اخر الاخبار

يكتظ العديد من الدوائر الحكومية بالمراجعين نتيجة بطء الروتين الاداري والتلكؤ في إنجاز العمل الوظيفي، الامر الذي يجعل المواطن يضطر الى دفع الرشى للابتعاد عن تلك البنايات المتهالكة، التي تعود ملكية الكثير منها الى القطاع الخاص، وحيث لا يفكر المسؤول الحكومي في ترميم البنية التحتية خارج غرفته او مكتبه الإداري.

أبنية متهالكة

ويؤكد عضو جمعية الهلال الأحمر حيدر نوري، ان البنية التحتية للمباني الحكومية تشهد مشاكل جسيمة، ما يعرض سلامة الموظفين والمراجعين للخطر، لافتاً إلى وجود بنايات ضيّقة ومتهالكة وتكتظ بالناس.

ويبين نوري لـ «طريق الشعب»، أن «بعض المباني الحكومية تفتقر للصيانة كما ان إدارتها ضعيفة، إضافة إلى وجود نقص في المرافق الخاصة بذوي الهمم، مؤكدا القول «حذرنا كثيرا من وجود مخاطر في البنية التحتية وبعض المستلزمات، لكن لا أحد يبالي بتلك التحذيرات».

 وينبه الى أن اغلب الدوائر الحكومية لا تمتلك سلم طوارئ، بل أن السلم العادي لا يبدو مريحا وطبيعيا، وفيه الكثير من المشاكل، مشددا على «ضرورة تحسين وضع البنية التحتية للمباني الحكومية، لضمان سلامة الأفراد، وتوفير بيئة آمنة للجميع».

مشاكل صحية

يقول عبد الرضا (موظف في احدى دوائر العلوم والتكنولوجيا): إن «الدائرة تفتقر إلى التأهيل والترميم بشكل كامل، كما تغيب إجراءات السلامة والصحة المهنية، خاصة في المختبرات الكيماوية، حيث تعرض العديد من العاملين إلى مشاكل في التنفس، ناهيك عن القوارض التي تتجول في أروقة البنايات».

وأضاف، أن «بناية المدراء هي وحدها من يتم تأهيلها».

مكان لا يليق بالبشر

من جانبه، عبّر المواطن محمد شاكر عن تذمره الشديد من الانتظار لساعات تحت اشعة الشمس بسبب اكتظاظ غرفة الانتظار في إحدى دوائر الأحوال الشخصية ببغداد، حيث لم يجد مكانا يليق بإنسانيته.

ويضيف لـ «طريق الشعب»، أنه «لا توجد مراعاة لكبار السن او ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة الى استمرار الروتين والبيروقراطية في انجاز المعاملات».

ثلاثة تصنيفات!

يقول بلال سمير، أكاديمي متخصص بالهندسة المعمارية، أن مباني الحكومة يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف رئيسية: الأول يتضمن المباني التي شُيّدت قبل عام 2003 كمقرات لتشكيلات حكومية معينة. وهذه المباني تعكس طبيعة العمل الإداري الصارم في تلك الحقبة، حيث كانت تُحال تصاميمها وتنفيذها إلى مكاتب وشركات هندسية رصينة ملتزمة بالعقود وتخشى عقوبة التقصير.

ووفقاً لسمير فإن هذه المباني تميزت بالتوجه المعماري الرسمي، حيث كانت التعليمات تقتضي استخدام عنصر القوس في الواجهات الخارجية، كونه يمثل جزءاً مهماً من عمارة بغداد التراثية والتاريخية.

ويضيف بلال لـ «طريق الشعب»، أن بعض هذه المباني لا يزال قائماً بحالة معمارية وإنشائية مقبولة، بينما بدأ بعضها الآخر يتهالك أو لم يعد يلائم المتطلبات الحديثة للمؤسسات الحكومية.

أما الصنف الثاني، فيقول بلال انه «يشمل المباني التي شُيّدت بعد عام 2003، والتي تعكس النظم الإدارية المتشعبة والافتقار إلى توجهات ورؤى موحدة، مشيراً إلى ان الكثير منها لم يجر إنشاؤها تحت إشراف مهندسين معماريين.

ويشير المهندس المعماري الى ان «الصنف الثالث والأخير يضم المباني المؤجرة من القطاع الخاص، حيث يرى بلال أن هذه المباني قد تكون الأسوأ من الناحية المعمارية، حيث يتم اختيارها بناءً على موقعها الجغرافي الملائم للخدمات التي تقدمها المؤسسة الحكومية المؤجرة. ومع ذلك، فإن دفع مبالغ كبيرة كبدل إيجار وعدم ملكية المبنى تجعل إدارة تلك المؤسسات غير حريصة على إعمار المبنى والعناية به من الناحية الإنشائية والمعمارية.

مؤسسات جديدة

وبالحديث عن تأهيل البنية التحتية للمؤسسات الحكومية، يقول المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، د. نبيل الصفار: أن موضوع نقل الدوائر الحكومية الموجودة داخل العاصمة بغداد مطروح منذ فترة على طاولة النقاش الحكومي، ولا تزال الدراسات مستمرة بشأنه، موضحاً أنه «لم يتم اتخاذ قرار نهائي حتى الآن، لكن هناك توجهات أخرى بدأتها الحكومة، من بينها فك الاختناقات المرورية وبناء المدن السكنية خارج مراكز المحافظات والمدن الرئيسية».

ويضيف الصفار في حديث خص به «طريق الشعب»، أنّ «الحكومة شرعت في إنشاء خمس مدن جديدة على الأطراف، وهو ما سيسهم بشكل كبير في تقليل الزخم داخل العاصمة ومراكز المحافظات»، كما ان مشاريع فك الاختناقات هي جزء من هذه الخطط.

وختم الصفار حديثه بالإشارة إلى: أن المرحلة المقبلة ستشهد استكمال المشاريع الحالية، مع إنشاء مدن سكنية جديدة خارج مراكز المحافظات، وستكون هناك دوائر حكومية رئيسية في هذه المدن لتلبية احتياجات السكان، بما يتماشى مع رؤية الحكومة في إنشاء مثل هذه المدن».

مشاهد حكومية مخجلة

تقول انتصار الحيالي (مراجعة في احدى مديريات التربية ببغداد)، ان هذه الدوائر تستقبل يوميا مئات المراجعين، لكنها تفتقر لوجود ابسط احتياجات المراجعين من مرافق أو ممرات صحية أو أماكن للاستراحة والانتظار.

وتضيف الحيالي لـ»طريق الشعب»، ان هناك مشاهد مزرية في تلك الدوائر: المراجعة من الشباك الذي لحم بجانبه المكيف ليزيد الجو لهيبا، كما ان بعض الممرات يتزاحم فيها الاثاث المكتبي العتيق.

وتشير الى ان غالبية المدراء العامين في الدوائر الحكومية يعيشون في مقاطعات خاصة، ويقف على ممراتها رجال أمن تمنع الوصول اليهم، الا أصحاب الوساطات والرشاوى.

وتتساءل المراجعة: الا ينظر المدير العام لتلال النفايات التي تتراكم في محيط المديريات، وقرب بواباتها الرئيسية، مؤكدة ان أقسام التخطيط والمتابعة عادة ما تنشغل بترتيب الصفقات التي ينتهي ريعها في جيوب المدراء العامين وحاشياتهم.

رأي الباحث الاجتماعي

بدورها، قالت الباحثة الاجتماعية ناهدة عبد الكريم: ان «العنصر البشري العامل في دوائر الدولة ومؤسساتها العامة يعد المحرك الرئيس للنشاط الإداري، فمن خلاله تحقق الادارة نشاطها في تنظيم العمل وضمان سيره»، مردفة أن ذلك مرهون بتوفير الوسائل التي تبعث الراحة، ومن اهمها النظافة وتنظيم هيكل المؤسسة من الداخل والخارج وكذلك مواكبة التطور في الترتيب المكتبي.

وأضافت عبد الكريم، ان هناك العديد من الخلافات بين المراجعين تحدث بسبب الاختناقات التي يسببها التأخر في إنجاز المعاملات ضمن الوقت المحدد، الى جانب عدم توفر مساحة كافية للمراجعين وجميع هذه المنغصات تؤثر سلبياً في نوعية اداء العاملين في تلك الدوائر وتزيد عليهم الضغـــــــوط النفســـــية».