اخر الاخبار

يواجه خريجو كليات الصيدلة، إلى جانب زملائهم من باقي التخصصات الطبية، أزمة حقيقية في مسألة التوظيف، برغم القوانين التي جعلت تعيينهم مركزيا.

وكانت الحكومة أعلنت في 2024، تعيين نحو 30 ألفًا من خريجي الكليات الطبية والصحية، إلا أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة التي أصبحت تشكل عبئا اقتصادياً، في ظل مؤسسات صحية قليلة تعاني من التخمة الوظيفية، حيث لا يجد الكثير حتى مكانًا للجلوس او مزاولة العمل.

أرقام واحصائيات

وكشف مجلس الخدمة الاتحادي في آب 2022، أن مجموع المعينين على وزارة الصحة لعام 2021 بلغ 7038 فردا: في بغداد 1821، الأنبار 367، المثنى 192، بابل 505، البصرة 550، ديالى 382، كربلاء 299، كركوك 321، ميسان 216، النجف 350، نينوى 701، الديوانية 287، صلاح الدين 354، ذي قار 409، واسط 284.

ووفقا للأرقام الرسمية، فان خريجي قسم الصيدلة لعام 2021 بلغ عددهم 6 الاف، وفي العام اللاحق 12 ألفا.

يقول حمزة احمد، خريج قسم صيدلة من احدى الجامعات الاهلية، أنه "بالرغم من أن العديد من الصيادلة لجأوا إلى فتح صيدليات خاصة، فإن المنافسة الشديدة وارتفاع التكاليف جعلا من الصعب عليهم الاستمرار خاصة مع وجود جهات متنفذة تسيطر على استيراد الدواء، والكثير من المراكز الطبية". وأشار الى ان الحكومة لا تكترث للدعم: " لا تفكر في انشاء مصانع أدوية، ومختبرات بحثية، ومراكز تطوير، ما جعل سوق العمل تضيق باعدادنا، وهذا ما دفع الآلاف نحو البحث عن فرص عمل في مهن وقطاعات اخرى حتى خارج البلاد".

وبيّن في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "آلاف الخريجين من ذوي الاختصاصات الطبية، الذين لم تشملهم قرارات التعيين، مستمرون في تنظيم تظاهرات أمام وزارتي الصحة والمالية، كما ينشرون على المنصات الإلكترونية الرسمية مطالبهم المشروعة، في محاولة للضغط على الجهات المعنية لتوفير فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم".

وأضاف، انه "ليس من المعقول ان يتحمل الشباب سوء الإدارة في القطاع التعليمي، حيث لا توجد رؤية حكومية واضحة عن اعداد الخريجين في كل الأقسام، وما هي الحاجات الضرورية في البلاد".

 واكد، أن "على الحكومة ان توفر لنا الوظائف الحكومية والتسهيلات للعمل في القطاع الخاص"، ففي ظل هذه الأزمة، اضطر العديد من خريجي الصيدلة إلى البحث عن وظائف خارج اختصاصهم، حيث يعمل بعضهم في محال تجارية، ومراكز تسويق، وحتى في وظائف إدارية لا تمت لمجالهم بصلة، بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على فرصة عمل ضمن القطاع الصحي.

العراق في تصنيفات عالمية

ويُصنف العراق في مراتب متأخرة بحسب تقارير مؤشرات جودة الرعاية الصحيّة، التي تصدرها المراكز البحثيّة حول العالم، في عام 2024، احتل العراق المرتبة 71، في قائمة أفضل الدول في تقديم الخدمة الطبيّة، وفقاً لمؤشر الرعاية الصحيّة، الصادر من مجلة CEOWORLD، وهذا ترتيب متدن. كما صنف العراق ثالثاً في قائمة أسوأ الدول في مجال الرعاية الصحية الأوّليّة، وفقاً لموقع نومبيو، المختصّ بقياس المستوى المعيشي عالمياً.

يقول جاسم التميمي، خريج قسم الصيدلة، إنه اضطر إلى تغيير مسار حياته بعد سنوات من المطالبة بالتعيين الحكومي، ليبدأ مشروعه الخاص في بيع الوجبات السريعة.

يقول التميمي لمراسل "طريق الشعب" أنه بذل جهودًا كبيرة في دراسته، وأنفق مبالغ طائلة للحصول على شهادته، على أمل أن يجد فرصة عمل تليق بتعليمه، لكنه اصطدم بواقع البطالة، خاصة لخريجي الكليات الأهلية الذين يواجهون صعوبات كبرى في الحصول على وظائف حكومية.

ويضيف: "نظمنا الكثير من التظاهرت، وطالبنا بحقوقنا في التعيين، لكن دون جدوى. انتظرت طويلًا ولم أجد فرصة، لذا قررت أن أواجه الواقع وأبدأ مشروعًا صغيرًا يعينني على الحياة".

ويشير إلى أنه فتح كشكًا لبيع الاكلات السريعة، مبينا أن التحديات التي يواجهها الخريجون اليوم، تحتم عليهم البحث عن بدائل لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة.

واختتم التميمي بمناشدة الجهات المعنية النظرَ في قضية الخريجين العاطلين عن العمل، وإيجاد حلول حقيقية لمشكلاتهم، سواء من خلال التعيينات أو دعم المشاريع الصغيرة لتمكينهم من بناء مستقبلهم. وطالبهم بالتوقف عن إعطاء الوعود "الكاذبة".

فائض في الأعداد

من جانبه، أكد رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي، في تشرين الثاني 2024، أن "العراق يعاني فائضًا كبيرًا في عدد الاطباء والصيادلة وبنسبة 200 في المائة".

وأضاف في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن "هناك زيادة مماثلة لهذا الرقم في عدد أطباء الأسنان والعلميين ومساعدي المختبرات".

وتابع شنكالي، ان "الحكومة تعمل على شراكة مع القطاع الخاص حيث قامت شركة إيطالية بإجراء دراسة لمستشفى محلي طلبت فقط سبعة صيادلة من أصل 200 موجودين، وان  هذا الفائض في العدد يتناقض مع النقص الحاد في تخصصات طبية أخرى مثل طب الطوارئ والطب العدلي وجراحة الدماغ والصدر".

ونبّه الى وجود "مشاكل في الوقت الحالي مع خريجي عامي 2023 و 2024".

40 ألف صيدلي

وحذّرت نقابة صيادلة العراق من التداعيات السلبية للارتفاع غير المسبوق في أعداد الخريجين، مؤكدةً أن هذه الزيادة قد تؤدي إلى أزمة في فرص العمل خلال السنوات المقبلة، سواء في القطاعين العام أو الخاص.

وقال د. أسامة هادي حميد، المتحدث الرسمي باسم النقابة، إن "الزيادة الكبيرة في أعداد الصيادلة تعود إلى الانتشار الواسع لكليات الصيدلة الأهلية، دون وجود توسع مماثل في المؤسسات الصحية، التي بقيت على حالها أو شهدت زيادة طفيفة لا تستوعب هذا العدد المتنامي من الخريجين".

وأضاف حميد لـ "طريق الشعب"، أن "وصول أعداد الصيادلة إلى أكثر من 40 ألف صيدلي، وبالتالي فانه استمرار هذا العدد بالارتفاع، يشكل عبئًا غير مسبوق على السلطات الصحية، خاصة في ما يتعلق بتوفير التعيينات في القطاع العام"، مشيرًا إلى أن ذلك قد يدفع العديد من الصيادلة إلى العمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم الأكاديمية، وهو أمر لا تتمناه النقابة.

ولمواجهة هذه التحديات، أشار هادي إلى أن "النقابة تدرس عدة حلول، أبرزها تقليل أعداد المقبولين في كليات الصيدلة، إلى جانب فتح مجالات عمل جديدة للصيادلة، مثل إنشاء مصانع أدوية، ومختبرات تحليل، ومراكز أبحاث طبية، ما يسهم في استيعاب الأعداد المتزايدة للخريجين، ويوفر لهم فرص عمل تتناسب مع اختصاصهم".

وشدد على ضرورة وضع خطط استراتيجية لضبط أعداد الطلبة المقبولين في كليات الصيدلة، بما ينسجم مع احتياجات سوق العمل، لضمان مستقبل مهني مستقر للخريجين، وعدم تفاقم أزمة البطالة بين أصحاب هذا الاختصاص الحيوي.

وحذرت النقابة عام 2023 من تراكم الصيدلانيين الفائضين عن الحاجة في البلاد بتوقعات تصل إلى 98 ألف صيدلي فائض بحلول عام 2030.

الترهل الوظيفي

يقول الباحث الاقتصادي أحمد عيد أن العراق يعاني من مشكلة كبيرة في القطاع الصحي، تتمثل في الترهل الوظيفي الذي يعيق تقدم هذا القطاع ويؤثر سلبًا على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

ويضيف عيد في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن الحل لهذه المشكلة يتطلب جهودًا حثيثة تتضمن إعادة تأهيل وتطوير مصانع الأدوية الوطنية لضمان الاكتفاء المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بالإضافة إلى توسيع المراكز الصحية لتواكب الزيادة السكانية.

ويدعو إلى وضع خطط استراتيجية وطنية تتناسب مع الاحتياجات المحلية، حيث يجب أن تستوعب هذه الخطط أعداد الخريجين وفقًا للتخصصات المطلوبة في السوق، مشيرا الى أن هذه التوجهات ستساهم بشكل كبير في تحقيق توازن بين العرض والطلب في سوق العمل الصحي، وتعزز جودة الخدمات الصحية وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في البلاد، مؤكدا أن "أعداد الخريجين الكبيرة مع وجود الترهل الوظيفي في مؤسسات الدولة، يترك آثارا خطرة على حجم الانفاق العام للدولة ويزيد من فجوات عجز الموازنة، وبالتالي يشكلون عبئا اقتصاديا كبيراً".

عرض مقالات: