يعاني العراق، وخاصة العاصمة بغداد، من أزمة اختناقات مرورية تتسبب في خسائر سنوية تصل إلى 500 مليار دينار، إلى جانب الهدر الكبير في الوقود، نتيجة للزيادة المستمرة في استيراد السيارات.
و يبلغ عدد المركبات في البلاد 8 ملايين رغم أن القدرة الاستيعابية للشوارع لا تتجاوز 5 ملايين، بينما تسعى الحكومة لفرض ضوابط على الاستيراد، بما في ذلك الحد من عدد المركبات المستوردة وإعادة تسقيط السيارات القديمة.
ويتكبد العراق خسائر سنوية تصل إلى نحو 500 مليار دينار جراء الاختناقات المرورية التي تعاني منها العاصمة بغداد وحدها، بالإضافة إلى عمليات الهدر اليومي بالوقود، بحسب تقرير لمؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية.
محددات لاستيراد السيارات
وأعلنت وزارة التجارة مطلع الشهر الجاري عن وضع محددات لاستيراد السيارات، مشيرة إلى أن افتتاح الجسور والطرق الجديدة سيخفف الازدحامات بشكل ملحوظ.
وقال مدير عام الشركة العامة لاستيراد السيارات، هاشم السوداني، إن العراق يستورد نحو 200 ألف سيارة سنوياً، ما رفع العدد الكلي إلى 8 ملايين سيارة، رغم أن قدرة استيعاب الشوارع لا تتجاوز 5 ملايين. وأوضح أن عدم وجود قيود حقيقية على الاستيراد تسبب بزيادة أعداد المركبات، ما استدعى تشكيل لجان لتحديد النوعيات والأعداد المستوردة.
وأكد السوداني أن هناك توجهًا حكوميًا لفرض ضوابط لا تؤثر على المواطنين أو الأسعار، مع التركيز على تطوير النقل الجماعي لتخفيف الضغط على الطرق. كما أشار إلى أن خطة البنى التحتية الجديدة ستساهم في تقليل الازدحام بحلول نهاية العام.
مقترح لوقف الاستيراد
وقال الخبير في مجال النقل باسل الخفاجي أن استيراد السيارات يجري دون أي تحرك واضح من قبل وزارة التخطيط، التي كان يفترض بها وضع ضوابط تحدّ من دخول المزيد من المركبات، مقترحًا وقف استيراد السيارات لمدة تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات، لاستكمال مشاريع الطرق والجسور، ما يساهم في تخفيف الضغط المروري وتحسين البنية التحتية.
وخلال حديثه لـ "طريق الشعب"، دعا الخفاجي، إلى ضرورة فرض قيود مؤقتة على استيراد السيارات في العراق، مشيرًا إلى أن العدد الهائل من المركبات المستوردة أدى إلى ازدحامات مرورية خانقة في مختلف المحافظات، وخاصة في العاصمة بغداد.
كما شدد على ضرورة إخراج السيارات القديمة من الخدمة، خاصة تلك التي تجاوز عمرها 15 عامًا، وذلك ضمن خطة شاملة لتنظيم قطاع النقل في البلاد.
وفي سياق متصل، نوّه بأهمية تطوير منظومة النقل العام كحل جذري للأزمة المرورية، مؤكدًا أن اعتماد وسائل النقل الجماعي، مثل الحافلات، يمكن أن يقلل بشكل كبير من عدد السيارات الخاصة على الطرقات.
وأوضح أنه في حال تشغيل 1,000 حافلة تستوعب كل منها 45 راكبًا، فإن ذلك يعني تقليل ما يعادل 45,000 سيارة يوميًا من الشوارع، مما يخفف من الازدحام بشكل ملموس.
وتابع، أن توفير حافلات حديثة ومجهزة بأنظمة تدفئة وتبريد يسهم في تشجيع المواطنين على استخدامها بدلاً من الاعتماد على سياراتهم الخاصة، ما يؤدي إلى تحسين انسيابية المرور وتقليل الاختناقات داخل المدن.
واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة تبني حلول جذرية ومستدامة لحل أزمة النقل، من خلال الجمع بين الحد من استيراد السيارات القديمة، وتحسين البنية التحتية، وتفعيل النقل العام بشكل عملي وجذاب للمواطنين.
عبء اقتصادي
وفي السياق، قال الأكاديمي والمراقب للشأن الاقتصادي نوار السعدي أن "الازدحام المروري في العراق يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث يؤدي إلى خسائر مالية ضخمة نتيجة انخفاض الإنتاجية".
وأضاف السعدي لـ "طريق الشعب"، أن "الساعات الطويلة التي يقضيها الموظفون والعمال في التنقل بدلاً من العمل تؤثر بشكل مباشر على كفاءة الأداء الاقتصادي، ما يعرقل التنمية ويؤدي إلى تراجع مستويات الإنتاج".
وتابع أن "التكاليف الاقتصادية للازدحام لا تقتصر على الوقت الضائع فحسب، بل تشمل أيضًا الإنفاق الكبير على الوقود المستهلك خلال التوقفات الطويلة، وهو ما يشكل عبئًا إضافيًا سواء على الأفراد أو على الميزانية العامة للدولة، خاصة مع استمرار الدعم الحكومي للمحروقات. كما أن الضغط الكبير على الطرق والبنية التحتية يؤدي إلى زيادة تكاليف الصيانة والإصلاحات المستمرة، مما يزيد من الأعباء المالية على الحكومة".
وأشار إلى أن تفاقم هذه الأزمة يرتبط بالسياسات غير المدروسة في استيراد السيارات، حيث يتم استيراد أكثر من 200 ألف سيارة سنويًا، في حين أن البنية التحتية للطرق لم تشهد تحسينات تتناسب مع هذا التوسع الكبير في عدد المركبات. وأوضح، أن غياب سياسات فعالة لتنظيم الحركة المرورية أدى إلى جعل الطرق الداخلية، خصوصًا في بغداد، غير قادرة على استيعاب الكم الهائل من السيارات، ما جعل الازدحام مشكلة يومية تعطل الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد السعدي على أن الحلول التقليدية والآنية لن تكون كافية لمعالجة هذه الأزمة، بل يجب تبني استراتيجيات طويلة الأمد تركز على تطوير النقل العام. وأشار إلى أن إنشاء مشاريع حديثة مثل مترو الأنفاق أو الحافلات السريعة يمكن أن يسهم في تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، ما يخفف الضغط على الطرقات ويحسن كفاءة التنقل داخل المدن.
كما أكد على أهمية تحسين التخطيط العمراني من خلال نقل بعض المرافق الحكومية والمناطق التجارية إلى أطراف المدن، ما يسهم في تقليل الكثافة المرورية في المناطق المركزية.
وأضاف أن الحل الأساسي يكمن في إعادة النظر في السياسة المرورية والاقتصادية المتعلقة بالنقل، وربطها بمخطط تنموي شامل يأخذ في الاعتبار الاحتياجات المستقبلية.
واختتم السعدي حديثه بالتحذير من أن استمرار غياب التدخل الحقيقي لمعالجة أزمة المرور سيؤدي إلى تفاقم التأثيرات السلبية على النشاط الاقتصادي وحياة المواطنين، مؤكدًا أن إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة يجب أن يكون أولوية في السياسات التنموية للعراق.
الاضرار البيئية
وأفاد تقرير صادر عن شركة "Focus 2 Move" المتخصصة ببيانات السيارات، أن سوق مبيعات السيارات في العراق واصل ارتفاعه خلال تشرين الثاني 2023 بنسبة 25.2% مقارنة بالعام السابق.
وجاءت شركة كيا في المركز الأول بمبيعات 27,325 سيارة منذ بداية 2023 وحتى نوفمبر، محققة زيادة 12.1 في المائة. وحلت تويوتا ثانية بـ26,080 سيارة، بينما جاءت هيونداي ثالثة بمبيعات 12,195 سيارة. أما المركز الرابع، فكان من نصيب MG الصينية بمبيعات 10,779 سيارة، تلتها شيفروليه خامسًا بـ4,392 سيارة، ثم شيري سادسًا بـ3,176 سيارة، وأخيرًا سوزوكي سابعًا بـ2,927 سيارة.
ولا تتوقف اضرار السيارات على الاقتصاد فقط بل لها أضرار بيئية أيضاً، حيث حذرت الناشطة البيئية نجوان علي من التأثيرات السلبية للزيادة المستمرة في أعداد السيارات على البيئة في بغداد، مشيرة إلى أن العاصمة تعاني من مستويات خطيرة من التلوث الهوائي بسبب الانبعاثات الصادرة عن أكثر من 8 ملايين سيارة، في وقت يُتوقع أن يرتفع العدد إلى 10 ملايين خلال السنوات المقبلة إذا استمر استيراد المركبات دون ضوابط واضحة.
وأوضحت علي لـ "طريق الشعب"، أن "الزحام المروري اليومي لا يؤدي فقط إلى هدر الوقود وزيادة الضغط على البنية التحتية، بل يسهم أيضًا في ارتفاع معدلات تلوث الهواء، مما ينعكس سلبًا على صحة المواطنين، خاصة الأطفال وكبار السن"، مشيرة إلى أن "الهواء في بغداد يحتوي على تركيزات مرتفعة من الغازات السامة مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة، التي تزيد من معدلات الأمراض التنفسية والقلبية".
وأكدت أن استمرار الاستيراد العشوائي للسيارات، خصوصًا تلك التي تعمل بمحركات قديمة تستهلك كميات كبيرة من الوقود، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة البيئية والصحية، داعية الحكومة إلى "تبني سياسات بيئية صارمة، تشمل تقليل استيراد السيارات التقليدية، والتشجيع على استخدام السيارات الصديقة للبيئة، مثل المركبات الكهربائية أو الهجينة، إلى جانب تعزيز النقل العام كبديل مستدام".
وأضافت، أن "الوضع البيئي في بغداد لم يعد يحتمل مزيدًا من التلوث، ولابد من اتخاذ خطوات عاجلة لحماية صحة المواطنين وتقليل الانبعاثات الضارة، من خلال تطوير حلول نقل مستدامة واعتماد خطط بيئية متكاملة للحد من آثار التغير المناخي".