يواجه القطاع الصحي في العراق تحديات عديدة تؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين. ونتيجة لذلك احتلت العاصمة بغداد، المركز الأخير في مؤشر الرعاية الصحية لعام 2025، حسب موقع "نومبيو" الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم.
يعلل مراقبون تصدع النظام الصحي بنقص الموارد المالية، قلة البنية التحتية الحديثة، ونقص الكوادر الطبية المدربة. كما تساهم قضايا الفساد والاحتكار في تعقيد الوضع، ما يؤدي إلى نقص الأدوية وارتفاع تكاليفها، وتدني مستوى الخدمات في المستشفيات. في ظل هذه الصعوبات، يصبح تحسين الرعاية الصحية في العراق مهمة تتطلب التنسيق بين الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية من أجل إيجاد حلول فعّالة ومستدامة.
تعزيز أنظمة المعلومات الصحية
أكد د. حسنين صفاء، نقيب الأطباء في العراق، أن "هناك عدداً كبيراً من مراكز الخدمات الصحية الأولية، وأن وزارة الصحة تبذل جهوداً كبيرة لتحسين أدائها، وزيادة انتشارها، بهدف تقديم خدمات طبية لمختلف فئات المجتمع".
وقال صفاء في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "التحدي الأبرز الذي يواجه القطاع الصحي في العراق هو ضعف جودة إدارة المعلومات، حيث يتطلب تحسين الأداء تعزيز أنظمة المعلومات الصحية لضمان تقديم الخدمات بكفاءة واستدامة".
وأضاف أن "الموارد المالية تلعب دوراً حاسماً في تطوير القطاع، حيث أن زيادة الدعم المالي تساهم بشكل مباشر في رفع كفاءة الأداء واستمرارية تقديم الخدمات الصحية".
وأكد نقيب الأطباء أن "العراق يواجه تحديات متعددة في مجال الخدمات الصحية، وبالتالي من الضروري أن يكون العمل جاداً وحثيثاً لتحسين هذه الجوانب، بما ينعكس إيجاباً على مستوى الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين".
واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية التخطيط السليم، توفير الموارد، والعمل المستمر من أجل تطوير القطاع الصحي وضمان تقديم خدمات صحية مستدامة وعالية الجودة.
تحديات جوهرية
يقول المحلل السياسي محمد زنكنة، أن "قطاع الوعي الصحي يمثل تحدياً جوهرياً يتعلق بصحة المواطنين من جميع الفئات، كما يؤثر بشكل مباشر على البيئة المحيطة، إلا أن هذا القطاع الحيوي يواجه مشكلات خطرة، تتراوح بين الاحتكار والفساد، إلى جانب سيطرة جهات متنفذة على تجارة الأدوية والمناقصات الصحية".
ويضيف زنكنة لـ "طريق الشعب"، أن "سوق الأدوية في العراق يعاني من هيمنة شبكات احتكارية تؤثر سلباً على توزيع الأدوية، ما يؤدي إلى نقصها وارتفاع أسعارها. كما توجد شركات وهمية تستغل الفوضى لتحقيق أرباح غير مشروعة، ما يزيد من تعقيد المشهد الصحي".
ويؤكد أن "الأزمة تفاقمت مع انتشار بيع الأدوية على الأرصفة والشوارع، لا سيما في مدن وسط وجنوب العراق وبغداد، بينما تمكن إقليم كردستان من إنهاء هذه الظاهرة بعد عام 2003".
وأضاف: "من الأخطار الكبرى التي تواجه القطاع الصحي استغلال العطاءات والمناقصات لتهريب وبيع المخدرات، حيث يتم إدخال حبوب الكبتاغون والكرستال وغيرها من المواد المخدرة في داخل عُلب الأدوية، ما يشكل تهديداً خطيراً للمجتمع".
وأشار زنكنة الى دور الجماعات المسلحة حيث يقول انها تلعب "دوراً محورياً في هذه التجارة، تستغل الثغرات الحدودية لتهريب الأدوية والمخدرات، إضافة إلى توريد الأدوية منتهية الصلاحية، ما أدى إلى وفيات وتسمم الآلاف من المواطنين بسبب غياب الرقابة الصحية الفاعلة".
ولفت الى أن "المستشفيات في العراق تعاني من تدنٍ خطير في مستوى الخدمات، إذ يفتقر العديد منها إلى معايير النظافة والتعقيم، ما يساهم في انتشار الأمراض"، ووفقاً لزنكنة، فإن بعض المستشفيات أصبحت ملاذاً للحيوانات السائبة، ما يعكس حجم الإهمال المتفشي في القطاع الصحي.
كما يُعد العراق من أكثر الدول تلوثاً، حيث يسجل معدلات مرتفعة من الأمراض السرطانية نتيجة التلوث البيئي، فضلاً عن عدم توفر الرعاية الصحية الكافية في المستشفيات، ما يزيد من معاناة المرضى.
وواصل القول: "إلى جانب التحديات الصحية، يواجه الأطباء في العراق تهديدات عشائرية وميليشياوية عند وفاة بعض المرضى، ما يجعل ممارسة المهنة محفوفة بالمخاطر. أما على صعيد التعليم الطبي، فقد تسببت الجامعات الأهلية التي تقبل الطلبة بأدنى المعدلات بشرط أن يكونوا من أبناء المتنفذين والمليارديرات، في تراجع مستوى الكوادر الطبية المستقبلية، ما يفاقم أزمة القطاع الصحي على المدى البعيد".
قلة البرامج التدريبية
وتحدثت الطبيبة الاختصاص نور صادق عن الواقع الصحي في البلاد، مشيرة إلى أن الوضع في العراق يواجه تحديات كبيرة تؤثر بشكل مباشر على مستوى الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، وهذا ينعكس على التقييمات العالمية التي تصنف الرعاية الصحية في العراق بمستويات متدنية مقارنة بالدول الأخرى.
وقالت نور، إن "التحديات التي يعاني منها القطاع الصحي في العراق ليست بجديدة، لكن تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في السنوات الأخيرة جعلت من الصعب تحقيق أي تقدم يذكر في هذا المجال".
وأوضحت، أن "العراق يفتقر إلى البنية التحتية الصحية الحديثة التي تتماشى مع المعايير العالمية، حيث أن الكثير من المستشفيات في العاصمة والمحافظات تعاني من قدم المباني ونقص في التجهيزات الطبية، في حين أن الكثير من المناطق النائية لا تتوفر فيها حتى المراكز الصحية الأساسية".
وأضافت، أن "نقص الأجهزة الطبية الحيوية مثل أجهزة التنفس الاصطناعي وأجهزة غسيل الكلى يشكل عائقًا كبيرًا أمام تقديم الخدمات الصحية الجيدة، وهذا يجعل من الصعب توفير الرعاية الصحية للمواطنين في الوقت المناسب"، مشيرة إلى أن "الوضع في مستشفيات العراق يزداد سوءًا خلال أوقات الأزمات، مثل موسم الأوبئة والأمراض الموسمية، حيث لا تتمكن المستشفيات من استيعاب العدد الكبير من المرضى بسبب النقص الحاد في الأسرة الطبية".
وألمحت نور إلى أن مستوى التدريب والتأهيل للكوادر الطبية في العراق لا يواكب التطور الذي يشهده المجال الصحي عالميًا، وذلك بسبب قلة البرامج التدريبية المستمرة وعدم توفير فرص كافية لتطوير المهارات الطبية. كما أن العديد من الأطباء والممرضين يهاجرون إلى دول أخرى بحثًا عن فرص أفضل، ممطا يزيد من تفاقم أزمة نقص الكوادر الطبية المؤهلة.
وتابعت، أن الكثير من الأطباء يتعاملون مع ظروف صعبة في العمل، مثل نقص الأدوية والمواد الطبية الأساسية، ما يؤثر على قدرتهم على تقديم رعاية صحية مناسبة.
وأشارت إلى أن نظام الرعاية الصحية في العراق يعاني من ضعف في التنسيق بين القطاعين العام والخاص، ما يخلق فجوات كبيرة في تقديم الرعاية الصحية بين مختلف الفئات الاجتماعية، حيث أن الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية قد تكون بطيئة أو غير كافية، بينما يضطر الكثير من المواطنين للجوء إلى المستشفيات الخاصة التي تكون في الغالب باهظة التكلفة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه النظام الصحي تحديات تتعلق بالفساد الإداري الذي يؤثر على تخصيص الموارد الصحية، ويؤدي إلى هدر الأموال المخصصة للقطاع الصحي، ما يحد من قدرة المستشفيات على تحسين خدماتها.
خطة إصلاح شاملة
وأكدت، أن "العراق بحاجة إلى خطة إصلاح شاملة للقطاع الصحي، تتضمن رفع ميزانية الصحة وتوجيهها نحو تطوير البنية التحتية للمستشفيات، وتوفير المعدات الطبية الحديثة، وكذلك تحسين التدريب الطبي المستمر للأطباء والممرضين. كما يجب العمل على توفير الأدوية الأساسية بشكل مستمر والحد من الفساد في المؤسسات الصحية".
وفي رأيه، فإن الحل يكمن في تضافر جهود الحكومة، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص من أجل تحسين واقع الرعاية الصحية في العراق، ورفع مستوى التصنيف الدولي للقطاع الصحي.