حلّ العراق في المرتبة ما قبل الأخيرة في مؤشر الابتكار العالمي للعام 2022 وفق المنظمة العالمية للملكية الفردية “WIPO” التابعة للأمم المتحدة.
ويعلل مراقبون الأسباب بالاهمال الحكومي وضعف التمويل والاعتماد الكبير على الاستيراد الاجنبي سواء في السلع الخدمية وحتى الافكار العلمية والابداعية.
وذكرت المنظمة (WIPO) في مؤشر لها، أن العراق جاء بالمرتبة ما قبل الأخيرة في مؤشر الابتكار العالمي باحتلاله المركز 131 من أصل 132 دولة مدرجة بالجدول وبـ 11.9 نقطة برغم تصنيف العراق ضمن مجموعة متوسط الدخل الاعلى بين الدول”، مبينة أن “العراق احتل المرتبة الاخيرة عربيا بعد كل من موريتانيا واليمن”.
الأسباب
ويعبر الأستاذ الجامعي علي المعموري عن أسباب تراجع مستوى العراق في مؤشرات الابتكار والتطوير، حيث أشار إلى “ضعف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتدني مستوى خدمة الإنترنت”، بالإضافة إلى “تلكؤ البنية التحتية وضعف تنويع الصناعة المحلية والائتمان المحلي للقطاع الخاص ومدفوعات الملكية الفكرية”. وأضاف أن هناك “اهمالا كبيرا لمسألة التمويل لقطاع التعليم والبحث العلمي في البلاد”، مشيراً إلى أن “العديد من مشاريع التخرج حصلت على براءة اختراع لأهميتها وتميزها، لكنها في النهاية أهملت ووضعت تحت مربع زجاجي”.
وأوضح المعموري لـ “طريق الشعب”، أن “العام الماضي سجل أكثر من 1200 براءة اختراع لمختلف قطاعات الأعمال بحسب مؤتمر مركز الابتكار والإبداع العراقي”، لكنه يتساءل عن مصيرها؟
وشدد على أن “من الضروري تبني إقامة أو مشاركة المخترعين في معارض محلية ودولية وبما يضمن تسويق تلك النتاجات المعرفية تسويقاً أمثل، فضلاً عن السعي لإنشاء صندوق استثماري داعم للإنتاج الفكري بأصنافه المتنوعة، لأجل إحداث نقلة نوعية في مصادر الإنتاج والإيرادات”.
وطالب المعموري بدعم الإنتاج المعرفي والعلمي للمبتكرين والمخترعين، واستثمار الطاقات الشبابية الإبداعية الحاصلة على براءات اختراع، ودعم من يسعى لاستحصالها”، مشدداً على “اهمية تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص لاستثمار الإنجازات المتنوعة”.
غياب الدعم
من جانبه، يقول احمد ادور (اختصاص هندسة تكييف وتبريد)، أنه حصل على براءة اختراع عام 2018، في سنة التخرج: “شعرت بالفخر تجاه نفسي خاصة بعد حصولي على كتاب شكر ايضا، إلا أن بعد فترة أدركت أن مشروعي سيبقى مجرد فكرة بمجسم صغير موضوع في قاعة داخل الجامعة، ولن يتعدى هذا الامر، وهذا ما اشعرني بالإحباط”.
ويردف كلامه لـ “طريق الشعب”، قائلا، أن “اغلب الشباب يعزفون عن الاجتهاد والدراسة وضياع ساعات طويلة بالغوص في مواد علمية ومحاولة الحصول على درجة الامتياز، تلاشت بسبب عدم وجود دعم مادي ومعنوي يقدر جهودهم”، وطالب “باحتواء الشباب وأفكارهم وطاقاتهم بدلا من قتلها”.
ويبين، أن “منتجات البحث العلمي والثقافي لا تلقى أي دعم مالي، وأن مخرجات الإنتاج العلمي مهمّشة وبما لا يخدم طموحات الشباب”.
وأيّد أدور فكرة انشاء صندوق استثماري خاص بدعم المشاريع النوعية لمختلف القطاعات، وان يتم الأمر بمراقبة شديدة لابعاده عن الفساد والمحسوبية.
ومع هذه الرؤية، يرفع أحمد أدور صوت الشباب الطموح الذين يسعون لتحقيق إبداعاتهم وأحلامهم، مؤكداً أهمية توفير الدعم اللازم لهم لتحقيق طموحاتهم وتحقيق التقدم في مجالات الابتكار والتكنولوجيا.
الابتكار والاقتصاد
يربط الباحث في الشأن الاقتصادي ابراهيم الشمري، أكاديمي وخبير اقتصادي، الابتكار في حلّ مشاكل الفقر والبطالة في البلاد.
ويقول، إن “الابتكار العلمي يمكن أن يسهم في معالجة الفقر والبطالة بعدة طرق؛ خلق فرص عمل جديدة في قطاعات مبتكرة مثل التكنولوجيا الحديثة والبيئة والطاقة المتجددة، تطوير تقنيات وحلول جديدة لتحسين الإنتاجية وتقليل التكلفة في الصناعات التقليدية، مما يعزز الاقتصاد ويزيد فرص العمل، وإمكانية تعلم وتدرب جديدة لتطوير مهارات جديدة مطلوبة في سوق العمل المتغير بسرعة، بالاضافة الى إنشاء مشاريع وبرامج تكنولوجية اجتماعية تهدف إلى تحسين الوصول للخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمساكن ودعم ريادة الأعمال والابتكار الاجتماعي من خلال توفير التمويل والدعم الفني للمبتكرين الذين يسعون إلى حل مشكلات الفقر والبطالة”.
ويضيف في حديثه مع “طريق الشعب”، أن “الابتكار يشكل أحد أهم العوامل لتحقيق التنمية الشاملة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العراق”، مبينا أنه “كان يرتبط بوزارة العلوم والتكنولوجيا. أما الآن فيقع ضمن مسؤولية وزارة التعليم والبحث العلمي، بالإضافة إلى وجود هيئات ومنتديات علمية تركز على جانب الابتكار وتعزز من مستوى التفاعل والتبادل المعرفي في هذا المجال”.
وأعرب عن قلقه إزاء تعرض البحث العلمي والابتكار للاهمال، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد بدلاً من التركيز على الإنتاج والتصدير، ما يعيق تطور القطاع ويؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني. وأشار الشمري إلى أن العديد من الأفكار والابتكارات المحلية يتم نشرها في صحف عالمية نتيجة لغياب الدعم الحكومي الملائم، ما يعرض الإبداع العراقي للخطر من الاستيلاء الخارجي، ويميل أغلب الباحين الى بيع نتاجهم لمجلات عالمية، اذ لقيت العديد من البحوث العراقية صدى واسعا في لبنان ومصر وتونس”، موضحا أن وزارة التعليم أعلنت دعمها للباحثين الجامعيين من خلال تقديم منح مالية، قيمتها 3 مليون دينار عراقي”.
وفي ختام حديثه، أكد الشمري أهمية “توفير دعم حكومي صريح وواضح لقطاع التكنولوجيا والابتكار، ومكافحة القوانين المعطلة التي تعيق تطور القطاع، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز الوعي بأهمية الاستثمار في البحث العلمي والابتكار لبناء اقتصاد معرفي قائم على المعرفة والابتكار، وحماية الابحاث والابتكارات العراقية وتفعيل القوانين الخاصة”.