اخر الاخبار

يتعرض الكثير من المعتقلين الى انتهاكات جسيمة داخل السجون العراقية، وقد جرى توثيق الكثير من تلك الانتهاكات من قبل منظمات دولية ومحلية ومراقبين وحتى ضحايا التعذيب، لكن تلك المأساة لم تزل مستمرة، برغم تلقي حكومة السوداني أكثر من 10 الاف بلاغ عن حالات تعذيب وانتهاكات، من دون ان تحرك ساكنا بهذا الصدد.

وكشف المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، في تقرير سابق، عن وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة التعذيب والإهمال الطبي في السجون، واحتجاز السلطات عشرات آلاف المعتقلين في ظروف غير إنسانية، ووضعهم في زنزانات مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات بدوافع انتقامية أو طائفية.

وفي وقت سابق، كشف تقرير للأمم المتحدة، والذي يغطي الفترة من 1 حزيران 2019 إلى 30 نيسان 2021، ان حوالي نصف المعتقلين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعترافات. فيما أوضح التقرير أن أساليب الاعتداء تشمل «الضرب المبرح، والصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق، فضلا عن وقوع أعمال عنف جنسي وأشار بعض المحتجزين إلى معاملة «لا يستطيعون التحدث عنها».

محاولات لـ«تكميم الأفواه»!

ويروي الصحفي علي الحبيب لـ«طريق الشعب»، عملية مداهمة منزله واعتقاله من قبل قوة أمنية، كانت قد اعتدى عناصرها على زوجته الحامل بمولدها الأول، مشيرا الى أن التحقيقات التي أجريت معه كانت تتمحور حول تصريحاته الصحفية وتحليلاته السياسية.

يقول الحبيب، أن القضية المرفوعة ضده كانت «دعوى كيدية بهدف تكميم الأفواه».

ويضيف، أن «عملية الاعتقال كانت مروعة؛ إذ تم اختطافي من منزلي دون التعريف عن هوية القوة المداهمة. وضعت في سجن لا نعرف فيه الليل من النهار»، مضيفا أن «حفلات التعذيب كانت تبدأ من الساعة الثامنة مساءً حتى الخامسة صباحًا».

ويؤكد، أن بعضا من السجناء فقدوا الاهلية العقلية من شدة الضرب ونتيجة التعذيب، بينما أصيب هو بكسور في ضلوعه.

ويذكر الحبيب، أن «غرف السجن كانت مزودة بإضاءة شديدة، ولا يدخلها الهواء، ما تسبب في معاناة نفسية وجسدية شديدة للمعتقلين».

وبقي الحبيب في السجن 22 يوما، ولم يتعرف أحد إلى مكان وجوده إلا بعد 12 يوماً.

وأرفق الحبيب لمراسل «طريق الشعب»، صوراً توثق لحظة خروجه من المعتقل، حيث تظهر عليه آثار الكدمات في منطقة العين من الوجه وفي مناطق متفرقة من جسده.

سجون مكتظة وسوء تغذية

وأكد رئيس لجنة حقوق الانسان النيابية أرشد الصالحي ان لجنته «تتابع بشكل مستمر الأوضاع الإنسانية في كافة السجون العراقية، كما انها تجري زيارات ميدانية دورية لكافة السجون، وتتابع كل حالات الشكاوى بشان أية انتهاكات».

وقال في تصريح صحفي، ان «أبرز المشاكل التي تعاني منها السجون العراقية هي الكثافة البشرية داخل الغرف، فبعض السجون يتم سجن النزلاء فيها فوق طاقتها الاستيعابية بشكل أربعة أضعاف او أكثر، وهذا الامر تتم مناقشته مع الجهات الحكومية المختصة وخاصة وزارة العدل من اجل إيجاد حلول سريعة لهذا الأمر، الذي يسبب سوء في التغذية والصحة وغيرها من المشاكل، التي تعتبر محالفة لمعاير حقوق الانسان».

وكانت لجنة حقوق الانسان النيابية، قد زارت سجن الكرخ المركزي ببغداد في شباط الماضي وأعلنت عزمها استضافة مسؤولين للوقوف على معوقات في السجون.

اعتقالات عشوائية

يقول علي البياتي، عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان في العراق: ان التعذيب، وفق التعريف الدولي المتفق عليه، يشمل أي عمل يسبب ألمًا جسديًا أو معاناة نفسية لشخص ما، بغرض الحصول على معلومات أو اعترافات، أو بهدف التخويف أو التحقير. ويكون ذلك بأمر من الدولة أو بعلمها أو موافقتها.

ويضيف البياتي في حديث مع «طريق الشعب»، أنّ «التعذيب كان يستخدم كآلية تقليدية من قبل أجهزة إنفاذ القانون قبل عام 2003 لأهداف مثل انتزاع الاعترافات، التخويف، والتحقير. وبعد عام 2003، تفاقمت الأمور حيث لم يحدث أي إصلاح في مؤسسات إنفاذ القانون، بل ازدادت الأوضاع سوءًا مع وجود عدد كبير من الأجهزة الأمنية التي تمارس الاعتقالات بشكل عشوائي، وتستخدم التعذيب خلال فترة الاعتقال قبل عرض المعتقلين على القضاء».

ويؤكد، أن «العراق، رغم مصادقته على اتفاقية مناهضة التعذيب، يفتقر إلى قانون داخلي يترجم هذه الاتفاقية إلى إجراءات عملية ويرسم مبادئ توجيهية حول كيفية تعامل الدولة ومؤسساتها مع قضية التعذيب»، مشيرا الى ان «المفوضية برغم دورها في مراقبة هذه القضايا ومتابعتها لم تتلق التعاون الكافي من المؤسسات الحكومية التي لم تكن لديها آليات واضحة للتعامل مع شكاوى المواطنين المتعلقة بالتعذيب».

حماية للمجرمين

ويتابع الحديث، أن «عدد الشكاوى المتعلقة بالتعذيب التي تتلقاها مؤسسات الدولة، مثل جهاز الادعاء العام، يصل أحيانًا إلى أكثر من عشر شكاوى سنويًا، ولكن لم تُرَ أي تحقيقات جدية أو محاسبة للمسؤولين عنها، مما يشير إلى وجود إفلات من العقاب وحماية سياسية للمسؤولين عن هذه الانتهاكات».

ويشير البياتي الى ثلاثة ملفات رئيسية لم تحقق فيها الدولة بشكل كافٍ: «فترة الحرب ضد داعش، حيث وُجهت اتهامات عديدة للأجهزة الأمنية بارتكاب انتهاكات وتعذيب خلال الاعتقالات. وملف تظاهرات تشرين الذي شهد عمليات اعتقال وتعذيب واختطاف للمتظاهرين. وملف التحقيق مع مفوضية حقوق الإنسان حيث تم توجيه اتهامات إلى أعضاء المفوضية بدلاً من الاستجابة لطلبات المفوضية في التحقيق في قضايا التعذيب».

ويذكر أن «المفوضية تعرضت لاستهداف من قبل الحكومة برغم كونها محمية بالقانون الوطني والدولي، ولديها صفة رسمية وحصانة دولية»، مؤكداً أنه «بدلاً من أن تستجيب الحكومة لمطالب المفوضية وتقوم بحمايتها، تم توجيه تهم لأعضاء المفوضية من قبل لجنة أبو رغيف ولجنة مكافحة الفساد.

ويتأسف البياتي لقيام «هذه اللجان بترك الفاسدين والتركيز على التحقيق مع أعضاء المفوضية بتهم غير مبررة، كونهم كانوا يسعون للبحث عن أدلة على وجود التعذيب والتحقيق في قضايا الانتهاكات».

ويتأسف البياتي مرة أخرى «لأن القضاء استجاب لهذه التهم، وقام بالتحقيق مع أعضاء المفوضية، بل وصل الأمر إلى مداهمة منزلي السابق وتخويف عائلتي»، معتبراً ان «هذه الإجراءات تدل على أن السلطة يمكن أن يمارس التعذيب والابتزاز عندما تتعارض مصالحه مع جهات معينة».

ويختتم المتحدث كلامه بالتأكيد على أن «قضية التعذيب في العراق مستمرة بسبب الحماية السياسية والإفلات من العقاب، ما يعيق أي تقدم نحو بناء دولة تحترم حقوق الإنسان وتحمي مواطنيها».

تخفيف التعذيب مقابل رشى؟

ويقول عمر العلواني الذي يعمل في احدى المؤسسات المختصة في مجال رصد ومتابعة حقوق الإنسان في العراق، انه «منذ تولي حكومة السوداني مهامها، تم إطلاق استمارة إلكترونية للإبلاغ عن قضايا التعذيب، والتي أسفرت عن تقديم أكثر من عشرة آلاف بلاغ عن حالات تعذيب وسوء معاملة داخل السجون والمرافق الأمنية والحكومية خلال أقل من شهر»، مردفا أنها كانت «خطوة شكلية».

وسلط العلواني ضوءا على زيارة المقررة الأممية الخاصة بقضايا التعذيب إلى العراق والمشاكل المرتبطة بالتعذيب والمعاملة السيئة في البلاد، قائلا: إنها زيارة تعتبر الأولى من نوعها منذ العام 1992، حيث وافقت الحكومة العراقية مؤخراً على استقبال المقررة الأممية.

ويضيف العلواني في حديث مع «طريق الشعب»، أن» هذه الزيارة تسلط الضوء على قضية أساسية تتعلق بالتعذيب والمعاملة السيئة في العراق»، لافتا إلى أن «العراق كان قد صادق على اتفاقية دولية لمناهضة التعذيب، ما يفرض عليه التزامات دولية باحترام حقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلق بحفظ الكرامة والحماية من التعذيب والمعاملة السيئة».

ويشير إلى، أن «التعذيب يشاع بشكل خاص في أقسام مكافحة الإجرام، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة الاتجار بالبشر، حيث يتم استخدام التعذيب بشكل عنيف أثناء التحقيق»، مبينا أنه «لا يقتصر على مراكز الشرطة والمواقف والسجون، بل يمتد إلى مؤسسات أخرى. وأحياناً يُستخدم التعذيب لإجبار الأهالي على دفع رشاوى لتخفيف المعاملة السيئة عن ذويهم المعتقلين».

ويؤكد المتحدث أن كثيرا من الضحايا والمنظمات المعنية تتجنب التصريح والحديث عن حالات التعذيب والانتهاكات خشية من الملاحقة وتكرار سيناريو التعذيب.

القانون يقيد عمل المنظمات

ويلفت الى ان ملف المختفين قسراً يعتبر موضوعاً آخر مرتبطاً بملف ضحايا التعذيب، حيث يمكن أن يتعرض الأشخاص المفقودون للتعذيب وسوء المعاملة، مشيراً إلى أن القانون يمنع «المنظمات من ممارسة دورها في الرقابة على السجون ومرافق الاحتجاز، من خلال القانون الذي تم تشريعه عام 2018».

ويتابع بالقول، إن «هناك آلية لتقديم الشكاوى، تشمل القضاء والمفوضية العليا لحقوق الإنسان التي تستقبل الشكاوى، لكن هذه الآلية غير مفعلة وغير مجدية. كما أن البلاغات تصل متأخرة، وبعد تعرض السجناء للتعذيب».

ويخلص العلواني الى أن معالجة ملف التعذيب يتطلب جهوداً كبيرة واستقصاءً دقيقاً، وأن المنظمات الحقوقية بحاجة إلى صلاحيات أكبر لممارسة دورها في حماية حقوق الإنسان.

عرض مقالات: