يعاني العراق من تزايد ملحوظ في حالات السرطان، نتيجة التلوث البيئي وضعف الرقابة الصحية وغياب التشخيص المبكر، إلى جانب ارتفاع تكاليف العلاج.
ويعود تفاقم المشكلة إلى تدهور البنية التحتية الصحية وسوء إدارة الموارد والفساد.
ولمواجهة الأزمة، يُقترح تحسين الخدمات الصحية، وتوفير أجهزة طبية حديثة، وإطلاق حملات توعية للكشف المبكر، ومكافحة الفساد لتطوير نظام صحي فعال وشامل.
وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، تسجيل 43062 حالة سرطان جديدة. وكانت أربيل اعلى المحافظات تسجيلا للإصابات، فيما كان اقل الأرقام في محافظة كركوك.
وقال لـ"طريق الشعب"، إنّ الإعمار الأكثر تأثرا تتراوح بين 70 – 74 عاما.
فيما حذر الصيدلاني زيد العاني من التزايد الكبير في معدلات الإصابة بمرض السرطان في العراق، مشيراً إلى أن هذا الانتشار بات يشكل تهديداً حقيقياً للصحة العامة.
وعلل العاني تفاقم المرض بعوامل بيئية وصحية واقتصادية، معتبراً أن غياب الرقابة والتدهور البيئي يسهمان بشكل مباشر في زيادة معدلات الإصابة.
وقال لـ "طريق الشعب"، إن "البيئة العراقية أصبحت بيئة خصبة لتفاقم الأمراض، وعلى رأسها السرطان"، مشيرا إلى أن "تصريف مياه المجاري في الأنهار دون معالجة، يُعد عاملاً أساسياً في تلوث مياه الشرب، التي يستخدمها المواطنون يومياً".
وأشر العاني وجود ضعف حكومي في الرقابة على عمل المطاعم، بخاصة تلك التي تقدم وجبات سريعة.
وأضاف أن "المنتجات المستوردة، مثل الملابس والأحذية، تصل إلى الأسواق العراقية دون فحوصات دقيقة، مما يزيد من احتمالية دخول مواد تحتوي على مواد خام مسرطنة أو مشعة. حدث هذا في بعض الدول".
وانتقد الصيدلاني غياب التشخيص المبكر لحالات السرطان، مردفا أن ضعف إمكانيات وزارة الصحة يؤدي إلى تأخر اكتشاف المرض، حيث تُترك مسؤولية المبادرة للمرضى أنفسهم، بدلاً من إطلاق حملات دورية للكشف المبكر.
كما أشار إلى عدم اعتماد السجلات الصحية الإلكترونية التي تتابع الحالة المرضية للأفراد منذ الطفولة، الامر الذي يؤدي إلى تأخر تشخيص الحالات السرطانية، منبها الى ان كثيرا من المرضى يراجعون أطباء غير مختصين لسنوات قبل اكتشاف الورم السرطاني، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية.
وتحدث العاني عن التحديات الاقتصادية التي تواجه مرضى السرطان، مشيراً إلى أن تكاليف العلاج تصل إلى مبالغ خيالية تتجاوز قدرة المواطن العراقي، مؤكدا أن بعض جرعات العلاج الكيميائي تصل لآلاف الدولارات، ما يجعلها بعيدة عن متناول غالبية المرضى.
وأعرب المتحدث عن أمله في أن تتبنى الدولة خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمة، التي تتفاقم بصمت، داعيا الى تأهيل البنية التحتية للصرف الصحي، ووضع ضوابط صارمة على عمل المطاعم والمنتجات المستوردة لضمان سلامتها. وتوفير الأجهزة الطبية الحديثة مثل أجهزة التصوير الإشعاعي والعلاج بالطب النووي، لتقليل الحاجة إلى السفر للخارج، بالإضافة الى إطلاق حملات للكشف المبكر: تنظيم فحوصات دورية للكشف عن السرطان، خاصة في المناطق التي تشهد انتشاراً واسعاً للمرض.
شح فرص الحصول على رعاية صحية
فيما قال د. علي القيسي، الطبيب المتخصص بالأمراض السرطانية، إنّ "الحديث عن مرض السرطان بات حاضرا في مختلف المناسبات".
وتحدث القيسي لـ "طريق الشعب" عن أحد أفراد عائلته الذي أصيب بالمرض، لكن تم تشخيص حالته بشكل متأخر وخاطئ، ما أدى إلى تدهور وضعه الصحي: "كان من المفترض أن يتلقى العلاج في لبنان، إلا أن الظروف حالت دون سفره، ما اضطره لتحمل تكاليف العلاج الباهظة داخل البلاد".
وأضاف القيسي، أن "ظروف الفقر وانخفاض مستوى التعليم يحدّان من فرص الحصول على الرعاية الصحية، ما يزيد من تفاقم المشكلة؛ ففي المناطق النائية، تعاني المجتمعات من نقص حاد في المرافق الطبية المتخصصة، ما يجعل من الصعب على المرضى تلقي الرعاية اللازمة. علاوة على ذلك، فإن التكاليف الباهظة للإجراءات الطبية تضع عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر، ما يؤدي إلى تعميق الفجوة الطبقية في الوصول إلى الخدمات الصحية، وحرمان الكثيرين من حق أساسي".
وأشار القيسي إلى أن "الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم معاناة مرضى السرطان. فالنزاعات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي يؤثران بشكل مباشر على قدرة النظام الصحي على تقديم خدمات فعالة وشاملة. كما أن الأزمات الاقتصادية تُضعف الميزانيات المخصصة لقطاع الصحة، مما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة".
وأكد، أن "الفساد الإداري وسوء الإدارة يزيدان الوضع سوءًا. ضعف البنية التحتية الصحية وغياب الشفافية في إدارة الموارد يعيق الجهود المبذولة لتحسين الخدمات الطبية وتطويرها، ما يفاقم معاناة المرضى ويزيد من أعبائهم".
ميزانية كبيرة وأداء متواضع
يقول المحلل السياسي علي البيدر، إن وزارة الصحة برغم حصولها على موازنة كبيرة مقارنة بباقي الوزارات، لكنها تعاني من إخفاقات كبيرة في إدارة الملفات الصحية، خاصة تلك المتعلقة بمرضى السرطان. هذه الشريحة من المرضى تواجه أوضاعاً مأساوية، خصوصاً من لا يملكون إمكانيات مادية لتلقي العلاج خارج العراق.
ويؤكد البيدر لـ "طريق الشعب"، أن "أعداد المرضى المصابين بأمراض خطرة، لا سيما السرطان، بلغت مستويات قياسية تتجاوز الإمكانيات المتاحة للنظام الصحي. هذا الواقع يطرح تساؤلات ملحة حول أسباب انتشار هذه الأمراض، التي باتت تشكل ظاهرة تستدعي تحقيقاً معمقاً ودراسة علمية".
ويرى البيدر، أن "سوء الإدارة والتخطيط في القطاع الصحي من بين الأسباب الرئيسة لهذا الإخفاق. على الرغم من الثروات التي يمتلكها العراق وميزانية وزارة الصحة الضخمة، إلا أن التدخلات السياسية والمحاصصة الفئوية أدت إلى تدهور مستوى الخدمات الصحية، وإلى غياب خطط فعالة للتعامل مع الأزمات الصحية المتكررة".
ويشدد البيدر على ضرورة إعادة النظر في إدارة القطاع الصحي، وخاصة في المحافظات، للتخلص من التدخلات السياسية والطائفية التي تعيق تطوير النظام الصحي. كما دعا إلى توجيه الموارد المالية الكبيرة نحو تحسين البنية التحتية الصحية وتوفير العلاجات الضرورية، لا سيما لمرضى الأمراض المزمنة والخطرة.
العيش في قلق مستمر
تقول الباحثة في مجال الصحة والبيئة نمارق جواد، رئيسة مؤسسة ANN للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، بأن مرضى السرطان يواجهون تحديات كبيرة تؤثر على حياتهم اليومية بشكل عميق، حيث قالت: "يخضع مرضى السرطان لعلاجات شاقة، مثل الجراحة، والعلاج الكيميائي والإشعاعي، والعلاج المناعي، والتي ترافقها آثار جانبية مؤلمة تؤثر بشكل مباشر على نوعية حياتهم."
وأوضحت لـ "طريق الشعب"، أن السرطان والعلاجات المرتبطة به تسبب تغيرات جسدية كبيرة تؤثر على مظهر المريض ووظائف أعضائه، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انخفاض الثقة بالنفس. وأضافت أن العديد من المرضى يعانون من ألم مزمن يصعب السيطرة عليه، بالإضافة إلى الشعور بتعب مستمر حتى بعد انتهاء العلاج.
وتابعت جواد قائلة: "يعيش مرضى السرطان حالة من القلق المستمر والخوف من المستقبل، سواء من عودة المرض أو من تدهور حالتهم الصحية. كما أن التحديات النفسية تزيد من صعوبة الوضع، حيث يعاني العديد منهم من الاكتئاب والقلق بسبب التغيرات التي طرأت على حياتهم، إلى جانب صدمة التشخيص التي تترك أثراً نفسياً كبيراً."
كما أشارت إلى أن العزلة الاجتماعية تعد من أبرز التحديات التي يواجهها مرضى السرطان، حيث يجدون صعوبة في المشاركة بالأنشطة الاجتماعية بسبب تغير روتين حياتهم. ولفتت الانتباه إلى الأعباء المالية الكبيرة التي يواجهها المرضى وأسرهم نتيجة التكاليف العالية للعلاج والرعاية الصحية.
وأكدت نمارق أهمية الدعم النفسي والاجتماعي في مساعدة المرضى على مواجهة هذه التحديات، موضحة أن العلاج النفسي، ومجموعات الدعم من العائلة والأصدقاء يلعب دوراً حيوياً في تحسين قدرة المرضى على التكيف مع المرض والتعامل مع الصعوبات النفسية والاجتماعية التي يواجهونها.