اخر الاخبار

يواجه سوق العمل في العراق تحديات كبيرة، حيث يعمل 62 في المائة من القوى العاملة في القطاع الخاص، بينما يستهلك القطاع الحكومي الحصة الأكبر من التمويل برغم أن عدد العاملين فيه أقل.

يقول مراقبون، ان هناك ضرورة لتعزيز دور القطاع الخاص من خلال تطوير البنى التحتية والمشاريع الاستثمارية لخلق فرص عمل مستدامة.

وبرغم انخفاض نسبة البطالة إلى 13.5 في المائة، إلا أن التفاوت بين المحافظات ما يزال يشكل تحدياً. كما يعتبر الاستثمار في التعليم والتدريب المهني أمراً أساسياً لتأهيل الشباب ودعم الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع الصناعي من شلل كبير للمصانع.

وأظهرت نتائج تعداد وزارة التخطيط أن السكان النشطين اقتصاديا (15-64 عاما) يشكلون 41.61 بالمئة من إجمالي السكان، بينما تبلغ نسبة الأطفال دون سن العمل (5-14 عاما) 25 بالمئة، ما يثير مخاوف بشأن دخولهم سوق العمل مستقبلا في ظل قلة الفرص واستمرار الاقتصاد الريعي. كما يعتمد 9.5 ملايين عراقي على الدولة في معيشتهم، بما يعادل 23 بالمئة من السكان، وفق بيانات الوزارة.

البطالة.. التحدي الأكبر

وكشف المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي عن انخفاض نسبة البطالة في العراق إلى 13.5 في المائة بحسب نتائج المسح الاجتماعي الاقتصادي والتعداد العام للسكان والمساكن لعام 2021، بعد أن كانت 16.5 في المائة في عام 2022، في مؤشر يعكس تحسناً نسبياً في واقع سوق العمل.

وقال الهنداوي في حديث خص به "طريق الشعب"، إن "معدل النشاط الاقتصادي للأفراد هم بعمر 15 سنة فأكثر، ضمن الفئة العمرية القادرة على العمل، بلغ حوالي 38 في المائة على مستوى المحافظات"، مشيراً إلى أن "هذه النسبة تمثل نسبة الأشخاص المنخرطين في سوق العمل سواء أكانوا يعملون أم يبحثون عن عمل".

وأضاف الهنداوي، أن البطالة لا تزال تشكل تحدياً كبيراً، خاصة في بعض المحافظات التي سجلت نسباً مرتفعة. حيث جاءت محافظة الأنبار في مقدمة المحافظات بنسبة بطالة بلغت حوالي 21-22 في المائة، تلتها محافظتا المثنى وميسان بنسبة تصل إلى 20 في المئة تقريباً.

أما فيما يتعلق بتوزيع العاملين على القطاعات المختلفة، أوضح الهنداوي انه وفقاً لبيانات التعداد فان 19 في المائة العاملين في العراق يشغلون وظائف في الإدارة العامة، الدفاع، التعليم، والصحة، وهي قطاعات حكومية. 14 في المائة يعملون في الأنشطة المالية، التأمينية، العقارية، والمهن الحرة. 13 في المائة يعملون في تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية.

وأشار الهنداوي إلى أن متوسط ساعات العمل الأسبوعية بلغ 43 ساعة، وهو المعدل الاعتيادي الذي يعكس طبيعة العمل في العراق.

وأكد المتحدث باسم الوزارة أن نتائج التعداد العام للسكان والمساكن تشكل قاعدة بيانات مهمة تساعد في رسم خارطة تنموية جديدة في العراق، من خلال تشخيص الفجوات التنموية ومناطق الحرمان.

وأضاف أن "الهدف الأساسي من التعداد هو تقديم صورة واضحة عن الواقع السكاني والتنموي في البلاد، بما يساعد في توجيه المشاريع الخدمية والاستثمارية نحو المناطق التي تعاني من نقص الخدمات أو ارتفاع نسب البطالة"، مشيرا الى أن الوزارة ستعتمد هذه البيانات في إعداد الخطط التنموية والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، بما يضمن تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل جديدة، فضلاً عن تحقيق التوازن في توزيع المشاريع بين المحافظات.

وخلص الى أن "استثمار البيانات المستخلصة من التعداد بالشكل الصحيح سيسهم في إعادة توجيه المشاريع التنموية نحو المناطق التي تعاني من نقص الخدمات، إضافة إلى دعم برامج التدريب المهني والتعليم، بما يعزز فرص الشباب في دخول سوق العمل، ويساهم في تخفيف معدلات البطالة مستقبلاً".

ارتفاع نسبة الشباب

يقول منار العبيدي رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية، أن "ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع العراقي تمثل هبة ديموغرافية نادرة مقارنةً بالعديد من الدول الكبرى التي تعاني من شيخوخة سكانها، مثل أوروبا، الصين، واليابان. هذه الميزة السكانية تمنح العراق فرصة لتحقيق قفزات اقتصادية وتنموية إذا ما استُثمرت بالشكل الصحيح".

يؤكد العبيدي، أن "وجود قوى عاملة شابة يعد عاملاً إيجابياً لأي اقتصاد في العالم"، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن هذه الميزة في العراق لم تحقق الفائدة المرجوة بسبب تدني رأس المال البشري.

ويبين أن "رأس المال البشري هو مؤشر يقيس قدرة الأفراد على إيجاد فرص عمل من خلال امتلاكهم المهارات والمعارف التي تؤهلهم للاندماج في سوق العمل"، مضيفاً :"يعاني العراق من انخفاض هذا المؤشر نتيجة تردي مستويات التعليم، ضعف التدريب المهني، وعدم مواكبة المناهج الدراسية لمتطلبات سوق العمل".

العبيدي يوضح أنه "رغم الطلب المتزايد على فرص العمل في القطاع الخاص، إلا أن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية بسبب عدم امتلاك الكثير من الشباب العراقيين المهارات المطلوبة".

وللخروج من هذه الأزمة، يشدد على ضرورة الاستثمار في التعليم وتطوير المناهج الدراسية وفق فلسفة تدريس حديثة، إضافة إلى تعزيز التدريب المهني، بما يضمن توفير قوى عاملة مؤهلة قادرة على المنافسة في سوق العمل مستقبلاً. ويختتم العبيدي حديثه بأن "استثمار الكتلة البشرية الشابة في العراق يتطلب إصلاحاً شاملاً في المنظومة التعليمية، ليصبح الشباب عنصراً فاعلاً في التنمية بدلاً من أن يتحول إلى عبء على الاقتصاد والمجتمع".

فرص عمل مستدامة

يوضح الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، أن "الفئة العاملة في المجتمع تقدر بأكثر من 23 مليونا: 38 في المائة في القطاع الحكومي و62 في المائة في القطاع الخاص".

ويقول حنتوش لـ "طريق الشعب": إن "هذا التوزيع يعكس أهمية إعادة توجيه الموارد الاقتصادية، حيث يستهلك القطاع الحكومي الحصة الأكبر من التمويل، برغم أن القطاع الخاص يستوعب العدد الأكبر من الأيدي العاملة".

ويضيف، أن "التحدي القادم يتمثل في استيعاب الأعداد المتزايدة التي تدخل سوق العمل سنويا، ما يستدعي وضع خطط استراتيجية لتعزيز دور القطاع الخاص عبر تطوير البنى التحتية، مثل إنشاء أسواق تجارية جديدة، مدن صناعية، ومشاريع استثمارية قادرة على توفير فرص عمل مستدامة".

بطالة مقنعة

وتواجه الصناعة العراقية تحديات متزايدة، ناجمة عن سياسات وإجراءات وصفها الناشط السياسي علي القيسي بـ"الفاشلة"، ما انعكس بشكل مباشر على ارتفاع نسب البطالة وتراجع القطاع الخاص. ورغم امتلاك البلاد أكثر من 25 ألف مصنع ومعمل، إلا أن أكثر من 20 ألفًا منها متوقفة عن العمل.

ويوضح القيسي لـ"طريق الشعب" أن الإقبال المتزايد على الوظائف الحكومية يعود إلى عدة أسباب، أبرزها تفشي البطالة وضعف القطاع الخاص، بالإضافة إلى ضمان الراتب التقاعدي الذي توفره الحكومة للموظفين.

وأكد أن "غالبية الوظائف الحكومية الحالية تمثل بطالة مقنعة بأعداد كبيرة، حيث لا تقدم عملًا حقيقيًا".

ورغم الحديث المتكرر عن دعم الصناعة العراقية، إلا أن السياسات الحكومية لا تزال عاجزة عن وضع خطة استراتيجية تنقذ ما تبقى من المعامل والمصانع المتوقفة.

ويشدد القيسي على ضرورة "وضع خطة اقتصادية مستقبلية شاملة تتماشى مع الأرقام والمؤشرات التي اعلن عنها التعداد السكاني، تبدأ بإعادة ترتيب الفوضى في قطاع التعليم عبر دراسة واقع التخصصات الفائضة، خصوصًا الطبية، مع التركيز على دعم المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة".

ويخلص الى أن "النهوض بالقطاع الصناعي هو احدى الخطوات لدعم القوى الشبابية العاملة وزجها بالسوق، وهذا يتطلب إرادة سياسية فاعلة، عبر تشريعات تحمي المنتج المحلي، وتقديم تسهيلات مالية للمستثمرين المحليين، إلى جانب توفير بيئة آمنة للاستثمار الصناعي، وتبني سياسات اقتصادية قادرة على خلق فرص عمل وإعادة الحياة إلى المصانع المتوقفة".

عرض مقالات: