في وقت يشهد فيه العراق تطورا ملحوظًا في مجال التحول الرقمي وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا يزال هناك تخوف كبير من تأثير هذه التكنلوجيا على سوق العمل. إذ يعتقد العديد من الخبراء والمتخصصين أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تهديد بعض الوظائف التقليدية، وهو ما يثير القلق بشأن فقدان فرص العمل للأفراد الذين لا يمتلكون المهارات الرقمية اللازمة.
وبرغم ذلك، يرى هؤلاء الخبراء أن هذه التقنيات ليست السبب الوحيد لتراجع فرص العمل، بل إن التركيز على تدريب وتأهيل القوى العاملة الرقمية قد يكون الحل لتجاوز هذه التحديات.
توظيف الذكاء الاصطناعي
يقول زيد الراوي، المتخصص في الأمن السيبراني والتحول الرقمي، إن "العراق لا يزال في مراحله الأولى من التحول الرقمي، إلا أنه يمتلك إمكانات كبيرة للنمو في هذا المجال"، موضحا أن "هناك جهودًا متزايدة من قبل أفراد ومؤسسات عراقية لدفع عجلة التطور الرقمي، وهو ما قد يسهم في تعزيز القدرات الوطنية، لا سيما مع تزايد الحاجة إلى استثمار العقول العراقية في مجال التكنولوجيا الرقمية".
ويضيف الراوي لـ "طريق الشعب"، بالقول أن "على هذا الأساس، تسعى اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي في العراق إلى تحقيق قفزة نوعية في الابتكار العلمي خلال السنوات المقبلة، حيث وضعت خطة تهدف إلى إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الأكاديمية في المدارس والجامعات، ما يمكن الأجيال الشابة من اكتساب المهارات اللازمة لمواكبة التقدم التكنولوجي العالمي".
ويدعو الى "توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تحليل البيانات واتخاذ قرارات دقيقة في مجالات متعددة، مثل الأمن والتعليم والصحة"، مشيرا الى "دوره الحيوي في تعزيز الأمن السيبراني عبر أنظمة متقدمة للكشف عن التهديدات الإلكترونية، خاصة بعد تعرض مواقع حكومية عراقية، مثل وزارتي التعليم العالي والتربية ومجلس الخدمة الاتحادي، لتسريبات أمنية خلال العام الماضي".
وينبه الراوي الى أنه "لا تزال هناك تحديات تعيق تقدم التحول الرقمي في العراق، إذ يتمثل أبرزها في غياب البنية التحتية الرقمية المتكاملة، وتفاوت المهارات الرقمية بين الأفراد، وهو ما قد يؤثر على قدرة البلاد في التنافس مع الدول المتقدمة"، لكن من جهة أخرى، يرى أن الجهود المبذولة تسهم في تطوير التعليم والتدريب، من خلال إنشاء نوادٍ تعليمية مختصة وإقامة معسكرات تدريبية للخريجين، في تأهيل الكوادر المحلية لسوق العمل الرقمي العالمي".
وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، يرى الراوي أن "الأتمتة قد تؤثر على بعض الوظائف التقليدية، غير أنها لن تلغيها، بل ستؤدي إلى خلق فرص جديدة تتطلب مهارات متطورة تتماشى مع التطورات الحديثة. وبالتالي، فإن التركيز على التدريب والتأهيل الرقمي يعد ضرورة أساسية لضمان قدرة العراق على التحول إلى سوق رقمي حديث قادر على المنافسة عالميا".
ويذكر الراوي، انه "برغم العقبات التي تعترض طريق تطبيق الذكاء الاصطناعي في العراق، إلا أنه يقدم فرصًا واعدة لتحسين الأداء الحكومي وتعزيز النمو الاقتصادي. ومن هذا المنطلق، يرى أن استثمار العقول العراقية وتنمية الابتكار يمثلان مفتاحًا رئيسيًا لجعل العراق لاعبًا مهمًا في المشهد الرقمي العالمي".
تهديدات أمنية متزايدة
في ذات السياق، ذكر المتخصص في أمن المعلومات والتكنولوجيا، حسين السعيدي، أن "العراق يواجه تحديات كبيرة في مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني"، مردفا أن "هناك بعض التقدم في هذا المجال، إلا أن العديد من النقاط لا تزال بحاجة إلى تحسين لضمان الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا الحديثة".
وقال السعيدي لـ "طريق الشعب"، أن "تبني الذكاء الاصطناعي في العراق لا يزال محدودًا، حيث توجد بعض المبادرات التعليمية، لكن التطبيقات التجارية لهذه التقنية لم تنتشر بشكل واسع بعد"، مضيفا أن "العديد من الطلاب يعتمدون على تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث، إلا أن المؤسسات التعليمية تفتقر إلى الموارد الكافية لتزويدهم بالمهارات العملية اللازمة".
وفيما يتعلق بالأمن السيبراني، أوضح السعيدي أن "العراق يعاني من تهديدات أمنية متزايدة، مما يستدعي تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية"، كما أكد أن "هناك نقصًا واضحًا في الكوادر المتخصصة بهذا المجال، الأمر الذي يزيد من مخاطر الهجمات الإلكترونية وسرقة البيانات".
ولفت السعيدي إلى أن ضعف البنية التحتية التكنولوجية في العديد من المناطق يعيق تنفيذ مشاريع التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى انخفاض الاستثمارات في هذا القطاع، حيث تفضل الشركات المحلية اللجوء إلى تقنيات تقليدية أكثر أمانًا من وجهة نظرها. كما شدد على ضرورة تطوير برامج تعليمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني داخل الجامعات العراقية لسد النقص في الكفاءات المطلوبة.
وأضاف، أن تأخر الحكومة في تبني التكنولوجيا الرقمية يؤثر سلبًا على تحسين الخدمات العامة وزيادة الشفافية، كما أن تزايد المخاوف بشأن الأمان السيبراني وخصوصية البيانات يعيق بناء الثقة في استخدام التكنولوجيا الحديثة.
ودعا السعيدي إلى التركيز على تطوير مناهج دراسية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وتعزيز المشاريع التي تستخدم هذه التقنيات في مجالات مثل الزراعة والصناعة لتحسين الكفاءة والإنتاجية. كما شدد على أهمية التعاون مع الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا لنقل المعرفة إلى العراق، فضلًا عن ضرورة الاستثمار في الأمن السيبراني لحماية البيانات الوطنية والمعلومات الحساسة.
واختتم السعيدي بالتأكيد على أن العراق، رغم التحديات التي يواجهها، يمتلك فرصة حقيقية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
تطوير المناهج التعليمية
ويؤكد مختص في مجال والتكنولوجيا والهندسة، عمر الجبوري، أن "الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة للعراق إذا تم استثماره بالشكل الصحيح، لكنه قد يصبح تهديدًا لسوق العمل في حال غياب الاستعداد المناسب"، موضحًا أن "بعض الوظائف التقليدية قد تتأثر بالأتمتة، لكن في المقابل، ستظهر وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة في التكنولوجيا والبرمجة وتحليل البيانات".
ويضيف الجبوري لـ "طريق الشعب" أن "التحدي الحقيقي يكمن في تطوير المناهج التعليمية والتدريبية لمواكبة هذا التحول، حيث إن تأهيل الكوادر المحلية سيحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي عامل ازدهار للاقتصاد العراقي أم مصدرًا لزيادة البطالة".