اخر الاخبار

يطفو العراق على آثار تتصل بحضارات عريقة وحقب مختلفة، في كافة ربوع أراضي البلاد الشاسعة، لكن في خضم الصراعات والحروب والانفلات الأمني باتت تلك الكنوز الأثرية، عرضة للنهب والاتجار غير المشروع في المزادات العالمية.

وتزداد حدة هذا الخطر مع تصاعد عمليات تهريب الآثار العراقية إلى الأسواق العالمية، حيث تُقدر قيمة تجارة الآثار غير المشروعة في العراق بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، إذ يتم تهريب آلاف القطع الأثرية إلى الأسواق الدولية.

وتعرض ما يزيد على 15,000 موقع أثري في العراق للنهب، وفقًا لتقديرات اليونسكو والمنظمات المعنية بالتراث. ونجح العراق بالتعاون مع المجتمع الدولي في استعادة أكثر من 17,000 قطعة أثرية مهربة من مختلف دول العالم خلال العقدين الماضيين، إلا أن هذه الأرقام تظل ضئيلة مقارنة بعدد القطع المسروقة.

وإبان سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق بين عامي 2014 و2017، قام التنظيم بنهب وتدمير العديد من المواقع الأثرية، واستخدم تهريب الآثار وبيعها مصدرا رئيسا لتمويل أنشطته الإرهابية. بينما تجد حوالي 80% من الآثار العراقية المهربة من جهة اخرى طريقها إلى السوق السوداء، حيث يتم بيعها بشكل غير قانوني لمقتنين من مختلف أنحاء العالم.

مشكلة عالمية

وكيل وزارة الثقافة قاسم السوداني، قال ان كل دول العالم تعاني من مشكلة الاتجار بالآثار؛ فهي مشكلة عالمية، لم يكتو العراق لوحده منها.

واضاف قائلاً لـ”طريق الشعب”، ان “العراق من اكثر الدول التي تعاني من هذه المشكلة، نظراً لما مر به من ويلات وحروب وصراعات وانتهاكات للموروث الثقافي و الحضاري”، مبيناً ان العراق بعد العام 2003 تعرض لنوعين من السرقات الاول هو سرقة الاثار التي تحمل ارقاما متحفية. والنوع الاخر هو سرقة الاثار التي لا تحمل ارقاما متحفية، حيث سرقت وهربت عن طريق النبش العشوائي من التلول والمواقع الاثرية”.

وتابع السوداني قائلاً: ان “العراق تمكن من استعادة عدد كبير من الاثار المسلوبة، كما نجح العراق في تعبئة الرأي العام العالمي لاستحصال قرار من مجلس الامن الدولي، جرم فيه المتاجرة بالآثار العراقية والسورية، وحذر دول الجوار من ان تكون ممراً لعبور الاثار العراقية عن طريقها. كما تمكن العراق ايضاً من استقطاب مدير عام منظمة اليونسكو آنذاك السيدة الينا ابوكوفو، التي زارت البلاد مرتين، وتم رفع هاشتاك (من اجل الحفاظ على الموروث الثقافي للعراق)”.

وأشار الى ان “العراق تمكن تباعا من استعادة الكثير من الاثار، الا انه لا تزال هناك اثار اخرى مهربة خارج العراق، ويعمل قسم الاسترداد الخاص في الهيئة العامة للآثار والتراث باعتبارها السلطة الاثرية في العراق، على ملاحقة اي قطعة اثرية في اي مجال من مزادات العالم السرية او العلنية ومتابعتها وملاحقتها بالتعاون مع سفاراتنا في مختلف الدول”.

18 ألف موقع اثري معلن

من جانبها، قالت مدير عام دائرة المتاحف لمى الدوري، ان “تجارة الاثار تنشط وتنتعش عندما تمر الدولة في ازمة وتعاني من ضيق امني، وتخفت حين تفرض الدولة سيطرتها، وفي واقع الحال لا يمكن السيطرة عليها بالكامل”.

وفي حديثها مع “طريق الشعب”، اكدت ان “العراق يطفو على اثار. في ظل هذا الوضع من الصعب السيطرة على المواقع الاثرية. حتى الان لدينا 18 الف موقع معلن. وما غير المعلن منها فكثير جداً، لكن نحن لا نعرف عنها شيئاً إلى الان، ولم نتوصل لها”.

وأشارت الى ان “هذه المواقع غير المعلنة ليس لدينا فكرة عنها او نعرفها، فهنا يبرز السؤال عن كيفية حمايتها وسط الصحراء او بأماكن اخرى؟”.

وأضافت أن “الـ 18 الف موقع قسم منها منقب وأخرى لا تزال فيها اثار. نحن بالنهاية بلد يعج بالآثار، فأي تجريف بسيط للتربة سيميط اللثام عن اثار دفينة، تنتظر من يستكشفها، كما حدث في العديد من المحافظات بعد هطول الامطار حيث كشف عن الكثير من الاثار، لهذا من الصعب فرض السيطرة بشكل كامل”.

أرقام فلكية

ونوهت المتحدثة الى انه ليس هناك رقم محدد للآثار التي تسرق، فما يسرق هو من المواقع الاثرية التي ليس لدينا فكرة عنها، وتلك القطع غير مرقمة لا نملك إحصائية كاملة عنها، ولكنها أكدت وبشكل قاطع ان عددها كبير جداً.

ولفتت الى انه “عند مراقبة المزادات والسوق السوداء، نرى مجموعة وكمية آثار كبيرة مسروقة من العراق، حيث وصل سعر تمثال صغير من المرمر من الناصرية قبل سنوات إلى 7 مليون دولار، وهذا رقم يعتبر بسيطا”، موضحة أن “تهريب الآثار والمتاجرة بها، تقودها عصابات منظمة، وليس عملا عشوائيا”.

وعن أكبر عملية استرداد، كشفت الدوري عن “استعادة 14 ألف قطعة أثرية من الولايات المتحدة، و6000 قطعة استردت عام 2023 من بريطانيا. كذلك استعدنا من دول الجوار الكثير من الاثار. وبالنسبة للقطع المرقمة فان استردادها يكون أسهل، فقد استعدنا 4800 قطعة اثرية تقريباً”.

كيف نكافح الاتجار بالآثار؟

من جهته، قال المنقب الآثاري، جنيد عامر ان “نهب الاثار العراقية يشكل كارثة. هذا اقل ما يعنون به ما يحصل لهوية البلاد الحضارية، وهذا الامر له تاريخ يمتد الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية وما بعدها”.

وأشار عامر في حديثه مع “طريق الشعب”، الى ما حصل ايضاً “لجامع النوري ومنارة الحدباء ومتحف الموصل الحضاري ومرقد النبي يونس وغيرها من المواقع في اماكن سيطرة داعش في محافظات العراق، لذلك تتحدد اولويات هكذا اعمال من خلال سياسات معينة منها داخلية واخرى خارجية. منها ذات منفعة شخصية تارةً وتارة أخرى تسهم في تشويه وهدم حضارة البلد”.

وتابع قائلاً ان “فؤوس ومعاول المنقبين والفرق المنظمة في الجهات الحكومية تعمل بوتيرة وسياسة واضحة تجاه حفظ الإرث العراقي، ليأخذ نصيبه بالعرض المتحفي، وليكون متاحا أمام عامة الجمهور والمختصين”.

ونوه عامر الى ان “المادة 38 من قانون الآثار العراقي رقم 55 لسنة 2002، حددت العقوبة بالسجن 10 سنوات والتعويض بضعفي القيمة المقدرة للآثار، على كل من لديه قطع أثرية ولم يسلمها للدولة خلال 30 يوماً. والمادة (40) حددت عقوبة السجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، ولا تزيد على 15 سنة لكل من سرق أثرا أو تراثا، وغيرها من المواد العقابية”.

وعزا المتحدث استمرار تهريب الاثار العراقية، الى مجموعة من الاسباب منها “غياب الوعي والتخطيط والتقنيات الحديثة، وعدم رصد الميزانية المناسبة وجوانب امنية عديدة”، مبينا ان هناك سبلا لمكافحة هذه العمليات الاجرامية عبر فرض القانون، وتحديداً قانون الاثار العراقية وتفاصيله، واعداد البرامج المحلية او الدولية للحد من الاتجار واستسهال هكذا عمليات مشينة. وللوازع الديني أيضا دور في مكافحة هذه العمليات، فهناك فتاوى عديدة للمرجع الديني السيد علي السيستاني، الذي افتى بعدم جواز الاحتفاظ بالآثار وتجب إعادتها إلى المتحف العراقي، وحرم شراءها او امتلاكها”.

 

عرض مقالات: