في مرأب الكوت الكبير للنقل العام، الذي يقع قريبا من ساحة العامل وسوق الشيشان، وفي منطقة مزدحمة بالبشر وبوسائط النقل المختلفة، يقف العديد من سيارات الأجرة والباصات في انتظار صعود الركاب لنقلهم إلى مختلف مناطق المدينة، ومنها العزة، الكريمية، زويريجات، البتار، الخضراء، النفط، الوافدين، الزهراء، داموك، الطشاش، حي العمال، الكفاءات، الخاجية، الفلاحية والأنوار، فضلا عن ضواحي المدينة الكثيرة، والتي بدأت تتسع يوما بعد آخر.

الفئات الشعبية الكادحة، تضطر في أغلب الأحيان للصعود في هذه السيارات، يوميا تقريبا، خصوصا في ظل الأجور المرتفعة لسيارات التاكسي الصغيرة.

معاناة الناس مع هذه الباصات قصص لا تنتهي، وأبرزها الانتظار الطويل لوصول عدد الركاب إلى 10 كحد أدنى، كي ينطلق السائق، وأحيانا حتى يكتمل العدد. لكن، من الصعب جدا الجلوس في باصات مثل هذه والانتظار فترة طويلة في ظل درجات حرارة مرتفعة. وما يكمل مشهد المعاناة، هو انعدام التبريد في هذه الباصات، ناهيك عن كراسيها القديمة المتهرئة، وأرضياتها المتسخة، وستائر نوافذها التي نسيت الماء منذ زمن طويل! وهذا الأمر لا يشمل الجميع بالتأكيد، إنما الغالبية.

 وحتى يصل إلى وجهة الراكب، يكون الباص قد وقف عشرات المرات لنزول البعض وصعود آخرين جدد. فيما يقوم الراكب نفسه، بمساعدة السائق في جمع الأجرة (الكروة)، حيث تنتقل النقود من يد راكب إلى يد آخر يجلس أمامه، وبالتالي يتم إيصالها إلى يد السائق.

حركة هذه الباصات والكيات لا تخضع لنظام وقت محدد. إذ يتطلب من المواطن انتظارها لوقت طويل أحيانا، ويكون الانتظار على الشوارع والأرصفة، في وقت لا تتوفر فيه مصطبات للجلوس، ولا مظلات تحمي من الشمس والمطر، ولا هم يحزنون!

في أغلب الأحيان يصعد للباص عدد إضافي من الركاب، تجنبا للانتظار طويلا حتى انطلاق باص آخر، ويكون الحال موضع رضا للسائق، الذي سيكسب أجرة أكبر على حساب الركاب الذين لا يستمع إلى اعتراضهم أو احتجاجهم!

ويكون الأمر هنا أكثر ازعاجا، حينما يفرض مزاج السائق السير بسرعة قصوى، أو ببطء ملحوظ على أمل اصطياد أكبر عدد من الركاب أثناء الطريق.

ويزداد هذا الوضع معاناة وعذابا، حين تتزامن حركة الباصات مع المناسبات، مثل المناسبات الدينية التي تجذب أعدادا كبيرة من الوافدين الإيرانيين القادمين عبر منافذ واسط، والذين يستخدمون أعدادا كبيرة من الباصات لإيصالهم إلى وجهاتهم، وإعادتهم إلى المنفذ الحدودي.  

 وأحيانا يجد عدد من السائقين في مجيء الوفود الإيرانية، فرصة للكسب، فيعمدون إلى زيادة أجرة النقل بين منطقة زرباطية المجاورة للحدود مع إيران، ومدن كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء.  ولأن هذه الباصات غير معدة أصلا للنقل الخارجي بين المدن البعيدة، تتكاثر أحيانا حوادث المرور في الطرق الخارجية.

هناك حقيقة يجب الإشارة إليها، وهي أن تكلفة التنقل الداخلي في هذه الكيات والباصات، ليست مرتفعة جدا، لكنها تثقل كواهل العائلات والأفراد الذين يتنقلون يوميا، والذين يضطرون إلى ذلك بسبب العمل أو الدراسة.

هذه الحال ليست موضع اهتمام وزارة النقل، التي لم تفكر يوما في تشييد كراجات نقل حديثة عصرية، ولا حتى التفكير في اعادة النظر في التجربة السابقة لمصلحة نقل الركاب بباصاتها المريحة المحترمة، التي يتذكرها العراقيون بحرقة وألم!

ربما أن القابضين على مقود السلطة لا يروق لهم وجود مؤسسات قطاع عام حكومية ناجحة، ليتركوا المواطن عرضة للقطاع الخاص، الذي همه الربح أولا، على حساب معاناة المواطنين من الطبقات الكادحة والفقيرة.

عرض مقالات: