اخر الاخبار

يبدو أن الاختناقات المرورية التي تشهدها بغداد، وسائر المدن العراقية، تحولت بسبب تجاهل الحكومات المتعاقبة، لمخاطرها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، إلى كارثة حقيقية، إذ لم ترتقِ لتحتل الأولوية في أجندات الدولة. فهذه الكارثة، وهي الوصف المناسب لظاهرة الاختناق المروري، لا تقف عند هدر الوقت والقيم الاقتصادية والاجتماعية من حيث سرعة اندثار وسائط النقل بكل أنواعها، وتردي خدماتهِ واستهلاك ملايين الأطنان من الوقود، وكونها  تعد من أشد المخاطر على البيئة، وآثارها على الصحة العامة. وفوق كل ذلك، أمست مدينة طاردة للسكن .

إن البنك الدولي، وهو المسؤول عن عمليات التنمية في بلدان الأطراف الفقيرة، توقف في أحد تقاريرهِ عند ظاهرة الاختناقات المرورية في مدينة بغداد العاصمة، كاشفاً أن قطاع النقل في العراق، هو أكبر مصدر لتلوث الهواء،  ومشيراً إلى عدد المركبات في بغداد زادَ بنحو ستة أضعاف، وأن هذا القطاع يسهمُ بنحو 13 في المائة من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأكبر المصادر لتلوث الهواء في البلاد على مدى العقد الماضي، فضلاً عن ذلك، فإنّ انبعاثات هذا القطاع زادت بنسبة 80 في المائة؛ نتيجةً لزيادة عدد المركبات، وهذا النمو الهائل أدى إلى زيادة كميات انبعاث أول أوكسيد الكاربون من 364 إلى 1571 طناً في اليوم، خلال المدة نفسها. أما كميات انبعاث أوكسيد النتروجين فزادت من 28 إلى 127، والجسيمات الكتلوية من 5 إلى 24 ميكرو غرام لكل متر مكعب، وثاني أوكسيد الكاربون من 6068 إلى 27382 طناً خلال الفترة نفسها.  وأبرز التحديات التي تواجه القطاع المذكور، تتجسد في زيادة ملكية المركبات الخاصة، بالرغم من الافتقار إلى نظام للنقل العام في المناطق الحضرية، والاعتماد على الشاحنات والمركبات الكبيرة بشكلٍ كبير لنقل البضائع.

إن توقع حصول هذه الظاهرة مستقبلاً،  تم إدراكه في أوائل ثمانينات القرن الماضي. فقد دعت حكومة النظام السابق، شركة سيستر الفرنسية لوضع دراسة متكاملة عن انشاء مترو بغداد، وإعداد التصاميم اللازمة، ووضعت التصميم الأساسي للمشروع في عام 1980، وأُبرم العقد معها بكلفة مليار دولار. وكانت الإمكانات المالية متوافرة في ذلك التاريخ، فقد كان الاحتياطي النقدي 37،5 مليار دولار، غير أن الذهاب إلى الحرب، أدى ليس فقط إلى إلغاء هذا المشروع، وإنما بقية المشاريع الاستراتيجية.

 وفي عام 2010، أعلن أمين بغداد صابر العيساوي، أن العراق سيشهد انطلاق مشروع مترو بغداد، وتم تخصيص مليار دولار لإنجاز المشروع، ثم تلت تصريحات الأمناء اللاحقين؛ لكن الكلف زادت إلى ثلاثة أمثال المبلغ المصرّح بهِ فوصلت إلى 7،5 مليار دولار. تلا ذلك قيام أمانة بغداد في عام 2015 باختيار 7 شركات عالمية، بينها  صينية وإيطالية وفرنسية، وقدمت بالفعل خارطة طريق لتنفيذ المشروع إلا أن وزارة النقل دخلت على الخط، واشترطت إيصاله إلى مطار بغداد الدولي بكلفة 53 مليون دولار للكم الواحد، وانتهى المشروع بالفشل، ويبدو أن الكل كانوا يراهنون على استطعام عسل هكذا مشاريع عملاقة .

بعد أن عرفت الأسباب التي أدت إلى حالة الاختناقات المرورية في بغداد، والبيانات الدالة على هذه الأزمة الخانقة، لتتحول إلى موضوع للمؤسّسات الاقتصادية الدولية، لهذا يكون من الواجب وضع استراتيجيات غير قابلة للتأجيل أو الهروب منها إلى الأمام، ونقترح ما يلي:

  1. قيام الحكومة الحالية أو اللاحقة التعامل مع استراتيجية حل الاختناقات المرورية، بتنفيذ حزمة المشاريع التي أطلقها رئيس الحكومة، في الثاني من شهر آذار من هذا العام، وعددها 21 جسراً ومجسرات، وتحشيد كافة الإمكانات الإدارية والفنية واللوجستية الوطنية؛ لإنجاز هذه المشاريع.
  2. التوجه الجدي لإدخال مشروع مترو بغداد أو الجسر المعلق عن طريق الاستثمار ضمن الخطط الاستراتيجية اللاحقة. فبنغلاديش لا تمتلك ثروات كالعراق لكي تنشئ مترو في عاصمتها. فمثل هذين المشروعين لا يتطلبان من قيادة الهرم الحكومي أكثر من شجاعة وإرادة سياسية.
  3. إحالة هذه المشاريع إلى شركات رصينة معروفة بخبراتها، وإبعاد المسؤولين والسياسيين الفاسدين عن مثل هذه المشاريع.
عرض مقالات: