اخر الاخبار

يواجه العديد من الشباب الذين ينشؤون في دور الأيتام واقعا مريرا بعد بلوغهم سن الثامنة عشرة، حيث يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة هذه الدور بسبب القوانين التي تعتبر هذه السن بداية للبلوغ القانوني؛ فبعضهم يتمكن من الاندماج في المجتمع عبر إيجاد فرص عمل أو استكمال دراستهم، لكن الأغلبية يستقبلهم مصير مظلم في الشوارع، فيكونون عرضةً للتشرد والاستغلال.

دور مهملة وعصابات تقتنص الفرصة

يقول الحقوقي مصطفى البياتي، إنّ عدم اهتمام الدولة بدور الأيتام يمثل جوهر المشكلة، مبينا أنّ العديد من هذه الدور لم تشهد تحديثًا منذ إنشائها في العهود السابقة، كما أن عددها لا يفي بتلبية احتياجات العدد الكبير من الأيتام في المجتمع.

ويشير البياتي الى افتقار الدولة إلى إحصائيات دقيقة بشأن أعداد الأيتام، ما يجعل من الصعب وضع خطط فعالة لمعالجة المشكلة.

ويتحدث البياتي لـ "طريق الشعب"، عن عصابات منظمة تستغل أوضاع هؤلاء الشباب، حيث تقوم بتشغيلهم في التسول وتجارة الجنس وأحيانًا في أنشطة إرهابية، موضحا أن هذه العصابات توفر لهؤلاء الشباب السكن والمواصلات، وتدربهم على تقديم روايات مزيفة أمام القضاء عند القبض عليهم.

ويضيف البياتي، أن "هذه الظاهرة تفاقمت نتيجة الإهمال المستمر لمقترحات الحلول التي نقدمها إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والتي تتضمن ضرورة تعيين الشباب الخارجين من دور الأيتام في وظائف داخل الدور نفسها أو مساعدتهم على استكمال دراستهم وفتح مشاريع خاصة بهم".

ورغم وجود مئات المنظمات التي تُعنى بالأيتام في العراق، يؤكد البياتي أن معظمها تستغل هذه القضية لجمع الأموال والمتاجرة بمعاناتهم. كما يشير إلى أن بعض السياسيين يتاجرون باسم الأيتام لكسب الأصوات الانتخابية، بينما تبقى الحكومة بلا رؤية واضحة لمعالجة هذه الأزمة.

ويلفت البياتي إلى أن العديد من الشباب الخارجين من دور الأيتام يمتلكون مواهب وطاقات يمكن أن تكون "كنزًا للدولة" إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح. ويضيف، أن هناك مساعدات دولية قُدمت لدعم هذه الفئة، لكنها تبخرت دون أثر يُذكر.

وفيما يتعلق بالإجراءات القانونية لإيواء الأطفال في دور الأيتام، يوضح البياتي أن العملية تبدأ بتقديم طلب رسمي من ذوي الطفل، مرفقًا بالوثائق المطلوبة، ومن ثم دراسة الحالة من قبل باحث اجتماعي. وتشترط دور الأيتام أن يكون الطفل عراقيًا أو فلسطينيًا مقيمًا في العراق، خاليًا من الأمراض المعدية، وألا يتجاوز عمره 18 عامًا، وأن يكون يتيم الأب أو الأم أو كليهما، مع وجود قرار من محكمة مختصة.

عوامل اقتصادية

ويرجع هاشم الرماحي مدير إحدى دور الأيتام في العراق، الأسباب الرئيسية لتزايد أعداد الأطفال في دور الأيتام إلى "عوامل اقتصادية بالدرجة الأولى"، بالإضافة إلى التفكك الأسري، وقلة وعي الأسر بأهمية رعاية وتربية أطفالهم بشكل صحيح.

يقول الرماحي لـ "طريق الشعب"، أن "غياب دور الأب والأم في حياة الأطفال يؤدي إلى إهمالهم وانتهائهم في هذه المؤسسات أو الشارع"، مضيفا أن "دور الأيتام في العراق تؤدي دورًا كبيرًا في تقديم الرعاية النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التعليم والترفيه للأطفال. الهدف الأساس هو إعدادهم ليكونوا أفرادًا فاعلين وقادرين على الاندماج في المجتمع الحالي، بما يتماشى مع تطوراته".

وعن التحديات يشير الرماحي الى أن "هناك تحديات كبيرة تواجه دور الأيتام، أبرزها قلة الدعم الحكومي، الأمر الذي يؤثر على قدرة هذه المؤسسات على أداء مهامها بشكل كامل"، مبينا أن "التحدي الأكبر هو تربية الأطفال وتنشئتهم بشكل صحيح ليصبحوا أفرادًا منتجين يخدمون أنفسهم والمجتمع".

وفي ما يتعلق بالتبني، يؤكد الرماحي أن القانون العراقي والشريعة الإسلامية لا يسمحان بالتبني الكامل. لكنه يشير إلى وجود نظام "الضم" الذي يتيح للعائلات رعاية الأطفال الأيتام مع الاحتفاظ بأسمائهم الأصلية.

ويوضح، أن "هذه العملية تخضع لإجراءات قانونية يتم البت فيها من قبل قاضي محكمة الأحداث، وتتضمن شروطًا محددة لضمان توفير بيئة آمنة ومستقرة للطفل"، مؤكدا أن الدار التي يديرها "توفر مربيات يتولين متابعة الأطفال واحتياجاتهم اليومية، بالإضافة إلى معلمين متخصصين لمتابعة تعليمهم. كما تتعاون الدار مع باحثة اجتماعية لتعديل سلوك الأطفال".

ويذكر، أن الجهود متواصلة لضمان توفير بيئة تعليمية وتربوية سليمة لهم.

ويختتم حديثه قائلًا: "كل طفل في دار الأيتام يحمل قصة مختلفة، ومن الصعب سردها، لكننا نسعى جاهدين لتقديم أفضل رعاية ممكنة لهم، على أمل أن يصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع".

يضم العراق 22 دارًا خاصًا لرعاية الأيتام، ووفقًا لتقديرات منظمة اليونيسيف، فإن نسبة أيتام العراق تشكل 5 في المائة من الأيتام على مستوى العالم.

وتقول إسراء الساعدي، وهي ناشطة في منظمة تهتم برعاية الأيتام، أن عدد دور الأيتام وتجهيزاتها لا يتناسب مع الأعداد الكبيرة للأيتام والمشردين في البلاد.

وتضيف لـ "طريق الشعب"، أن هذه الدور تعمل ضمن الإمكانيات المتاحة، لكنها تعاني من غياب الدعم الحكومي وضعف اهتمام المؤسسات التي تدّعي الإنسانية، حيث يقتصر نشاطها على الجانب الإعلامي فقط دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع.

وتؤكد الساعدي، أن هذا الوضع، إذا لم يُعالج بشكل عاجل، فقد يتحول إلى كارثة إنسانية واجتماعية لا تُحمد عقباها، مردفة أن هناك جهودًا من بعض منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المهتمة بالطفولة لفتح دور أيتام لإيواء الأطفال المشردين، إلا أن هذه المبادرات تواجه نقصًا كبيرًا في المراقبة والرصد الحكومي، فضلًا عن غياب التطوير المستمر من قِبل القائمين على هذه الدور.

وتطرقت الساعدي إلى مصير الأطفال بعد خروجهم من دور الأيتام، موضحة: أن غياب الدعم المستدام والخطط التأهيلية يجعل الكثير منهم عرضة للضياع، سواء بسبب عدم القدرة على الانخراط في المجتمع أو الوقوع في براثن الجريمة والانحراف. كما تشير إلى مشكلة أخرى تعاني منها دور الأيتام وهي امتلاؤها بأطفال لديهم أهل على قيد الحياة.

ومع تزايد أعداد الأيتام نتيجة الحروب والإرهاب، تبرز الحاجة إلى تدخل حكومي ومجتمعي حقيقي لإعادة تأهيلهم وحمايتهم من التشرد والاستغلال، بما يضمن لهم مستقبلًا كريمًا، ويحوّل طاقاتهم إلى قوة فاعلة تخدم المجتمع.

عرض مقالات: