أطلق البنك المركزي العراقي، اخيراً، الاستراتيجية الوطنية للإقراض المصرفي في العراق في سنوات 2024-2029، والتي تستهدف تمويل المشاريع الاستراتيجية غير الممولة من الموازنة العامة، التي ترتفع فيها النفقات التشغيلية على حساب الاستثمارية.
يقول مختصون ان الحكومة وضعت نفسها في هذا المأزق، نتيجة لعدم وجود منهج اقتصادي ومالي سليم
،واطلاق تعيينات زبائنية بشكل كبير وزج ملايين الموظفين في اجهزة الدولة، ما اضطرها الى اللجوء لمثل هذه الاجراءات، لكنهم يعتقدون ان هذه الاستراتيجيات ستكون حبرا على ورق ما لم تقرن بتنفيذ سليم وصحيح ومتابعة ورقابة.
تمويل مشاريع استراتيجية
نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد تميم قال في كلمة له في حفل اطلاق الاستراتيجية: إن «الحكومة وضعت رؤية اقتصادية بشأن سياسة الاقتراض، تتمثل بأن يتم توجيه مسارات الاقتراض نحو مفاصل التنمية، من خلال تمويل المشاريع الاستراتيجية، التي لا يمكن تمويلها من الموازنة العامة للدولة، والتي يمكن أن تسهم في رفع مستوى التنمية في البلد».
وجرى إطلاق هذه الاستراتيجية من قبل البنك المركزي، والتي تم اعدادها بالتعاون مع الوكالة الالمانية للتنمية.
وقال الوزير في كلمته، أن هذه الاستراتيجية تتزامن مع الانتهاء من إعداد خطة التنمية الخمسية، مبينا ان «استراتيجية الإقراض يمكن أن تسهم في زيادة الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وايلاء المشاريع الصغيرة والصغرى والمتوسطة، اهتماما خاصا من خلال زيادة الائتمان الممنوح لها بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي».
وأكد ان هذا التوجه «من شأنه ان يسهم في تمويل المزيد من المشاريع، وإعطاء القطاع الخاص مساحة جيدة ليكون شريكا حقيقيا في تحقيق أهداف التنمية، فضلا عن التقدم الى الامام لتحقيق حالة من التنوع الاقتصادي، ومن ثم تقليل الاعتماد على النفط».
نتيجة ارتباك المالية العامة
النائب السابق لمحافظ البنك المركزي العراقي احسان الياسري، أكد انه «منذ العام 2014، وتحديدا بعد الازمة المزدوجة التي مر بها العراق: ازمة انخفاض اسعار النفط من جهة، وازمة اجتياح عصابات داعش الارهابية للعراق، وتسليط كل جهد الدولة الامني والاقتصادي والعسكري لتأمين الاحتياج الامني، حصل ارتباك كبير في المالية العامة، ما استدعى من البنك المركزي إطلاق مبادرته المعروفة: مبادرة الخمسة تريليون دينار، والتي تطورت الى حوالي 13 تريليون دينار».
واضاف قائلاً ان «البنك المركزي اطلق مبادرة جديدة وهي الاستراتيجية الوطنية للإقراض وستستمر لمدة خمس سنوات، وهي واحدة من ادوات السلطة النقدية غير الاعتيادية او الاستثنائية، التي تمثل تطورا كبيرا في منهجية البنوك المركزية، لدعم التنمية ودعم المالية العامة».
واوضح في سياق حديثه مع «طريق الشعب»، ان «معظم موازنات الدولة العراقية كما هو معروف، منذ سنوات تصدر بعجز، بسبب الافراط في التوظيف العام، وتخصيص معظم موارد النفط وموارد المالية العامة للنفقات التشغيلية والرواتب، وبالتالي اصبح المستثمر والقطاع الخاص في ازمة كبيرة تمثلت بصعوبة الحصول على تمويل».
وواصل المتحدث القول : انه منذ عام 2014 «كان البنك المركزي يقود العديد من المبادرات الاقراضية، كان الابرز من بينها مبادرة الاقراض للإسكان، من خلال المصرف العقاري وصندوق الاسكان، والتي حققت طفرة كبيرة في قطاع الاسكان. اذ حصل الاف العراقيين على وحدات سكنية سواء كانت في المجمعات السكنية او خارج المجمعات السكنية. كما حصل الالاف منهم على قروض لبناء وحدات سكنية على الاراضي التي يمتلكونها».
