تعيش محافظة النجف واقعًا صعبًا في ظل تعثر مشاريعها التنموية، ما يزيد من معاناة سكانها، ويعكس فشلًا إداريًا متزايدًا.
وطبقا لمجلس المحافظة، هناك نحو 70 مشروعًا متلكئًا، تنقسم بين وزارية وأخرى بعهدة المحافظة، حيث لا تزال العديد من المشاريع الأساسية مثل معالجة مياه الصرف الصحي ومحطة تصفية الماء تنتظر التنفيذ.
وعلى الرغم من الوعود السابقة بإنشاء مشاريع جديدة، إلا أن التأخيرات المستمرة في التنفيذ، التي تعزى إلى عوامل إدارية ومالية وسياسية، أدت إلى تفاقم الأوضاع.
ويقول ناشطون وأكاديميون، ان هناك غيابا شبه تام للشفافية وهناك سوء توزيع للأموال، ما يعيق جهود تحسين الخدمات في النجف.
فيما تقول هدى اسعد، أكاديمية وأستاذة جامعية، إن المدارس في النجف تعاني من أوضاع متدهورة بسبب التكدس ونقص الأبنية المناسبة.
وتضيف: "في المناطق الشعبية، يوجد نقص كبير في الأبنية، حيث يصل عدد الطلبة في بعض المدارس إلى أكثر من ألف طالب، وفي الصف الواحد نحو 40 أو 50 طالبًا، ما يخلق بيئة صعبة وغير ملائمة للدراسة".
كما تشير إلى أن هناك تلكؤا في تنفيذ مشاريع بناء المدارس الجديدة التي تم الاتفاق عليها بين الجانب العراقي والصيني، والتي كان من المفترض أن تحد من اعتماد المدارس الكربانية (المؤقتة) وتوفر بديلاً مستداماً.
وتوضح، أنّ تأخر تنفيذ هذه المشاريع أدى إلى استمرار استخدام تلك المدارس المؤقتة دون أية حلول جذرية قريبة.
وتشير الى أن النقص لا يقتصر على الأبنية، بل يشمل أيضًا الكوادر التعليمية التي لا تغطي الأعداد المتزايدة من الطلاب، مضيفة ان "المدرسة التي أعمل بها أساساً كانت مخصصة للمرحلة الابتدائية، لكنها تُستخدم الآن كمدرسة ثانوية بسبب نقص الأبنية، ومع ذلك، لدينا نقص كبير في عدد الصفوف والمعلمين، ما يضطر الإدارة أحياناً إلى رفض تسجيل الطلاب من خارج المنطقة".
وتتساءل هدى عن الأموال التي خصصت لقطاع التعليم في محافظة النجف؟ معربة عن قلقها من أن عدم معالجة هذه المشاكل سيؤدي إلى إضعاف العملية التعليمية بشكل كبير، إضافة الى تلكؤ مشاريع أخرى مثل المجاري والصرف الصحي.
مشاريع متعثرة!
وكشف المحلل السياسي حسام زوين، رئيس مؤسسة صوتي لتحقيق الديمقراطية في محافظة النجف، عن تفاصيل معقدة بشأن تعثر المشاريع التنموية المدرجة ضمن موازنة عام 2024 في محافظة النجف، موضحا حجم المشاكل الإدارية والمالية والسياسية التي تعرقل تنفيذ هذه المشاريع وأثرها السلبي على الخدمات الأساسية.
ووفقا لزوين، تحتوي موازنة النجف لعام 2024 على 176 مشروعًا حتى الآن، غير أن 76 منها فقط تم الإعلان عنها للشركات المنفذة، بسبب أن المحافظ الجديد يطالب الشركات بتنفيذ المشاريع دون توفير السيولة المالية اللازمة، نتيجة لعدم وصول مخصصات الموازنة للمحافظة حتى الآن. وتفاقم هذا الوضع مع قانون الأمن الغذائي لعام 2023، حيث أُعطيت مبالغ نقدية كاملة لبعض المقاولين قبل الشروع في تنفيذ المشاريع، ما أدى إلى تباطؤ كبير في إنجازها.
وأشار زوين خلال حديثه مع "طريق الشعب"، إلى أن "العديد من المقاولين الذين استلموا الدفعات النقدية قاموا ببيع مشاريعهم لشركات أخرى. هذا التناقل في العقود أثر سلبًا على جودة التنفيذ، حيث أدى خصم نسب تصل إلى 5 في المائة من المقاولات إلى خفض الجودة في محاولة لتعويض الخسائر".
