اخر الاخبار

يعاني موظفو العقود في العراق من غياب الشفافية وضبابية مصيرهم الوظيفي، حيث يعملون بنفس ساعات دوام موظفي الملاك دون الحصول على الحقوق الأساسية مثل الإجازات والمكافآت. ويعود ذلك إلى غياب التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي في العراق، ما خلق تفاوتًا بين موظفي الملاك والعقود في الحقوق والامتيازات، وأدى إلى مشاكل اقتصادية وإدارية مثل البطالة المقنعة والفساد.

لا عناوين وظيفية

وكان العشرات من معترضي ملحق العقود في تربية محافظة الديوانية، نظموا قبل شهر، تظاهرة أمام مبنى الحكومة المحلية مطالبين باستكمال الإجراءات الإدارية والمالية المتعلقة بهم. وقال عدد من المشاركين في التظاهرة إنهم يطالبون المحافظ وأعضاء مجلس النواب بضرورة إكمال إجراءات لجنة التدقيق ورفع الكلف المالية المتعلقة بهم، مشيرين إلى أن التأخير والمماطلة في معالجة قضاياهم قد تأخر كثيرا، ما أثر سلبًا على أوضاعهم الوظيفية.

ولحق ذلك تظاهرة أخرى في بغداد لأصحاب عقود قانون الأمن الغذائي في العديد من المحافظات، وكان ذلك في نهاية شهر شباط، حيث طالبوا بحل مشاكلهم الوظيفية والإدارية في أسرع وقت ممكن.

يقول حسين عواد، أحد موظفي العقود في العراق، إنهم منذ عام 2021 وحتى الآن لا يعرفون مصيرهم الوظيفي، مشيرًا إلى أنهم لا يمتلكون عنوانًا وظيفيًا رسميًا ولا يشملهم أي نوع من الإجازات السنوية أو الشهرية، كما أنهم لا يحصلون على المكافآت، في حين أنهم يعملون بنفس ساعات دوام موظفي الملاك. وأضاف عواد: "نحن نعمل بنفس الشروط والظروف، ولكن لا نحصل على نفس الامتيازات التي يتمتع بها زملاؤنا في الملاك."

وأشار إلى أن جميعهم خريجو جامعات، ومع ذلك لم يتم تثبيتهم على الملاك الدائم أو تحويلهم إلى قانون 315 الخاص بتثبيت موظفي العقود، قائلًا: "قبل العقد كنت احصل على راتب الرعاية وكان هذا أفضل بالنسبة لي من الوضع الحالي".

وأكد عواد أن غياب الشفافية وعدم وضوح مصيرهم يعزز شعورهم بالإحباط والإهمال، فيما ناشد الجهات المعنية ضرورة النظر في مطالبهم.

ويخطط عواد وزملاؤه لتنظيم تظاهرة واعتصام كبير بعد شهر رمضان، في حال لم يتم الاستجابة لمطالبهم.

غياب نظام العقود

وقال الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن "العراق يعاني من غياب نظام عقود رسمي في الاقتصاد الوطني، ما أدى إلى ظهور مشاكل اجتماعية واقتصادية مع تزايد التعاقدات غير المدروسة"، مشيرا إلى أن "التعيينات العشوائية التي شهدتها البلاد بعد مرحلة من التخمة في التوظيف، قد تجاوزت نسبتها مستويات دول ذات تعداد سكاني عالٍ، ما أسهم في فشل السياسة الاقتصادية في جانب التشغيل". وأكد العنزي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذه الظاهرة تحتاج إلى قانون خاص ينظم التعاقدات بين الدولة ومختلف شرائح المجتمع، لضمان احتساب مدة العقد لأغراض الخدمة والترفيع والعلاوات والإجازات". وأضاف، أن هذه التعاقدات المدفوعة وغير المدفوعة قد تسببت في خلق هيجان اجتماعي غير محسوب، خاصة مع وعد العديد من المتعاقدين بالتثبيت، وهو ما أصبح يمثل عبئًا إضافيًا على الموازنة الحكومية.

وأشار العنزي إلى التفاوت الواضح بين الموظفين الرسميين والمتعاقدين في نفس الدوائر الحكومية، حيث يتمتع الموظف الدائم بكل الامتيازات، بينما يتلقى المتعاقدون امتيازات أقل بكثير، ما يخلق عدم عدالة في التعامل معهم. كما أكد أن هذه الفجوة تؤدي إلى تزايد المشاكل الاجتماعية، خصوصًا مع الزيادة المستمرة في أعداد الخريجين والشباب الجدد الذين يدخلون سوق العمل سنويًا.

وطالب العنزي بإجراء دراسة ميدانية دقيقة لواقع التعاقدات السابقة والحالية، ودعا إلى ضرورة تنظيم التشغيل في العراق من خلال التشغيل المنتج الذي يسهم في خلق وظائف مستدامة وتوفير رواتب مناسبة للعمال، مشيرًا إلى أن الحلول الاقتصادية تكمن في إيجاد فرص عمل حقيقية ومستدامة تلبي احتياجات الشباب العراقي وتخفف من الضغوط الاجتماعية

انعدام الرؤية

وفي السياق، يقول الأستاذ الدكتور علي عبد الهادي سالم، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد الدولي والتخطيط الاقتصادي، إن "الحديث حول وضع موظفي العقود في العراق، وما يتعلق بحصولهم على حقوقهم أو دورهم ضمن الهيكل الحكومي، هو حديث معقد يواجه العديد من الإشكاليات". ويؤكد سالم لـ "طريق الشعب"، أن "جزءًا كبيرًا من المشكلة يعود إلى انعدام رؤية واضحة وغياب التخطيط الاستراتيجي والسياسات الاقتصادية المدروسة في العراق، التي من المفترض أن تتواكب مع الواقع الاقتصادي والإنتاجي والخدمي للبلاد".

وفقًا للدكتور سالم، فإن التخطيط الاقتصادي في العراق لم ينبع من دراسات واقعية مبنية على أسس علمية، بل جاء كردود فعل على أحداث سياسية أو اقتصادية طارئة، مثل زيادة الإيرادات من مبيعات النفط أو الاستجابة لضغوطات الكتل السياسية الفاعلة التي استثمرت هذه القضايا لأغراض انتخابية. هذه الفوضوية في إدارة الموارد أدت إلى خلق وضع ضاغط نتيجة تزايد أعداد الموظفين في الملاك والعقود، ما أسهم في تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة الضغوط على الموازنة السنوية.

من النقاط التي يطرحها الدكتور سالم هي سوء إدارة الموارد وغياب التنمية المستدامة وعدم حماية الحقوق، ما أدى إلى انتشار ظواهر مثل الفساد والمحاصصة. فعلى الرغم من تزايد أعداد الموظفين في الحكومة، إلا أن هناك العديد من المشاكل الإدارية، مثل البطالة المقنعة، وانتشار ظاهرة الفضائيين في دوائر الدولة. ويتابع بالقول: "إضافة إلى ذلك، تزداد الوظائف المزدوجة، حيث يعمل البعض في أكثر من مكان أو وظيفة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، ما يعكس حجم الفوضى الإدارية وعدم وجود آليات رقابة فعالة. كل ذلك يساهم في خلق ثقل اقتصادي وضغط كبير على الميزانية الحكومية، ويظهر عجز الحكومة أحيانًا في تغطية الرواتب بسبب الإدارة السيئة للموارد".

ويرى سالم، أن "هناك تفاوتًا واضحًا بين موظفي الملاك وموظفي العقود من حيث الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فهذا التفاوت يضرب مفهوم العدالة والمساواة في الصميم. فموظف العقود لا يحصل على نفس الامتيازات التي يحصل عليها موظفو الملاك، وهذا لا يقتصر على الحقوق المالية فقط، بل يمتد أيضًا إلى حقوق أخرى مثل التأمين الصحي والتقاعد، ما يؤدي إلى شعور بالظلم بين هذه الفئات".

ويختتم سالم بالتأكيد على أن "الحكومة يجب أن تكون مساهمة فعالة في خلق فرص العمل وتنظيم عمل السوق بشكل عادل، بحيث تتحمل مسؤوليتها في إدارة الأموال العامة والثروات الوطنية، وتعمل على تحقيق العدالة والمساواة لجميع موظفي الدولة، سواء كانوا في الملاك أو العقود".

عرض مقالات: