رغم امتلاك العراق ثروات طبيعية هائلة، وفي مقدمتها النفط، إلا أن معدلات الفقر تشهد ارتفاعًا مستمرًا، متأثرة بالأزمة الاقتصادية وتقلبات سعر صرف الدولار والحروب التي مر بها البلد. ويرجع مراقبون أسباب تفاقم هذه الأزمة إلى الفساد الإداري والمالي، وضعف التخطيط، والخلافات السياسية التي انعكست على الواقع المعيشي للفئات الأكثر هشاشة.
ومع غياب الحلول التنموية، تحول الفقر إلى ظاهرة اجتماعية خطرة، حيث بات البحث في حاويات القمامة مصدر رزق لكثير من العائلات، وسط تحذيرات من أن استمرار الوضع الحالي قد يرفع نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
الفقر في تزايد
وأكدت مؤسسة عراق المستقبل، المعنية بالاقتصاد والإحصائيات، أن معدل الزيادة السكانية في العراق هو مليون نسمة سنويا، مشيرةً إلى أنه اذا استمر انتاج وأسعار النفط الحالية فإن نسبة الفقر في العراق ستبلغ 84 بالمائة.
ويقول الخبير الاقتصادي همام الشماع لـ "طريق الشعب"، إن "الفقر في العراق يشهد تزايدًا مستمرًا، إذ يزداد عدد الفقراء يومًا بعد يوم". وارجع الشماع الأسباب إلى "تراجع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، بالإضافة إلى الارتفاع المستمر للأسعار، وتقلص الفرص المتاحة للعمل، فضلاً عن ضعف مستويات العمالة".
وبحسب رأي الشماع فإن "الموظفين الذين يتقاضون رواتب ثابتة أقل من مليون دينار شهريًا أصبحوا جزءًا من شريحة الفقراء، حيث لم يعد بإمكانهم تلبية احتياجاتهم اليومية بالشكل الذي اعتاد عليه المواطن العراقي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي".
وفي ما يتعلق بمعالجة هذه الأزمات، أكد الشماع أن الحلول تبدأ "بمحاربة الفساد الذي يلتهم ثلث ثروة العراق، ويستحوذ على نحو 50 في المائة من الموارد المالية بالعملة الأجنبية، ما يعيق نحو 60 في المائة من فرص الاستثمار في البلاد".
تفاقم الأزمات الاقتصادية
وفي السياق، قال المحلل السياسي مناف الموسوي أن "نظام المحاصصة والاستئثار الحزبي بالسلطة، إلى جانب توزيع ثروات البلاد كغنائم بين الأحزاب والزعامات السياسية، أدى إلى سوء إدارة الدولة وتعطيل المشاريع الاستراتيجية في العراق". وأضاف الموسوي لـ "طريق الشعب"، أنّ "هذه السياسات أسهمت في تراجع قطاعي الزراعة والصناعة، وإضعاف دور القطاع الخاص، ما زاد الاعتماد على الوظائف الحكومية، وأحدث ارتباكًا كبيرًا في الموازنة العامة"، مشيرا إلى أن "الفساد، المدعوم من بعض الأحزاب السياسية، يمثل العامل الأبرز في تفاقم الأزمات الاقتصادية، إذ أدى توزيع الوزارات والمؤسسات والمشاريع الاقتصادية على أساس المحاصصة إلى إضعاف أداء الحكومة وعرقلة التنمية. ونتيجة لذلك، ارتفعت معدلات البطالة والفقر في العراق، ولا تزال هذه الأوضاع مستمرة حتى اليوم".
الرعاية الاجتماعية
"جدار" لصد الفقر
وذكر مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، إن "الجانب الاجتماعي في الموازنة العراقية يعد عنصرًا مهمًا في التصدي للفقر".
وأوضح صالح إن أكثر من 2 مليون أسرة فقيرة تتلقى دعمًا اجتماعيًا، بما في ذلك السلات الغذائية والتعليم المجاني، ما يُعد بمثابة "جدار صد" أمام الفقر.
وأضاف لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الدعم يساعد بشكل كبير في تحسين الوضع الاجتماعي للطبقات الفقيرة"، مؤكدا أن معدل الفقر لن يرتفع طالما أن هناك برامج فعالة لمكافحة الفقر، مثل برامج الدعم الاجتماعي وتوفير فرص العمل.
وأشار صالح إلى أن "معدلات البطالة شهدت انخفاضًا ملحوظًا من 17 إلى 14 في المائة، وهو مؤشر إيجابي نتيجة لحملات الإعمار وتشغيل المشاريع المتوقفة"، منبها الى أن "تقليل الفقر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنشاط الاستثماري، حيث يساهم الاستثمار في خلق فرص العمل، وهو ما يؤدي إلى تقليل معدلات الفقر".
وأوضح أن اكثر من 2.2 مليون أسرة حالياً تتلقى رعاية اجتماعية، مشيرًا إلى أن الأسرة العراقية عادة تتكون من أربعة أفراد، ما يعني أن نسبة كبيرة من السكان تحت مستوى خط الفقر لا تزال تحظى بالدعم الاجتماعي.
وفيما يتعلق بمخاوف انخفاض أسعار النفط في عام 2025، أوضح صالح أن هذه المخاوف قد يكون مبالغًا فيها، لان تكاليف إنتاج النفط الصخري، التي تتراوح بين 50 إلى 60 دولارًا للبرميل، تعني ان أسعار النفط يجب أن تبقى عند مستوى لا يقل عن 70 إلى 75 دولارًا للبرميل لضمان التوازن المالي.
وأضاف، أن هذا الرقم يتماشى مع موازنة العراق، حيث يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على عائدات النفط.
وأوضح، أن التحدي الأكبر يكمن في ضرورة الحفاظ على انضباط في النفقات العامة، مع التأكيد على أهمية زيادة الإنفاق الاستثماري لتشجيع النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن تقليل الديون العامة والعجز في الموازنة يجب أن يكون هدفًا استراتيجيًا يتم العمل عليه تدريجيًا.
وواصل القول: أن أسواق النفط العالمية تحتاج إلى استقرار الأسعار، وان الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك روسيا والبرازيل التي انضمت مؤخرا إلى مجموعة "أوبك" تسعى جميعها للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات ملائمة لتجنب الأضرار الاقتصادية الناتجة عن انخفاض الأسعار.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة «أوبك»، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
إحصائيات الفقر
وأعلنت وزارة التخطيط، نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للاسرة في جميع محافظات العراق، حيث تلك النتائج تراجع نسبة الفقر الى (17.5) عما كانت عليه عام 2018 والتي قدرت بـ(20.05 بالمئة).
وحدد المسح متوسط إنفاق الفرد الشهري (248.6) الف دينار، ومتوسط دخل (201.3) ألف، فيما بلغ معدل البطالة للفئة العمرية (15 سنة فأكثر) (13.5 بالمئة)، مشيرا الى ان (96.4 بالمئة) من الأسر العراقية تمتلك بطاقة تموينية.
كما أظهرت نتائج المسح أن (15.2 بالمئة) من الأفراد في العراق مصابون بأمراض مزمنة، وان (77.6 بالمئة) من الأسر يمتلكون مساكن. وسجلت محافظة المثنى اعلى نسبة للفقر بلغت (40 بالمئة)، تلتها بابل بنسبة (35.7 بالمئة). اما المحافظة الأقل فقراً فكانت أربيل بـ (7 بالمئة)، ثم محافظة السليمانية بـ(8 بالمئة).
وطبقا للمسح، فأن محافظات ذي قار والمثنى والديوانية ونينوى سجلت انخفاضا في معدلات الفقر بالمقارنة مع كانت عليه عام ٢٠١٨، حيث سجلت ذي قار نسبة (15 بالمئة)، بعد ان كانت (40 بالمئة) عام 2018، بينما سجلت المثنى (43 بالمئة)، بعد ان كانت (52 بالمئة). وسجلت الديوانية نسبة (29 بالمئة)، بعد ان كانت (48 بالمئة)، فيما سجلت محافظة نينوى (13 بالمئة) بعد ان كانت (38 بالمئة).
ومع وصول أعداد سكان العراق إلى حاجز الـ 46 مليون نسمة، وفق التعداد السكاني الذي أعلنته التخطيط، يحذر رئيس مؤسسة عراق المستقبل منار العبيدي، من أن معدل الزيادة السكانية في العراق هو مليون نسمة سنويا، وبالتالي اذا استمر إنتاج وأسعار النفط الحالية فإن نسبة الفقر في العراق ستبلغ 84 بالمائة.