وبين، ان «الاستراتيجية مكملة لمنهج البنك المركزي في دعم التنمية وتوفير السيولة والتيسير المالي للقطاع المصرفي، حتى يتمكن من الاقراض، لان البنك المركزي بحكم قانونه لا يستطيع اقراض الحكومة او اقراض المصارف، لكنه يوفر الاموال لدعم سيولة المصارف. بما معناه انه يقوم بالإقراض بشكل غير مباشر».
ولفت الى ان هذه الاستراتيجية التي ستستمر لخمس سنوات «تستهدف المشاريع الاستراتيجية، التي لا يمكن ان تخصص لها موارد من المالية العامة او من الموازنة، حيث سيتم توفير القروض لها، وكذلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر».
واوضح، ان «البنك المركزي وضع هذه الاستراتيجية، بعد ان اوقف مؤقتا مبادراته التي كانت قائمة منذ 2014 والى الان، حيث اعاد دراستها وتقييمها، والان اطلق هذه الاستراتيجية الوطنية التي نأمل ان تحقق طفرة نوعية في قدرة القطاع الخاص على العمل والاسهام في التنمية الوطنية، وذلك لان المصارف الحكومية او القطاع المصرفي عموما لا توفر موارده الخاصة مبالغ كبيرة للمستثمرين والى القطاع الخاص واصحاب المجمعات الصناعية واصحاب المجمعات السكنية والمستثمرين الزراعيين».
قصور في الرؤية
الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان قال: ان «الحكومة ورطت نفسها في طريق غير سليم، بسبب رفع الانفاق التشغيلي الذي لا يخلق دخلا ولا استثمارات. والسبب الرئيس هو انها ترغب في تشغيل اكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل، لكن بدون إنتاج».
واضاف انطوان لـ»طريق الشعب»، انه «يفترض ان يتم تشغيل هؤلاء العاطلين في منطقة انتاجية تخلق دخلا اخر وفرص أعمال، وتغنينا عن الاستيرادات العشوائية التي تأتي من دول الجوار، بدل ان ننفق بدون انتاج وواقع مادي. يجب ان تنتج حتى تستغني عن صرف نفقات خارجية، ولكي نخلق فرص عمل للعاطلين ونقضي على البطالة، ونخلق انتاجا ماديا بالداخل».
وعدّ انطوان وجهة نظر الحكومة في هذا الاطار «غير سليمة»، مؤشرا «عدم وجود فهم بأن القطاع الخاص هو الاساس والذي يمكن ان يطور هذه العملية»، مبينا ان «زج ملايين الموظفين في اجهزة الدولة، هو بحد ذاته مشكلة تدلل على عدم فهم حقيقي للوضع العام في البلاد. اليوم لدينا اكثر من أربعة ملايين ونصف المليون موظف مستهلك غير منتج. بينما الحاجة الفعلية لا تتجاوز مليون موظف» طبقا لحديثه.
واكد أن «هذا خطأ جسيم ترتكبه الحكومة ولا تعرف كيفية معالجته، فحتى بالنسبة لشبكة الحماية الاجتماعية، نرى ان هناك توزيعا للرواتب بدون تقديم اي خدمات. بينما يفترض بدل انشاء شبكة الحماية الاجتماعية، ان نخلق فرص عمل لهؤلاء في مهن عديدة، خصوصاً لخريجي الكليات الذين يتجاوز عددهم سنويا اكثر من 200 الف».
وتابع حديثه بالقول: ان «البنك المركزي سبق وان طرح عبر البنوك مبادرة الخمسة تريليون دينار، ووزعها بين قطاع البناء والانشاء والقطاع الصناعي والقطاع الزراعي. ولم تكن هناك استجابة او تعاون، لأن التعليمات الموضوعة لهذه العملية كانت غير واضحة، وصارت تمول او تقرض عن طريق البنوك الأهلية، والتي لم تحقق جدواها».
واكد، ان «التعقيدات والروتين والبيروقراطية احد اهم الأسباب في عدم نجاحها، لذا نحن بحاجة الى وضع أساليب حديثة رقابية دقيقة لمتابعة هذه القروض، ومعرفة المكان الذي تذهب اليه، وان تصرف في قطاعات إنتاجية زراعية وصناعية وسياحية، وكذلك النقل والمواصلات، حتى تجد فائدتها وجدوها».
وخلص الى القول ان «الاستراتيجيات هي كلام يكتب على ورق، بينما تبقى العبرة في تنفيذ هذه الاستراتيجية، اذالم يكن هناك تنفيذ سليم وصحيح لهذه الاستراتيجيات. نعم هناك خطط لكن المشكلة الكبرى في التنفيذ.