يعاني نهر ديالى من تلوث شديد نتيجة إلقاء المخلفات الصلبة والسائلة من الأنشطة الصناعية والخدمية غير المرخصة في النهر، بالإضافة إلى التجاوزات على ضفافه، إذ تسهم هذه الممارسات في تدهور جودة المياه، وتؤثر بشكل مباشر على صحة السكان في المناطق المحاذية للنهر. ويُلاحظ ارتفاع معدلات الأمراض مثل السرطان بين السكان بسبب تلوث المياه.
أزمة شائكة
يقول أنعم ثابت خليل، معاون مدير عام دائرة التوعية والإعلام البيئي، أن "موضوع التلوث في نهر ديالى هو قضية شائكة ومعقدة. يعاني النهر من إلقاء المخلفات الصلبة والسائلة، سواء كانت خدمية أو صناعية، معظمها يأتي من القطاع الخاص. هذه الأنشطة الملوثة غالباً ما لا تحصل على الموافقات البيئية المطلوبة، بالإضافة إلى المخلفات الناتجة عن المحطات القديمة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
ويضيف خليل، أن النهر يواجه مستويات تلوث عالية، خصوصاً عند دخوله الأراضي العراقية ومروره بمحافظة ديالى وصولاً إلى بغداد. تزداد مشكلة التلوث بفعل التجاوزات على ضفاف النهر، حيث أن بعض المواطنين يقومون ببناء مساكن عشوائية وأنشطة صناعية على الضفاف، ما يؤدي إلى تضييق مجرى النهر وزيادة معدلات التلوث.
لا التزام بالشروط البيئية
ويشير الى أن وزارة البيئة، بالتعاون مع الجهات العسكرية ووزارة الموارد المائية، قد بدأت منذ حوالي أربع سنوات في إزالة هذه التجاوزات، خاصة عند دخول النهر إلى مدينة بغداد، وذلك في مناطق مثل الفضيلية والزعفرانية. هذه المناطق تعاني من التجاوزات وإلقاء المخلفات السائلة من الأنشطة الصناعية والخدمية غير المرخصة بيئياً. حتى المنشآت التي تحصل على الموافقات البيئية، قد لا تلتزم بالمحددات البيئية بسبب تقادم وحدات المعالجة.
ويدعو خليل إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الأنشطة غير القانونية، وأهمية تعاون جميع الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك سكان المناطق المحاذية للنهر، لوقف إلقاء المخلفات.
ويؤكد أن إزالة التجاوزات وزيادة معدلات الجريان قد يساعدان في تقليل التلوث وعودة النهر إلى وضعه الطبيعي.
ملوثات تفقد الناس حياتهم!
منذ سنوات طويلة، كان نهر ديالى رمزاً للحياة والنماء، لكن اليوم بات شاهداً على مأساة بيئية خطيرة تهدد حياة السكان الذين يعيشون بالقرب منه، وفقاً لما قاله الناشط البيئي باهر البياتي.
يقول البياتي في حديث لـ "طريق الشعب": "من الواضح أن نهر ديالى يعاني من تدهور خطير. المياه التي تخرج من محطة الرستمية إلى النهر ليست سوى خليط ملوث يغلب عليه اللون الأسود، وتنتشر رغوة كثيفة في المكان الذي تلتقي فيه هذه المياه مع مجرى النهر. عند منحنى الكلية العسكرية الأولى، يكشف أنبوب ضخم عن حجم الكارثة؛ إذ يضخ مياه الصرف الصحي مباشرة في النهر". لكن المصيبة لا تقف عند هذا الحد، إذ يشير البياتي إلى أن شركات الإسمنت العاملة قرب النهر تزيد الوضع سوءاً: "هذه الشركات تقوم بردم أجزاء من النهر وتصرف مخلفاتها فيه دون أي اعتبار للأضرار. النتيجة هي تقلص مساحة النهر وتدهور جودة مياهه بشكل لا يمكن تجاهله".
ويتابع البياتي حديثه عن تأثير هذه الملوثات على سكان المنطقة، قائلاً: "ان سكان منطقة الزوية، يسكنون قرب مشروع الرستمية، فقدوا الكثير من الاشخاص بسبب أمراض مرتبطة بشكل مباشر بالتلوث في النهر"، مشيرا الى ان سكان المناطق القريبة من النهر يعتمدون على مياه النهر بالزراعة والشرب.
ويؤكد انه "خلال ما يقارب العام فقط فقدنا خمسة من سكان المنطقة بسبب السرطان"، مردفا أن "الأمر لا يتوقف عند مشروع الرستمية فقط، بل هناك مفاعل تموز النووي الذي زاد الطين بلة. سكان جسر ديالى والزوية يعانون من تلوث مزدوج، حيث تتراكم الملوثات في الهواء والماء، تاركة بصمتها القاتلة على الجميع".
وفي ختام حديثه، يناشد البياتي الجهات المسؤولة، بالتحرك الفوري لإنقاذ النهر قبل أن يتحول إلى كارثة لا يمكن عكسها. نهر ديالى كان شريان حياة، لكنه الآن أصبح مصدراً للمرض والمعاناة. إنقاذ النهر يعني إنقاذ آلاف الأرواح.
التجاوزات وقلة المياه
تحدث الخبير والأكاديمي في علوم البيئة أسعد الطائي عن الآثار السلبية الناتجة عن التلوث بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، موضحًا أن هذا النوع من التلوث يساهم في انتشار العديد من الامراض الجرثومية، مؤكدا أن هذا التلوث يؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض تتراوح بين التهابات الجهاز الهضمي البسيطة والأمراض الحادة مثل الحمى التيفوئيدية والزحار.
وشرح الطائي التحديات البيئية الكبيرة التي يواجهها نهر ديالى، حيث يعاني من تلوث شديد بمجرد دخوله مدينة بعقوبة أو مروره فوقها، إذ تتكون مياهه في هذا الجزء بشكل رئيس من مياه المبازل والصرف الصحي، نتيجة لتجاوزات المواطنين ونقص الإطلاقات المائية في النهر.
وقال، أن مياه الشرب والزراعة في المنطقة تعتمد بشكل كبير على تفرعات نهر ديالى مثل نهر خريسان، لكنه أعرب عن قلقه الشديد إزاء استخدام مياه غير صالحة تحتوي على مخلفات المجاري والمواد الملوثة للري.
وفي إطار المعالجات، اشار الطائي الى أن الإدارة المحلية بالتعاون مع مديرية الموارد المائية تعمل على إزالة التجاوزات وإبلاغ المواطنين المتجاوزين، مع متابعة مستمرة لتحسين الوضع البيئي للنهر. وأكد على أهمية توفير إطلاقات مائية كافية لتعزيز نظافة النهر وتقليل تراكيز الملوثات فيه.
واقترح المتحدث جملة من الحلول الاستراتيجية لمعالجة مشكلة التلوث، أبرزها إعادة تأهيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي في الرستمية بالكامل لضمان تصريف مياه مطابقة للمواصفات البيئية. كما دعا إلى اعتماد نظام صرف صحي منفصل لشبكات مدينة بغداد بدلاً من النظام المشترك الذي يتسبب بزيادة العبء على محطات المعالجة، خاصة خلال موسم الأمطار.
وأوصى الطائي بإعادة تخطيط محطة الرستمية وتوسيعها لتلبية الاحتياجات المستقبلية حتى عام 2050، مشددًا على ضرورة إضافة وحدات معالجة جديدة تشمل معالجة كيميائية لضمان تصريف مياه نظيفة إلى نهر ديالى. كما لفت إلى دور وزارة الموارد المائية في زيادة الإطلاقات من بحيرتي دربندخان وحمرين، بما يسهم في تعزيز جريان المياه وتقليل التلوث، مشيرًا إلى أهمية التعاون بين الجهات المعنية لضمان تحسين جودة المياه في النهر والمحافظة على البيئة.