وأضاف، أن "بعض المشاريع أُنجزت بالمواصفات المطلوبة، بينما لم يكتمل تنفيذ مشاريع أخرى، خاصة في قطاع التعليم، حيث تعطلت مشاريع المدارس بشكل ملحوظ".
وتابع ان "تعثر بناء المدارس في قضاء الكوفة، الذي أُحيل تنفيذه إلى هيئة الإعمار منذ أكثر من سنتين، أدى إلى تراكمات أثرت على سير العملية التعليمية. إذ يضطر الطلاب في حي ميسان، بسبب قلة المدارس الجاهزة، إلى الدراسة وفقا لنظام دوام ثلاثي، ما يخلق ضغطًا على الطلبة والمعلمين ويفاقم من التحديات التعليمية".
ونبه زوين إلى تأثير التدخلات الحزبية الواضح في مشاريع المحافظة، حيث "تُحال المشاريع الكبرى إلى هيئات اقتصادية مرتبطة بالأحزاب السياسية. ويشكل هذا الارتباط تحديًا إضافيًا أمام هيئة الإعمار، إذ يُعتقد أن المصالح الاقتصادية للأحزاب تتداخل مع أولويات المشاريع التنموية، ما يعطل إنجازها ويزيد من نسبة الفساد فيها".
وسلط زوين الضوء على مشروع “جسم الإمام علي الثاني” الذي أُحيل إلى شركة كبرى منذ عام ولم يتم تنفيذ سوى جزء بسيط منه، بسبب مشاكل تتعلق بالأراضي المتنازع عليها من قبل بعض المتجاوزين. كما ذكر أن "هيئة استثمار النجف قد أدرجت مشاريع غير ضرورية للمحافظة، ما تسبب في مشاكل بيئية وتدخلات اقتصادية للأحزاب".
الحكومات تتفنن بهدر الاموال
حسين القاضي، وهو مواطن وناشط مدني في محافظة النجف، أعرب عن استيائه من تدهور المشاريع وسوء الخدمات في المحافظة، مشيرًا إلى قضايا تتعلق بسوء توزيع الأموال وغياب الشفافية في إدارة المشاريع.
وقال لـ "طريق الشعب"، أن "النجف حصلت على نحو 620 مليار دينار ضمن قانون الأمن الغذائي خلال فترة حكم المحافظ السابق، إلا أن نحو 450 مليارًا منها خُصصت لمشاريع بوابات المدينة، بينما تعاني أحياء سكنية كبيرة، مثل حي النداء، من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي والتبليط".
وانتقد القاضي الطريقة التي تمت بها إحالة المشاريع إلى الشركات، حيث أُسندت إلى شركات بعينها دون مزايدة، مما ساهم في تعثر هذه المشاريع. كما أن "بعض المشاريع لم تكتمل حتى الآن، والشركات شبه متوقفة عن العمل نظرًا لعدم صرف السلف والمستحقات المالية، بسبب تأخر إقرار الموازنة العامة لعامي 2023 و2024، الأمر الذي يعزوه القاضي إلى الصراعات السياسية داخل البرلمان".
واشار القاضي الى ملفات فساد قديمة مرتبطة بمشروع “النجف عاصمة الثقافة الإسلامية”، حيث أُنفقت أموال ضخمة على مشاريع وهمية أو غير مكتملة، مستشهدًا بقصر الثقافة كمثال على مشاريع لم تحقق فائدة تُذكر للمدينة.
وأشار القاضي إلى مورد آخر مهم، وهو مطار النجف، الذي يُعتبر مصدر دخل كبير للمحافظة، حيث "يدر إيرادات ضخمة يوميًا، إلا أن هذه الأموال لا تنعكس على تحسين الخدمات في المدينة".
وأوضح، أن الطريق المؤدي إلى المطار يعاني من سوء الحال، مما يعكس ضياع الفوائد المحتملة من إيرادات المطار.
وانتقد المتحدث أداء المحافظ الحالي، مشيرًا إلى أن "مراقبته للمشاريع ضعيفة، وأن معظم المشاريع الممولة من قانون الأمن الغذائي لا تزال متوقفة".
وخلص القاضي إلى "عدم وجود أي مشاريع جديدة في عهد كناوي، وأنه لم يتم التوصل إلى حلول للديون العالقة بين الشركات والدولة، ما يترك المشاريع الحيوية في النجف في حالة من الجمود".