اخر الاخبار

باتت ظاهرة شراء البحوث العلمية من المكتبات والمواقع الالكترونية المتخصصة، أحد أبرز التحديات التي تواجه قطاع التعليم العالي في العراق، حيث يلجأ العديد من الطلبة المقبلين على التخرج في مراحل البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه إلى شراء البحوث العلمية الجاهزة مقابل مبالغ مالية تبدأ من 100 ألف دينار وتصل إلى 10 ملايين دينار، وفقًا لطبيعة البحث ومستواه الأكاديمي.

وتُعزى هذه الظاهرة إلى رغبة بعض الطلبة في اختصار الجهد والوقت، دون الاكتراث بالقيمة العلمية والمعرفية التي يفترض أن يكتسبوها من إعداد البحوث بأنفسهم.

وبرغم أن الإعلانات الترويجية لهذه المكاتب منتشرة علنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمكاتب القريبة من الجامعات، إلا أن الجهات المعنية، سواء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وغيرها، لم تتخذ إجراءات رادعة للحد من هذه الممارسات، ما أدى إلى تراجع جودة البحوث العلمية وفقدان الثقة في الشهادات الأكاديمية.

الموضوع مرتبط بهدف الدراسة

تحدث الأستاذ الجامعي عامر العيثاوي عن الأسباب التي تدفع طلبة الدراسات العليا في بعض البلدان، مثل العراق، للجوء إلى شراء البحوث العلمية بدلاً من إنجازها بأنفسهم، قائلا: أن "المشكلة تكمن في الهدف من الدراسة لدى العديد من الطلاب لم يعد تحقيق التقدم العلمي أو تطوير المعرفة. بدلاً من ذلك، أصبح الهدف الرئيس لديهم هو تحسين الوضع المعيشي وزيادة الراتب، خصوصاً بالنسبة للموظفين الذين يتوجهون إلى الدراسات العليا لتحسين وضعهم الوظيفي".

واضاف العيثاوي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من هؤلاء الطلاب يسعون للحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراه لتحقيق زيادة في الرواتب او للظفر بمنصب ما، وليس من أجل اكتساب المعرفة أو تطوير المهارات الأكاديمية. ولأنهم لا يتبعون نهجًا علميًا حقيقيًا في دراستهم، غالبًا ما يلجؤون إلى "الطريق السهل"، وهو شراء بحوث علمية من مكاتب متخصصة، مما يقلل من القيمة العلمية لتلك البحوث ويؤثر سلبًا على جودتها".

كما تطرق العيثاوي إلى أن "بعض الجامعات والكليات، التي تمنح درجات الدراسات العليا، تقبل الرشاوى وتستغل الأوضاع الاقتصادية المتردية في تلك الدول. هذه الممارسات تؤدي إلى تساهل الجامعات مع الطلاب الذين يسعون للحصول على الشهادات دون تحقيق أي تقدم علمي حقيقي"، ونتيجة لذلك، "أصبح الحصول على الشهادات الأكاديمية ليس مقياسًا حقيقيًا للقدرة العلمية" بحسب المتحدث.

اما بالنسبة لتأثير سرقة البحوث العلمية على المستوى العلمي والابتكار، فقد وصف العيثاوي الوضع بأنه "مخطط لتدمير المستوى العلمي في العراق. فقد كانت بغداد على مر العصور منارة للعلم، ولكن بتدمير الأجيال الجديدة من خلال منح الشهادات للأشخاص غير الأكفاء، فإننا نعرض مستقبل التعليم في البلاد للانهيار".

ونبه العيثاوي الى، أن "الأشخاص الذين حصلوا على شهادات مسروقة أو غير مشروعة أصبحوا الآن في مناصب تعليمية، وهم بدورهم يدرسون الطلاب الجدد. هؤلاء الأفراد يفتقرون إلى الأخلاقيات المهنية ويعجزون عن ممارسة العمل التدريسي بشكل فعال، ما يؤثر سلبًا على الابتكار والتطور العلمي"، مضيفا أن الشهادات الأكاديمية، مثل الدكتوراه، لا قيمة لها إذا لم يمارس حاملوها تخصصاتهم بشكل فعلي. فمثلاً، إذا كان شخص حاصلًا على شهادة دكتوراه في التربية الرياضية ويعمل كمعلم في مدرسة ابتدائية، فإن ذلك يمثل إسرافًا في التخصص وتحديًا حقيقيًا للمستوى الأكاديمي. في الدول المتقدمة، لا يكون من الضروري أن يحمل المعلم شهادة دكتوراه في مجال غير تخصصه. أما في العراق، فقد أصبحت الشهادات العليا لا تعكس المستوى العلمي الحقيقي، بل مجرد وسيلة لتحسين الوضع المادي.

مقترحات وحلول

وفيما يتعلق بالإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية البحوث العلمية من السرقة، دعا العيثاوي إلى ضرورة أن تقوم المؤسسات التعليمية في العراق بتطبيق آليات دقيقة للكشف عن الاستلال (النسخ من الأبحاث) وضمان نزاهة البحوث المقدمة. كما اقترح أن يتعاون الباحثون مع المؤسسات المحلية والعالمية لتقديم الشكاوى ضد سرقة البحوث.

وشدد على ضرورة وجود إجراءات حقيقية لمعالجة جذر المشكلة، وذلك بتحديد مبررات الدراسات والبحوث، خصوصًا بالنسبة للموظفين الذين لا يحتاجون إلى دراسة موضوعات معينة من الأساس.

وأكد ضرورة "محاربة ظاهرة المكاتب العلمية التي تروج لإعداد الدراسات والشهادات بطريقة غير قانونية، عبر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الشوارع. وأشار إلى أن هذه الظواهر تشكل انتهاكًا لقوانين التعليم العالي في العراق وتضر بمستقبل النظام الأكاديمي في البلاد".

