحلي.

لذا يفضلون البضائع المستوردة على البضائع المحلية. وتلقى هذه البضائع ترويجاً وتسويقا دائما، وهو ما يشجع التجار واصحاب الشركات على استيرادها"، مبينا أن "الحكومة يجب ان تدخل كطرف داعم للمنتج الوطني عبر منح خصومات مالية للتجار، بدل ان تدخل كطرف منافس وتطرح اسعارا باهظة لا تقوى العديد من الشرائح الاجتماعية على تحملها".

هل الصناعة المحلية تفتقر للمتانة؟!

ويعود سبب امتناع المواطنين عن شراء الأجهزة الكهربائية محلية الصنع، إلى ضعف كفاءتها، فضلا عن ارتفاع أسعارها – حسب ما تراه المواطنة سناء حمزاوي.

إذ تقول انه "لا يوجد قياس بين الصناعات الكهربائية العراقية التي كانت تنتج في فترة السبعينيات والثمانينيات، والتي تنتج حاليا"، مبينة في حديث صحفي أن جدها كان قد اقتنى مجمدة نوع "عشتار" صمدت امام الزمن ما يقارب 40 عاما دون ان تدخل ورشة صيانة "فيما لا يقاوم هذا النوع من الثلاجات والمجمدات اليوم، لأكثر من عام واحد"!

وقد لا يكون السعر المناسب للبضائع المستوردة هو الشيء الوحيد الذي يجذب المستهلك، فثمة المتانة واتقان الصنع والاستجابة السريعة لتصليح العطل الطارئ. وهذه من الأمور الجاذبة.

وفي هذا الشأن يقول علي علوان الخفاجي، أن "ارتفاع السعر غير مهم بالنسبة للبضاعة الجيدة، لان اقتناء اجهزة رصينة بسعر مرتفع قليلاً افضل من اقتناء اجهزة رخيصة وغير متينة".

ويضيف في حديث صحفي قوله أنه "من الغرابة ان تكون المنتجات الكهربائية المحلية غالية الثمن رغم بساطة تصنيعها، بينما تباع المنتجات المستوردة، مع رصانتها ومتانتها، بسعر مناسب".