اخر الاخبار

تتجاوز أزمة تجريف البساتين في محافظة ديالى نطاقها البيئي لتكشف عن تداخل عوامل سياسية مثل الصراعات الطائفية والسيطرة من قبل الكتل المتنفذة. هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تدهور البيئة الزراعية في المحافظة.

ويعبر مراقبون عن قلقهم من تعاظم دور الفساد في مقابل ضعف الرقابة الحكومية، ما أدى لتفاقم المشكلة، مطالبين بتدخل حكومي عاجل لضمان استدامة الزراعة وحماية البيئة في المستقبل.

مشاكل متجذرة

يقول صالح المصرفي، ناشط بيئي في محافظة ديالى، أن ظاهرة تجريف البساتين في محافظة ديالى ليست مجرد أزمة بيئية، بل هي مشكلة تتعلق بمشاكل تاريخية مرتبطة بالجفاف، الصراعات الطائفية، والسيطرة من قبل الكتل المتنفذة. هذه العوامل تداخلت مع بعضها البعض ما أدى إلى تدهور البيئة الزراعية في المحافظة.

وأشار المصرفي، إلى أن "البداية كانت نتيجة الجفاف وقلة المياه التي أصابت البساتين والمزارعين، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وتخلي الفلاحين عن أراضيهم".

 وأضاف أن "الجفاف أثر بشكل كبير على قدرة البساتين على على الصمود في وجه تلك المشاكل، حيث كانت الموارد المائية شحيحة للغاية، ما أجبر الفلاحين على ترك أراضيهم أو الاستمرار في زراعتها بطرق غير مستدامة".

وتابع الحديث عن الأسباب الأخرى ان "الإرهاب والصراعات الطائفية لعبت دوراً مهماً في تجريف البساتين، حيث تعرضت الكثير من البساتين للحرق والتجريف، نتيجة النزاعات المسلحة.

 وبين انه "تم استهداف البساتين خلال السنوات الماضية بسبب الصراعات الطائفية والإرهاب، ما أدى إلى تدميرها بشكل متعمد، ثم بيع الأرض كقطع سكنية بمبالغ كبيرة، وهو ما أثر سلباً على الزراعة في المحافظة".

وتطرق المصرفي إلى دور الكتل المتنفذة والسيطرة على الأراضي الزراعية، حيث أشار إلى أن هناك شبكات فساد مستفيدة من ضعف الدولة وقوانينها، إذ تستغل الكتل المتنفذة الأوضاع لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال السيطرة على الأراضي الزراعية، ثم يتم تجريف البساتين وتحويلها إلى وحدات سكنية بعد إتلافها، وغالباً ما يتم ذلك عبر عمليات حرق مقصودة وإثارة حرائق في البساتين التي لم تعد منتجة".

وأوضح أن عملية تحويل البساتين إلى وحدات سكنية تتم بشكل غير قانوني في كثير من الأحيان، حيث يتم التلاعب بتوفير خدمات الماء والكهرباء بطريقة غير نظامية، ما يجعل الأراضي غير صالحة للزراعة، وهذا ما يسهم في تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى استثمار سكني رخيص".

وأشار المصرفي إلى أن غسيل الأموال والفساد الإداري كان له دور كبير في هذه الظاهرة، حيث استغلت الكتل المتنفذة العلاقات مع الدوائر الحكومية لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مشاريع استثمارية. وقال انه “تم استغلال ضعف الدولة والإدارة والفساد في بيع الأراضي الزراعية بأسعار متدنية، ما أدى إلى تهديد الأمن الغذائي في ديالى وزيادة الفقر في القرى والأرياف”.

وحذر المصرفي من أن استمرار هذه الممارسات يؤدي إلى تحول ديالى من أرض خضراء إلى مدينة صفراء بدون مساحات خضراء كافية، مؤكداً أن الحلول تتطلب تدخلاً حكومياً حازماً، من خلال فرض القانون، وتعويض المتضررين، وتوفير بدائل سكنية ميسورة التكلفة للحد من العشوائيات.

وأشار إلى أن غياب الرقابة وتفشي الفساد يشكلان العائق الأكبر أمام أي حلول فعالة لهذه الأزمة.

واختتم المصرفي كلامه بالتأكيد على ضرورة حماية البيئة الزراعية في ديالى، وتحقيق التنمية المستدامة التي تراعي حقوق الفلاحين وتوفر لهم الدعم اللازم للاستمرار في الزراعة، منبها الى انه "بدون تدخل الدولة السريع والشامل، ستستمر هذه الظاهرة في تدهور الزراعة، وستكون لها آثار سلبية كبيرة على المجتمع والبيئة".

الاستيلاء على الأراضي الزراعية

وعبر المواطن والناشط من محافظة ديالى، سيف علي، عن قلقه بشأن ظاهرة تحويل الأراضي الزراعية إلى وحدات سكنية.

وأكد لـ "طريق الشعب"، أن "هذه الممارسات تؤدي إلى تدهور البيئة وفقدان الثروة الزراعية في المحافظة". وذكر علي، أن "البساتين التي كانت تشكل جزءاً حيوياً من ديالى، وقد تلاشت بسبب تقسيم الأراضي وتحويلها إلى مناطق سكنية تُباع بأسعار تنافسية لجذب المواطنين".  وأشار سيف علي إلى أن "هذه الظاهرة تحمل مخاطر عديدة، منها زيادة درجات الحرارة نتيجة تقلص المساحات الخضراء، وارتفاع معدلات التلوث الذي يتسبب في تفشي الأمراض، بالإضافة إلى الخطر الأكبر، وهو اندثار الزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي ويضعف اقتصاد المحافظة".

كما انتقد علي غياب دور وزارة الزراعة في دعم الفلاحين وتوفير المستلزمات اللازمة لهم، سواء عبر تقديم القروض أو المعدات الزراعية التي تسهم في تطوير الإنتاج.

وأكد أن هذا الغياب يجعل الفلاحين غير قادرين على مواجهة التحديات، ما يدفعهم إلى بيع أراضيهم الزراعية وتحويلها إلى مشاريع سكنية.

وحذر سيف من مستقبل قاتم إذا استمرت هذه الممارسات، حيث ستغلب الوحدات السكنية على الأراضي الزراعية، مما سيؤدي إلى مخاطر بيئية واجتماعية تهدد حياة السكان في المحافظة.

رأي حكومي

 اما مدير زراعة محافظة ديالى، محمد المندلاوي، فكان له رأي مختلف، حيث قال أن الفلاحين يحرصون دائماً على التمسك بأراضيهم الزراعية، ولا يتركونها إلا في حالات استثنائية.

وأوضح، أن بعض الأراضي غير الصالحة للزراعة، خاصة تلك القريبة من المدن، يمكن أن تُخصص لمشاريع استثمارية أخرى، مثل إنشاء مستشفيات أو منشآت عامة، وفق القوانين والإجراءات المعمول بها.

وأضاف المندلاوي، أن أي تغيير في استخدام الأراضي الزراعية يتم وفق شروط العقود الزراعية المبرمة مع الدولة، وبما يضمن حقوق الفلاحين. في حال تقرر تحويل الأرض الزراعية إلى غرض آخر، يتم تعويض الفلاح بأرض بديلة، مما قد يدفعه إلى التخلي عن أرضه الأصلية بسبب الحاجة أو الظروف.

وفيما يتعلق بمسألة تقلص الأراضي الزراعية في ديالى، أشار المندلاوي إلى أن مشكلة الجفاف في المحافظة قد انتهت إلى حد كبير، موضحاً أن الفلاحين الذين تأثرت أراضيهم بالجفاف سابقاً قاموا بحفر الآبار لاستخدامها في الري، ما ساهم في استعادة النشاط الزراعي في العديد من المناطق.

عرض مقالات: