اخر الاخبار

يواجه نحو نصف سكان محافظة بغداد، مشكلة عدم توفر مياه صالحة للشرب. ويعود ذلك الى رداءة شبكات نقل المياه، والتلوث الكبير في مياه الشرب، حيث لا تزيد نسبة التنقية عن 50 في المائة، وفقًا لمجلس محافظة بغداد، الامر الذي يُعرض الاهالي لخطر الإصابة بأمراض ناتجة عن تلوث مياه نهر دجلة.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح هناك اعتماد متزايد على شراء المياه أو تركيب أجهزة تنقية المياه في المنازل، لضمان استخدام مياه نظيفة وآمنة.

تلوث بنسبة كبيرة

يقول عضو مجلس محافظة بغداد، علي المشهداني: إن “مياه الشرب في بغداد ملوثة بنسبة كبيرة، بسبب رداءة شبكة نقل المياه”، مؤكدا انها “شبكات قديمة لم يجر عليها أي تغيير منذ سنوات، وان غالبية مشاريع المياه قديمة وغير محدثة ولا مطورة. كما ان محطات التحلية لا تعمل بكفاءة عالية، وبالتالي فان نسبة التصفية فيها لا تتجاوز 50 في المائة”.

ويضيف المشهداني، ان “مجلس محافظة بغداد شكل لجانا خدمية مختصة لمتابعة هذا الملف، خاصة ان مناطق الرصافة ومناطق أطراف العاصمة تعاني بشكل كبير من خطر مياه الشرب الملوثة”، معللا ذلك الكثير من المخلفات في نهر دجلة. لذلك ستعمل تلك اللجان على متابعة هذا الأمر من أجل مكافحته.

مشاريع جديدة

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار: إن “مسألة المياه الصالحة للشرب ومشكلة تصريف المخلفات المائية الصناعية أو المنزلية، تعد قضية هامة في العراق”، مضيفا أنه وفقًا لإحصائيات اليونيسف الأخيرة، هناك حوالي خمسة ملايين متر مكعب من المياه غير المعالجة ترمى في الأنهار العراقية، أي ما يعادل ثلث المياه.

وأضاف الصفار في حديث خص به “طريق الشعب”، ان هناك ضرورة ملحة لتكثيف الجهود بين الجهات المعنية وإيجاد حلول مستدامة، خاصةً مع تصاعد مشكلة نقص المياه في العالم بشكل عام، والتي يشهدها العراق أيضًا بوضوح، بالإضافة إلى معاناة البلاد من تداعيات التغيّر المناخي.

واشار الى أن “العراق يحتل المرتبة 42 في الاجهاد المائي على المستوى العالم، والمرتبة 17 في الشرق الأوسط وافريقيا”، مبينا ان الإحصاءات المحلية تقر بوجود ٥٩.٧ في المائة من العراقيين فقط يحصلون على مياه صالحة للشرب بشكل آمن”.

وكشف عن وجود مشاريع منفذة من خلال المديرية العامة للماء ومديرية المجاري العامة، بمعدل 35 مشروعا لمعالجة مياه الصرف الصحي و31 مشروعا لتصفية المياه”، مشيرا الى انه “تم انجاز 10 مشاريع في قطاع المجاري ومشروعين في قطاع المياه”.

وأوضح أيضا أن هناك حاجة لمزيد من التمويل والدعم، بما في ذلك دعم القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال، داعيا الى الزام المستشفيات والمجمعات الصناعية بتركيب وحدات معالجة لتصفية المياه قبل تصريفها الى الأنهار، بالإضافة إلى إزالة التجاوزات الحالية على شبكات المياه، ودعم إقامة محطات تصفية المياه والمجاري.

وكانت وزارة الموارد المائيَّة قد أوضحت خلال وقت سابق، أن “التعامل مع ملف المياه في البلاد ما زال يعاني من الطرق البدائيَّة وما تزال مؤسسات الدولة بعيدة كل البُعد عن الاستخدام المستدام للمياه، وفي جميع أنواعها سواء كانت لأغراض بشريَّة أو زراعيَّة أو صناعة او غيرها، إذ ما زال الفلاح العراقي يستخدم طريقة الري السيحيَّة لسقي مزروعاته والتجاوز على الحصص المائيَّة للفلاحين الآخرين في منطقته أو على مستوى المدن مع بعضها. وأكدت أنَّ التعامل مع ملف تلوث مياه نهري دجلة والفرات عن طريق مخاطبة الجهات المتجاوزة على مصبّات الأنهر وتوجيه الإنذارات بالتنسيق مع الجهات التنفيذيَّة المختصّة برفع التجاوزات وبالطرق القانونيَّة”.

وفي عام ٢٠٢٠، قالت جمعية حماة دجلة المعنية بالبيئة (غير حكومية): إن “مدينة الطب (مجمع طبي حكومي) الواقعة على ضفاف دجلة وسط بغداد تسرّب مخلفات ١٠٠٠ مريض يومياً إلى النهر.

ويقول الناشط البيئي علي محسن (طبيب اختصاص في احد مستشفيات بغداد)، إن “مياه نهري دجلة والفرات غير صالحة للشرب، وهي احد الأسباب الرئيسة لأمراض السرطان، فقر الدم، السلمونيا، الكوليرا، التسمم الغذائي، الإسهال الجرثومي”، مبيناً أن “من أبرز المواد المتسربة عن نشاط المستشفيات قرب النهر هي الكيمياويات المذيبات، الميثانول والأسيتون، الزئبق، والهرمون الانثوي، بالإضافة الى كميات كبيرة من المضادات الحيوية والأدوية المستعملة لعلاج الأورام السرطانية”.

واكد محسن لـ “طريق الشعب”، أن ٨٥ في المائة من الأمراض التي تصيب الأطفال سببها المياه، مطالبا بضرورة “عدم تصريف مياه المجاري إلى الأنهار وروافدها، وبدلاً من ذلك، يجب معالجتها قبل وصولها إلى الأنهار وإعادة استخدامها في ري التربة والمزروعات. كما ينبغي استخدام الأجهزة المضادة للتلوث في المصانع وبناء محطات معالجة المياه وتنقيتها وفقًا لأحدث المواصفات العالمية”.

وأكد أهمية “التعامل مع النفايات الصناعية بطرق نظيفة بعيدًا عن المياه السطحية والجوفية، ومنع إلقاء القاذورات والنفايات بالقرب من الأنهار أو فيها”، داعيا الى تكثيف جهود المنظمات البيئية والاعلام في تغطية قضايا المياه ونشر الوعي حول أهمية حمايتها، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه نظم المياه، وضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة للحفاظ على جودتها وتوفيرها للأجيال القادمة.

يشار إلى أن محافظة بغداد مخططة لاستيعاب ما يصل إلى 3 ملايين نسمة، لكن يتجاوز عدد السكان الحالي بحوالي 8 ملايين نسمة، ما يضع ضغطًا هائلًا على شبكة أنابيب مياه الصرف، في ظل غياب الحلول والمعالجات المناسبة. ومن الناحية القانونية، يحق للمتضررين رفع دعاوى ضد الجهات الحكومية التي يمكن توثيق تسببها في تلوث المياه، فضلاً عن محطات تنقية المياه التي تفتقر إلى رقابة حكومية.