اخر الاخبار

يعد الفساد أحد العوامل الرئيسية التي تعيق تنفيذ المشاريع الخدمية في البلاد، حيث تسهم طرق إحالة المشاريع وآليات تنفيذها في تدني جودتها وتأخير إنجازها. وفي كثير من الحالات، يتم إرساء المشاريع على شركات مقابل عمولات مسبقة، ما يؤدي إلى تنفيذها بشكل غير مجد وبمواصفات فنية ضعيفة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، إلا أن الأساليب المتبعة ما زالت تقليدية، ما يجعل من الصعب تحديد الروابط السياسية بين الشركات المعنية وتأثيراتها على تنفيذ المشاريع.

خطر الفساد

وحذر وزير الإعمار والإسكان والبلديات العامة، بنكين ريكاني، من خطر الفساد، مشيرًا إلى أنه يعيق المشاريع ويتسبب في تدني الخدمات المقدمة للمواطنين. وذكرت الوزارة في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، أن الوزير قدم أثناء زيارته مقر هيئة النزاهة ورقة علمية في حلقة نقاشية لطلبة الدبلوم العالي في الاختصاصات المتعلقة بمكافحة الفساد، واستعرض بحضور نائب رئيس الهيئة مظهر الجبوري وعدد من الطلبة، تجربة الوزارة في منع الفساد والوقاية منه ومكافحته.

وحذر الوزير، وفقاً للبيان، من أن الفساد يُعيق المشاريع ويؤدي إلى تأخرها وتدني الخدمات المقدمة للمواطنين. كما أشار إلى أن تنظيف مؤسسات الدولة من أدران الفساد وبراثن المفسدين يتطلب اتخاذ تدابير عدة، من بينها: حوكمة جميع إجراءات العمل وأتمتتها، وإيجاد بيئة وظيفية ملائمة.

ويقول المتحدث باسم الوزارة، نبيل الصفّار، إن "الوزارة تولي أهمية كبيرة لتطبيق مبادئ الحوكمة الإلكترونية في إدارة المشاريع، بهدف تعزيز الكفاءة وضمان التنفيذ السليم ضمن التوقيتات المحددة".

وبيّن الصفار لـ "طريق الشعب"، أن "التركيز في ورقة العمل كان على أهمية اتباع الحوكمة الإلكترونية بالتوازي مع تطوير آليات تنفيذ المشاريع. حالياً نسعى لاستقطاب الشركات ذات الكفاءة المالية والخبرة العملية، لضمان إنجاز المشاريع وعدم تعرضها للتلكؤ أو الإهمال".

وأضاف، أن "الوزارة فعّلت عدداً من الإجراءات الإدارية والمالية لمكافحة الفساد، منها تخصيص خط ساخن مخصص لتلقي البلاغات حول أية حالات مشبوهة، إلى جانب نشره على الموقع الرسمي للوزارة. كما تم تشكيل لجنة خاصة لمكافحة الفساد الإداري، مهمتها متابعة العمليات الإدارية كافة، لضمان النزاهة والشفافية في العمل".

وأشار الصفار إلى أن "الوزارة تعمل كذلك على تعزيز وعي الموظفين من خلال برامج تثقيفية وتوجيهات مباشرة من الوزير، تلزم الموظفين بالاطلاع على قوانين الخدمة المدنية وقانون انضباط موظفي الدولة، بما يسهم في ترسيخ ثقافة الالتزام والمسؤولية داخل المؤسسة".

وتابع انه “رغم التحديات التي واجهناها في المشاريع المتأخرة نتيجة ظروف البلاد السابقة، فإننا نسعى جاهدين إلى إنجازها ضمن الجداول الزمنية الموضوعة، وتوجد فرق ميدانية لمتابعة تنفيذ هذه المشاريع ضمن البرنامج الحكومي".

مكافحة بطريقة كلاسكية

وختم الصفار بالتأكيد على أن "جميع هذه الخطوات تأتي في إطار استراتيجية الوزارة للحد من الفساد وضمان إنجاز المشاريع بجودة عالية وفي الوقت المحدد".

ويقول المحلل السياسي علي البيدر، إن الفساد يُعدّ حجر الزاوية في فشل تنفيذ المشاريع الخدمية في العراق، مشيراً إلى أن طريقة إحالة هذه المشاريع وآلية تنفيذها تسهم بشكل مباشر في تدني جودتها وتأخير إنجازها.

وأوضح البيدر لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من المشاريع تُحال إلى شركات مقابل "الثلث"، وهو ما يعني أن صافي الأرباح يُحدد مسبقاً، ما يدفع الشركات – لا سيما غير المرتبطة بأحزاب سياسية – إلى تنفيذ المشاريع بطريقة رديئة وبمواصفات فنية ضعيفة".

وأضاف، أن أساليب مكافحة الفساد ما زالت كلاسيكية، مشيراً إلى أن "الدولة حتى الآن لا تملك صورة واضحة عن الارتباطات السياسية أو غيرها لتلك الشركات، ما يؤثر سلباً على استراتيجية تنفيذ المشاريع.

وشدد البيدر على ضرورة إحالة المشاريع الكبرى والاستراتيجية إلى مؤسسات الدولة، كالشركات الحكومية التابعة لوزارات الري والصناعة والإعمار والإسكان، داعياً إلى دعم هذه المؤسسات بما في ذلك في قطاع الاستثمار، عبر تمكين هيئة الاستثمار من امتلاك شركات تخصصية.

وأكد أن هذه الإخفاقات انعكست سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وأسهمت في إثراء أحزاب السلطة وتكريس المشاريع السياسية داخل البلاد

من جهته، قال الخبير الاقتصادي نوار السعدي إن "الفساد المالي في قطاع الخدمات بالعراق ليس جديداً، بل هو نتيجة تراكمات طويلة لسوء الإدارة وهيمنة المحاصصة السياسية، التي أفسحت المجال أمام تفشي الفساد في العقود الحكومية، وسط غياب المساءلة والتخطيط الاستراتيجي الحقيقي".

وأوضح السعدي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "النظام الإداري غير الكفوء خلق بيئة خصبة للتلاعب بالأموال العامة، حيث تنفذ الكثير من المشاريع دون دراسة جدوى أو رؤية واضحة، ما أدى إلى تعثرها وتأخر إنجازها لسنوات". ولفت إلى أن هذا التأخير ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد، إذ يؤدي إلى تجميد رؤوس الأموال دون تحقيق عوائد، ويؤثر سلباً على القدرة الإنتاجية للقطاعات المختلفة.

وأشار السعدي إلى أن "استمرار المشاريع المتلكئة منذ أكثر من عقد يشكّل عبئاً مضاعفاً، حيث يحرم المواطنين من خدمات أساسية كالمياه والكهرباء والنقل والإسكان، ويُضعف الإنتاجية ويعيق أية جهود للإصلاح الاقتصادي، في ظل تراجع ثقة المستثمرين بسبب غياب الشفافية والاستقرار المالي".

وشدد السعدي على أن "الحل لا يكمن فقط في محاسبة المسؤولين، بل يتطلب إصلاحاً إدارياً شاملاً يعتمد على الكفاءة والشفافية، إلى جانب تعزيز دور القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع".

ودعا إلى وضع آليات واضحة لمتابعة التنفيذ وربط التمويل بمستوى الإنجاز، مؤكداً أن التوجه نحو الاستثمارات الأجنبية والشراكات الدولية يمكن أن يسهم في تقليل الفساد وضمان تنفيذ المشاريع ضمن جداول زمنية محددة.

عرض مقالات: