اخر الاخبار

يشهد العراق تدهورًا بيئيًا حادًا نتيجة للتغيرات المناخية واثارها مثل التصحر والجفاف، والتي تتفاقم يومًا بعد يوم؛ حيث فقدت البلاد نحو 15في المائة من أراضيها الزراعية، ما يعادل حوالي 27 مليون دونم من مساحتها الإجمالية. وتأتي هذه الخسارة في سياق أوسع يتضمن تهديدًا متزايدًا للأراضي التي لا تزال سليمة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن 55في المائة من مساحة العراق مهددة بالتصحر.

ويُعد هذا التدهور البيئي تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي في العراق؛ فالأراضي المتصحرة تتسبب في انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة الفقر بين المزارعين الذين يهجرون مهنتهم، كما تؤدي إلى نزوح السكان من المناطق الريفية إلى المدن، ما يفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. وفي ظل استمرار التغيرات المناخية والسياسات الزراعية غير المستدامة، يواجه العراق تحديات هائلة في حماية موارده الطبيعية وضمان استدامة قطاعه الزراعي.

تآكل التنوع البيولوجي

التصحر لا يقتصر على التأثيرات المباشرة على الزراعة، بل يمتد ليشمل تآكل التنوع البيولوجي وتدهور جودة الحياة في المناطق المتضررة. إن الحاجة إلى حلول جذرية ومستدامة لمكافحة التصحر أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ويجب أن تشمل هذه الحلول استراتيجيات متكاملة للتنمية المستدامة، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتحسين إدارة الموارد المائية.

وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، كشف عن خسارة العراق 15في المائة من الأراضي الزراعية بسبب التصحر والجفاف.

وقال رئيس المركز فاضل الغراوي في بيان، تلقته «طريق الشعب»، إن «مساحة الأراضي المتصحرة في العراق يبلغ نحو 27 مليون دونم أي ما يعادل تقريبا 15‎في المائة من مساحة البلاد، فيما نحو 55‎في المائة من مساحة العراق تعد أراضي مهددة بالتصحر»، مبينا ان «أكثر المحافظات تضرراً هي ذي قار بنسبة تضرر بلغت 53في المائة، أما باقي المحافظات فالنسب فيها تتراوح من (1-14)في المائة».

وأضاف أن «الأمم المتحدة صنفت العراق من بين خمس دول تأثرا في التغييرات المناخية والجفاف، ووفقا لتقرير منظمة الهجرة الدولية فان 12 ألفا و212 عائلة عراقية نزحت بسبب الجفاف في عشر محافظات عراقية في وسط وجنوب العراق»، مبينا ان «المحافظات الأكثر تأثرا، محافظات ذي قار وميسان والديوانية، وفق المنظمة، وأن 76 في المئة من العائلات النازحة تذهب إلى مناطق حضرية». وتابع الغراوي ان «هناك عوامل طبيعية وبشرية تسبب التصحر في العراق، مثل المناخ الجاف والحار، وانخفاض نسبة تساقط الأمطار، والرياح السائدة، والتغير المناخي، والتلوث النفطي».

الخسائر كبيرة

في هذا الصدد، قال الخبير البيئي حيدر رشاد إن «جفاف الأراضي وشح الأمطار الساقطة وجفاف بعض الأنهر والبحيرات، خلفت آثارا سلبية سيئة فاقمت من حالة التغير المناخي، وهذا يؤدي أوتوماتيكيا الى اتساع المساحات الصحراوية التي تقضم من الأراضي التي كان فيها غطاء اخضر، إضافة الى تعاظم الزحف السكاني تجاه الأراضي الزراعية».

وأضاف، ان كل هذا «أدى الى خسارة كبيرة في الأراضي الزراعية التي كانت صالحة للزراعة، إذ أن الغطاء النباتي والحزام الأخضر الذي كان يحيط بالمدن، يعد من الضروريات، كونه يقلل من زحف الصحراء على الأراضي الصالحة للزراعة». وأوضح رشاد في حديث لـ»طريق الشعب»، أن هناك «مساحات كبيرة جداً، والان أصبحت أراضي (ملحية صحراوية)، بسبب تعاظم تأثيرات التغيرات المناخية، في مقابل عدم الجدية في معالجة هذه الآثار والتأقلم مع هذه التغييرات»

واكد ان هناك تغيرات ليس للإنسان دخل بها، وهو غير قادر على إيقافها ايضاً بشكل كامل، لكنه قادر على إيقاف تأثيراتها عبر إيجاد الحلول والبدائل، فالعالم اليوم والكثير من دول الجوار شرعوا بزراعة الصحراء، التي كانت عبارة عن أراض كبيرة وقاحلة، بعضها أصبحت غابات ووفرت غطاء اخضر وتنتج الأوكسجين وتقلل ثاني أكسيد الكربون».

تغيير الأنماط الزراعية

على صعيد ذي صلة، كشف النائب ثائر الجبوري عن قائمة محفزات من 9 نقاط لإحداث اكبر تغيير في الأنماط الزراعية، حيث قال ان تحدي الجفاف لا يزال قائما في العراق، برغم غزارة الأمطار مطلع 2024 وتكرار موجات السيول، إلا ان الجزء الأكبر من سدود البلاد الاستراتيجية تعاني من نقص كبير في المياه، قياسا إلى قدراتها الاستيعابية.

وأضاف الجبوري، ان «أزمة الجفاف دعت الى تغيير جوهري في الأنماط الزراعية في البلاد وخاصة في ملف السقي»، مؤكدا انه «سيتم طرح قائمة محفزات للمزارعين من 9 نقاط بداية الموسم المقبل، أبرزها رفع أسعار المحاصيل والمرونة في تزويدهم بالأسمدة وبأسعار مدعومة، إضافة الى مميزات أخرى».

وأشار الى ان «العراق بدأ فعليا في إعادة توطين أنظمة السقي الحديثة من خلال الاطلاع على تجارب شركات دولية مهمة، وفتح أبواب الاستثمار في هذا الاتجاه، وهناك بوادر إيجابية ستبرز نتائجها خلال الأشهر المقبلة».

بالإمكان تلافي هذا التهديد

وقال الخبير البيئي احمد صالح: إن «العراق لا يتمتع بمساحات خضراء او غابات، كما هو الحال في أوروبا وغيرها. ربوعنا الخضراء موسمية وتتعرض لفترات قاسية، كما هو حال كل موسم، بدءا من نهاية الخريف الى الشتاء والربيع».

وأضاف في حديث مع «طريق الشعب»، أن «هذه الأشهر الخمسة تكون الروبع الخضراء فيها موسمية، تظهر وتختفي. وفي ذات الوقت هناك تجريف لمساحات خضراء وبساتين، لكن اعتقد انها اقل من الرقم المذكور». ونوه الى انه «ليس كل الاراضي المهددة قابلة لان تنتهي وتصبح صحراء. هذه الاراضي مهددة نتيجة الشح المائي وارتفاع الحرارة وقلة الاطلاقات المائية، ولكن هذا التهديد لا يعني او ينفي امكانية العمل على تلافي هذا التهديد، لكي نضمن بقاء هذه المساحات على حالها».

وفي ما يخص المحفزات التسعة قال: ان «هذا امر مهم جداً يحولنا من الري السيحي الاستهلاكي الى الترشيد باستهلاك المياه، سواء عن طريق النضح او التنقيط او الرش او الرش المحوري».

واكد ان هذا «سيوفر كميات كبيرة جدا من المياه، الامر الذي سيبعث رسائل اطمئنان لدول الجوار المتشاطئة مع العراق (ايران وسوريا وتركيا) بخصوص الترشيد. نحن اليوم نستهلك كميات كبيرة جدا من المياه، واكثر من احتياجنا بأضعاف مضاعفة، وهذا الامر تتحجج به دول الجوار».