يحذر خبراء ومراقبون من أزمة مياه حادة وتلوث متزايد في نهر دجلة، داعين لحلول مستدامة لضبط إيقاع الموارد المائية في البلاد.
وتقف الحكومة عاجزة امام هذا الخطر الداهم الذي يهدد اهم مصادر الحياة في بلاد الرافدين، حيث يستغيث من سنوات من التجاوزات، الملوثات، وشح المياه وغيرها.
وفي هذا الشأن، يقول الخبير البيئي تحسين الموسوي أن العراق يشهد مستويات مرتفعة من التلوث بسبب رمي المخلفات ومياه الصرف الصحي ومياه البزل في الأنهار، وهو ما أدى إلى تدهور جودة المياه، خاصة في المناطق التي تنحدر جنوب بغداد، حيث تصل المياه إلى درجة عالية من التلوث تجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري أو حتى للاستخدامات الزراعية.
وأكد الموسوي ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة من قبل الحكومة العراقية، مشدداً على أهمية وضع ملف المياه على رأس أولويات الدولة. وقال: “يجب أن يكون هناك تحرك جاد لإيقاف التدهور الخطير الذي تشهده الموارد المائية في العراق، خاصة مع استمرار الجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي والقومي للبلاد”.
واختتم الموسوي بدعوة صانعي القرار، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، إلى تبني استراتيجية شاملة لمعالجة أزمة المياه قبل أن تتفاقم، مشيرا إلى أن المشاريع الجمالية مثل إكساء ضفاف النهر تبقى ثانوية، ما لم يتم حل مشكلة المياه التي وصلت إلى مرحلة خطرة تهدد حاضر ومستقبل العراق.
تراجع الخزين المائي
وقال الخبير البيئي عادل المختار، إن ان العراق يواجه أزمة مياه خانقة، والإيرادات المائية من تركيا منخفضة بشكل كبير، ما أدى إلى تراجع خطير في خزيننا المائي".
وأوضح المختار لـ "طريق الشعب"، أن "العراق يعتمد على تقليل إطلاقات السدود عند وصول مياه كافية من تركيا، لكن هذه السنة كانت مختلفة تماماً، حيث أُجبر العراق على السحب المستمر من خزانه المائي.
وتابع، أن "الخزين المائي انخفض من 21 مليار متر مكعب إلى 13 ملياراً فقط، وهو مؤشر خطير، خاصة ونحن في بداية فصل الشتاء"، مضيفا أن "الوضع قد يتفاقم في حال استمر الجفاف هذا العام، مما يضع البلاد أمام كارثة حقيقية في أشهر الصيف المقبلة، حيث سيستمر استنزاف الخزين المائي".
وأعرب عن استغرابه من غياب جدية التعامل مع هذه الأزمة، متسائلاً: "أين ذهب الاتفاق المائي مع تركيا الذي احتُفي به سابقاً؟ ما فائدته إذا كانت الإطلاقات المائية لا تزال قليلة؟".
واختتم المختار حديثه بالتأكيد على ضرورة التركيز على حلول مستدامة لأزمة المياه التي تهدد الأمن المائي والغذائي للعراق، داعياً إلى إجراءات فورية للتفاوض مع تركيا وضمان حقوق العراق المائية قبل تفاقم الأزمة.
أنابيب الموت
وقال صميم سلام، المختص في مجال البيئة والمياه والتغيرات المناخية، أن نهر دجلة يشهد في الآونة الأخيرة تجاوزات خطرة ومتزايدة، أبرزها ما وصفه بـ”أنابيب الموت”، وهي أنابيب الصرف الصحي التي تصب مباشرة في النهر.
وأضاف لـ"طريق الشعب"، أن هذه الأنابيب تحمل مخلفات سائلة من المدن الصناعية، والمستشفيات، والمعامل، ومعظمها دون معالجة، ما يرفع مستويات التلوث، ويزيد من تركيز العناصر الثقيلة في المياه.
وأشار إلى أن هذه المخاطر تتفاقم بسبب انخفاض منسوب المياه في نهر دجلة وقلة المياه الجارية، ما يؤثر سلباً على صحة المواطنين، خاصة مع ضعف محطات معالجة المياه التي تزوّد المنازل. كما تنعكس هذه الممارسات على الثروة السمكية والأمن الزراعي.
وتابع، أن هناك تجاوزات أخرى تتمثل في الاستثمارات الجائرة التي تؤدي إلى تدمير الصورة البصرية لجرفي نهر دجلة، والتعدي على عمود النهر بطرق مخالفة للقانون، مشددا على أن مثل هذه الممارسات تتنافى مع قانون الري الذي يحظر التعدي على محرمات الأنهار، وهو ما يقع ضمن مسؤوليات وزارة الموارد المائية.
كما دعا سلام وزارة البيئة إلى تكثيف الرقابة على المتجاوزين تطبيقاً لقانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009.
وحذر من خطورة النفايات الطبية السائلة التي تخلفها بعض المستشفيات، في النهر بما فيها “مدينة الطب”، موضحا أن هذه النفايات تحتوي على مواد خطرة تسبب أمراضاً انتقالية بسبب تماسها المباشر مع مياه النهر، داعياً وزارة الصحة إلى متابعة هذه التجاوزات وضمان التخلص الآمن من النفايات الطبية.
وختم صميم بالقول: إن هناك حاجة ملحة لتحديد عمود وقناة نهر دجلة لمنع التجاوزات، وإن إكساء ضفتي النهر بطبقة رصف يمكن أن يكون حلاً فعالاً لتحسين الصورة الجمالية والسياحية للنهر، معتقدا أن لخطوات أبعادا إيجابية على الصحة النفسية للمواطنين، بالإضافة إلى دورها في الحفاظ على الموارد المائية وتقليل التلوث البيئي.