ضغط أكاديمي

أما المشرف التربوي حيدر كاظم، فيقول إن "ظاهرة السرقة العلمية في البحوث الجامعية أصبحت واحدة من أخطر التحديات التي تواجه التعليم العالي في العراق"، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل مباشر على جودة البحث العلمي وتقدم المجتمع.

ويضيف كاظم، لـ "طريق الشعب"، أن "السرقة العلمية ليست مجرد خطأ أكاديمي، بل هي انتهاك صارخ للأمانة العلمية، ويجب التعامل معها بحزم لما لها من تأثير سلبي على مسيرة البحث العلمي".

ويبين أن "انتشار المعلومات عبر الإنترنت وسهولة الحصول عليها، إضافة إلى الضغط الأكاديمي والمادي، من أبرز الأسباب التي تدفع بعض الطلبة إلى اللجوء إلى هذه الممارسات غير المشروعة"، مؤكدا أن "غياب الرقابة الجادة من قبل بعض الأساتذة، فضلًا عن التدخلات السياسية وضعف التوعية الثقافية، ساهم بشكل كبير في تفشي هذه الظاهرة".

ويدعو المشرف التربوي الجهات المختصة في وزارة التعليم العالي إلى تعزيز آليات الكشف عن الاستلال، وفرض عقوبات صارمة على منتهكي النزاهة العلمية، مع ضرورة توعية الطلبة بأهمية الأمانة العلمية ودورها في بناء مجتمع معرفي متطور.

واختتم كاظم قائلًا، إن "حماية البحث العلمي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الجميع، بدءًا من الأسرة مرورًا بالجامعة وصولًا إلى الجهات الحكومية، لضمان مستقبل علمي رصين في العراق".

مشكلة عالمية

وفي إطار الحديث عن سرقة البحوث العلمية وتأثيرها على المجتمعات والاقتصاديات، قدم الدكتور حسن ناصر، الأستاذ الجامعي، مثالًا عالميًا لتوضيح حجم المشكلة. فقد أشار إلى أن الصراع الحالي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يعتبر أحد الأمثلة البارزة على تأثير سرقة البحوث. حيث تتهم الولايات المتحدة الصين بسرقة البحوث وبراءات الاختراع الأمريكية، ما ساعد في تطور الاقتصاد الصيني، ولكنه في الوقت نفسه كان له تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي.

وقال ناصر، أن هذا الصراع يعد جزءًا من معركة أوسع حول الملكية الفكرية، وهو ما يمثل تحديًا عالميًا في ظل التقدم التكنولوجي السريع وتزايد اختراق الأفكار.

وأكد أن "سرقة البحوث العلمية ليست مجرد مشكلة محلية أو إقليمية، بل قضية عالمية تؤثر على المستوى العلمي بشكل عام. فالفرد الذي ينتج أفكارًا مبتكرة قد يتعرض للإحباط في حال شعر أن أفكاره عرضة للاختراق، خصوصًا في حال غياب قانون الملكية الفكرية الذي يضمن حماية هذه الأفكار".

وتحدث ناصر عن أهمية تشجيع الشباب على الاهتمام بالبحث العلمي وحماية أعمالهم البحثية، معتبرا أن هذا هو الهدف الأسمى الذي يجب أن تسعى إليه الحكومة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكل الجهات البحثية.

وواصل القول: ان "تطور البلد لا يمكن أن يحدث إذا كان الاعتماد دائمًا على الحلول الخارجية من دول أخرى. ولذلك، يجب أن تكون هناك أهمية كبيرة للبحوث المحلية التي تخص العراق بشكل خاص".

وأشار إلى أن "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق تركز بشكل رئيس على التعليم العالي، بينما يتم إهمال الجزء الآخر من دورها المتعلق بالبحث العلمي".

تحديات مالية كبيرة

وأكد أن الدعم المقدم للبحث العلمي في العراق لا يتناسب مع الحاجة الفعلية. ففي العديد من الجامعات العالمية، توجد ميزانيات مخصصة للبحث العلمي، سواء من الحكومة أو من الجامعات نفسها، لدعم الأساتذة والطلاب في إجراء بحوثهم ونشرها. أما في العراق، فإن الباحثين يُجبرون على نشر بحوثهم في مجلات علمية دولية، مما يتطلب منهم دفع تكاليف باهظة لا يستطيع الجميع تحملها، مما يؤثر سلبًا على قدرتهم على مواصلة عملهم البحثي".

وقال إنه في حال كان للباحث أو الأستاذ المال الكافي، يمكنه نشر بحوثه في المجلات العلمية، وبالتالي يحصل على ترقيات علمية. أما الباحثون الذين يفتقرون إلى الإمكانيات المادية، فلا يتمكنون من نشر بحوثهم أو التقدم في مجالاتهم الأكاديمية. ولذلك، يجب أن يتم توفير الدعم المالي للبحث العلمي، ويجب أن يكون هناك تخصيص ميزانيات خاصة في الجامعات لدعم المشاريع البحثية.

واكد ناصر على أهمية توفير منح مالية لنشر البحوث، وكذلك تخصيص موازنات لدعم مشاركة الأساتذة في المؤتمرات العلمية الدولية. على سبيل المثال، يجب على الوزارة أن تقدم دعمًا للأستاذ الجامعي الذي يحصل على قبول للمشاركة في مؤتمر عالمي، من خلال توفير أسعار مخفضة أو دعم كامل لتكاليف السفر. هذا النوع من الدعم سيحفز الباحثين الشباب على التركيز أكثر على تطوير بحوثهم والمشاركة في المؤتمرات العلمية، ما يسهم في تحسين مستوى البحث العلمي في العراق.

عرض مقالات: