تسبب ظاهرة تواجد أعداد كبيرة من مرافقي المرضى وزائريهم داخل المستشفيات، ضغطا كبيرا على تلك المؤسسات الصحية، التي تعاني في الأساس ضعفا في بناها التحتية وخدماتها الصحية، ونقصا في الكوادر والكثير من الأدوية المهمة والأجهزة الطبية.
وتُرهق هذه الظاهرة الأطباء وتؤثر على أدائهم المهني. كما تُزعج المرضى الراقدين في المستشفيات، الذين يُفترض أن يتمتعوا بأجواء علاجية سليمة هادئة، في الوقت الذي يجلب فيه بعض زائري المرضى ومرافقيهم، حتى أطفالهم، ما يحوّل المؤسسة الصحية إلى ما يشبه “السوق الشعبي” – على حد تعبير وزير الصحة صالح الحسناوي، الذي اشتكى من هذه الظاهرة، مؤكدا أنها “ترهق الأطباء، وتعد من بين الأسباب الرئيسة للاعتداء عليهم”.
وكثيرا ما يطالب أطباء، وزارة الصحة بتحجيم هذه الظاهرة، لكن الوزارة لم تتخذ أي خطوات عملية في هذا الشأن.
وخلال زيارته مستشفى اليرموك في بغداد، قبل أسابيع، قال وزير الصحة أن “الواقع مؤلم بسبب كثرة أعداد المرافقين والزوار. فحين دخلت الى ردهة الطوارئ كان الزحام الناتج من الأعداد الكبيرة لمرافقي المرضى لا مثيل له حتى في الأسواق الشعبية، وحين تنقلت مع أطباء لمتابعة حالات مرضية، كان مرافقون كثيرون قربنا، وكان بعضهم يسألون عن أحوال مرضاهم، كما أحاط ضباط من الشرطة بمريض، وتجمّعت نساء قرب مريضة، وكأنهم غير معنيين بأداء الأطباء لعملهم”.
وأضاف الحسناوي قائلا ان “هذه عادة مجتمعية غير صحية. فالمستشفيات معنية بتقديم الخدمات الطبية وتحتاج الى أجواء مناسبة لتوفير علاج يتلاءم مع الأوضاع الصحية للمرضى”. فيما نوّه إلى ان “الوزارة ليست معنية بالوقوف عند أبواب المستشفيات، ومنع دخول أشخاص”!
وتابع قوله ان “الكثيرين يدخلون المستشفيات ولا يستطيع أحد منعهم. ومن هنا نحتاج الى ثقافة مجتمعية لمعالجة هذه الأوضاع التي لا تناسب مصلحة أحد، أكان مريضاً أم طبيباً. فرض القانون مهم، ونحتاج إلى منع الناس من دخول المستشفيات بالقوة، لكن لا يمكن فعل ذلك من دون وعي وثقافة مجتمعية”.
خطر على الخدمات الصحية
من جانبه، يقول الطبيب المقيم في أحد مستشفيات بغداد، مصطفى الوندي، ان “الأعداد الكبيرة لمرافقي المرضى تشكل خطراً على الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات، خاصة في ردهات الطوارئ التي تستقبل الحالات الحرجة من المصابين في حوادث وغير ذلك”، مبينا في حديث صحفي أن “غالبية المرضى والمصابين يرافقهم بين 6 إلى 10 أشخاص، وتزداد أعدادهم خلال فترة وجود مرضاهم في المستشفى، وتصبح أكبر من أعداد أفراد الكوادر الطبية”.
ويتابع قائلا أن “الأطباء غالبا لا يستطيعون علاج المرضى في هذه الأجواء. كما أن المرافقين يتجادلون أحيانا مع الأطباء والممرضين ويتدخلون في عملهم. فمثلا يستعجلون في وضع الضمادات للمصاب، أو يقترحون على الطبيب إعطاء المريض مسكنات للآلام وما إلى ذلك”.
ويلفت الوندي إلى أن “معظم الاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء تحصل بسبب الأعداد الكبيرة للمرافقين، خصوصاً في حال وفاة مرضى. إذ يشتم ذوو المتوفى الأطباء ويضربونهم”، مؤكدا أن “هذه المشكلة تتفاقم ولا تجد إدارات المستشفيات والعاملون الطبيون أي حلول لها، رغم أن كثيرين منهم يواصلون مناشدة الجهات المسؤولة التدخل واتخاذ إجراءات رادعة لهذه الظاهرة”.
من المسؤول؟!
يحمّل عضو نقابة الأطباء العراقيين أركان الجبوري، وزارة الصحة مسؤولية توفير البيئة الصحية المناسبة داخل المستشفيات.
ويقول في حديث صحفي انه “لا يمكن أن تتنصل الوزارة من مسؤولياتها في مواجهة هذا الكمّ الكبير من الإهمال الذي يعرقل الخدمات الصحية. بالطبع نحتاج إلى ثقافة مجتمعية، لكن الإجراءات الصارمة والمشددة مطلوبة لمنع دخول أكثر من مرافق واحد أو اثنين مع المريض إلى المستشفى، كي تتوفر أجواء مناسبة لعمل الأطباء”.
ويبيّن الطبيب ان “ردهات الطوارئ تبدو أحياناً كأنها دور ضيافة بسبب الأعداد الكبيرة للزائرين الذين يجلبون معهم المأكولات والعصائر، ويتحدثون ويضحكون بأصوات مرتفعة من دون مراعاة ضرورة الحفاظ على الهدوء في المستشفى، وهذا مظهر غير حضاري”، مشيرا إلى انه “من المعيب أن تحدد الوزارة الخلل وتتنصل من مسؤولية معالجته. لذلك يجب أن تصدر قراراً يحدد عدد المرافقين، ويحاسب المخالفين وفقاً للقانون”.
إزعاج للمرضى
لا تقتصر التأثيرات السلبية لكثرة أعداد المرافقين والزائرين على عمل الكوادر الطبية وحسب، بل أيضاً على المرضى أنفسهم. إذ يشتكي مرضى كثيرون من هذا الوضع وانعكاساته على حالاتهم الصحية ونتائج العلاجات التي يخضعون لها، والتي قد تحتاج إلى مقدار كبيرة من التركيز والعناية الطبية، وهذه الأمور لا يمكن تحقيقها وسط فوضى انفلات أعداد المرافقين في المستشفيات.
يقول المواطن أبو حسن المحمداوي: “ كنت راقدا في مستشفى اليرموك، وكان الوضع غير صحي وغير مناسب. إذ لا يستطيع المريض أن يرقد في غرفته الخاصة بسبب كثرة الزائرين وتحدثهم بأصوات مرتفعة وتسببهم في فوضى”، مضيفا في حديث صحفي أنه “مكثت 4 أيام في المستشفى، وشعرت كأنني في مقهى شعبي بسبب كثرة الزائرين، ولم أكن أستطيع النوم إلا في وقت متأخر من الليل بعد أن يغادر الزائرون، ما أجبرني على ترك هذا المستشفى والانتقال إلى مستشفى آخر في السليمانية”.
ويطالب المحمداوي وزارة الصحة بمعالجة هذه المشكلة “فلا يمكن أن تتغلب الظواهر المجتمعية على أسس ممارسة العمل الطبي”.
يُشار الى أن البيئة الصحية غير المناسبة في المستشفيات الحكومية تدفع مئات من المرضى إلى مراجعة المستشفيات الأهلية أو مستشفيات كردستان، أو إلى السفر للعلاج خارج البلاد. ويتحمل المرضى بسبب ذلك تكاليف مالية باهظة.