اخر الاخبار

لا يختلف حال الواقع الزراعي في البصرة عما هو عليه في بقية محافظات البلاد، وربما أسوأ من ذلك بكثير، لما شهدته وتشهده المحافظة من عمليات تجريف للبساتين والمزارع وتوسعة سكانية، فضلا عن العوامل الطبيعية المتمثلة في الجفاف والتصحر وارتفاع نسب الملوحة في مياه الأنهر.

وتعيش البصرة اليوم أزمة زراعية حادة ضربت جميع مناطقها، بعد أن كانت هذه المحافظة ضمن قائمة المحافظات الزراعية، وكانت تغذي جميع أنحاء البلاد بعدد من المحاصيل المهمة، أبرزها التمور والقمح. ووفقا لاختصاصيين زراعيين، فإن معدل الزراعة في المحافظة انخفض بنسة 80 في المائة عما كان عليه قبل سنوات.

التصحّر يهدد حياة السكان

عضو الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق، توفيق علي مزيد، يقول في حديث صحفي ان “التصحر الذي تشهده محافظة البصرة يعد الأسوأ في تاريخها، ويشكل تهديدا مباشرا لحياة السكان، ويتسبب في انتشار الفقر وتدهور الأحوال الاقتصادية”، مشيرا إلى أن “الجفاف والتصحر تسببا في هجرة أعداد كبيرة من المزارعين إلى المدن، بحثا عن مصادر معيشة أخرى”.

ويوضح أن “المحافظة كانت تضم سابقا أكثر من 30 مليون نخلة، وبحدود 10 آلاف مزرعة طماطم، ومساحات شاسعة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير، إضافة الى الخضراوات والحناء والعنب”.

ويبيّن مزيد أن “البصرة تعاني شح العائد الزراعي نتيجة تدني مستوى الإنتاج وتدهور الواقع الزراعي وزيادة مساحات التصحر والجفاف وارتفاع نسبة الملوحة في مياه شط العرب”، لافتا إلى ان “شركات النفط استولت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في البصرة، كما جرى ضم مساحات أخرى إلى التصميم الأساسي للمدينة، ما أدى إلى انتفاء صفة الزراعة من تلك المساحات، وبالتالي تجريفها وإنشاء مجمعات سكنية عليها”.

ويتابع بأسف قائلا أن “البصرة، وبعد أن كانت تغطي حاجة سكانها من المحاصيل الزراعية، وتصدر الفائض الى الخارج، أصبحت الآن تستورد الخضراوات والحبوب والتمور من دول الجوار.”

انخفاض الخطة الزراعية الصيفية

من جانبها، تكشف مديرية زراعة البصرة عن خطتها السنوية للموسم الصيفي الحالي، والتي انخفضت بمعدل 11 ألف دونم زراعي قياساً بالعام الماضي 2022، مبينة أن جهودها متواصلة لتوفير احتياجات المزارعين وفق إمكانياتها المتوفرة.

ويقول مدير الزراعة هادي حسين، ان مديريته أتمّت الخطة الصيفية للموسم الحالي بمساحة أكثر من 39 ألف دونم، فضلاً عن مصادقة وزارة الزراعة على زراعة 28 ألف دونم للمناطق الصحراوية التي تروى بالآبار خلال الخطة، إضافة إلى تزويد عدد من الفلاحين بوسائل ري حديثة وأسمدة.

ويلفت في حديث صحفي إلى خروج المناطق الإروائية من الخطة الصيفية لهذا الموسم بسبب شح المياه، ما تسبب في خسارة أكثر من 11 ألف دونم، مؤكدا أن مديريته تعمل على استثمار وسائل الري الحديثة للنهوض بالواقع الزراعي.

ويطالب حسين بـ “ضرورة وضع الحلول المناسبة لأزمة شح المياه، وتفعيل الجهود الدبلوماسية مع الدول المتشاطئة مع العراق من أجل تطبيق القرارات والاتفاقيات الدولية التي تنص على سيادة العراق وحصوله على الحصص الكافية من المياه”.

غياب الدعم

عضو لجنة الزراعة في البرلمان هيثم الزركاني، يقول في حديث صحفي أن “جهود البرلمان متواصلة لدعم القطاع الزراعي الذي يواجه الكثير من التحديات، وأبرزها شح المياه”. فيما ينوّه إلى أن “الدعم الحكومي للفلاحين والمزارعين غائب تماما. إذ لم تقدم الحكومة الدعم اللازم من أسمدة وبذور ووقود وأغطية بلاستيكية”، منتقداً خطط وزارتي الزراعة والموارد المائية في مواجهة الأزمة الزراعية الكبيرة التي تعانيها البصرة.

ويشير الزركاني إلى أن “مستويات التصحر والجفاف التي تشهدها المحافظة تنذر بمخاطر بيئية كبيرة، سوف تنعكس سلباً على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والصحي للسكان”، مطالباً الحكومة والوزارات المعنية بـ “ضرورة إيجاد حلول واقعية لتجاوز مخاطر الأزمة”.

سوء السياسة الزراعية

لم تؤثر العوامل الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة بشكل مباشر على الزراعة في البصرة، لأن أغلب المحاصيل التي تتم زراعتها في المحافظة تتحمل هذه الظروف الطبيعية، لكن الأزمة تتعلق بسوء السياسة الزراعية وتراجع دور الدبلوماسية العراقية في توفير الحصص الكاملة للعراق من المياه – حسب الباحث الاقتصادي علي العامري، الذي يبيّن في حديث صحفي أن “مناطق شرق وشمال البصرة كانت تضم أكثر من 12 ألف مزرعة لمختلف المحاصيل الزراعية، إضافة إلى أعداد كبيرة من بساتين النخيل. فيما تضم مناطق جنوب وغرب البصرة أكثر من 7 آلاف مزرعة لمحصول الطماطم، فضلاً عن أكثر من 5 آلاف مزرعة أخرى متخصصة في زراعة المحاصيل الصيفية”.

ويضيف قائلا أن “مجموع المزارع الحالية في البصرة لا يتجاوز 3 آلاف مزرعة فقط، فيما خرجت بحدود 9 آلاف مزرعة عن الخدمة، بسبب الاتساع الكبير في رقعة الجفاف والتصحر”، موضحا أن “المحافظة تعتمد حاليا على استيراد المحاصيل الزراعية من إيران، بالرغم من إمكانية استثمار الأراضي الموجودة واستصلاح مساحات واسعة من أراضي غرب وجنوب البصرة، التي تحتوي على كميات كبيرة من المياه الجوفية”.