اخر الاخبار

بعد أكثر من عشرين عاماً على الاحتلال الأمريكي للعراق، نجد أنفسنا في واحدة من أسوأ الفترات في التاريخ العراقي المعاصر. لم تثمر التجربة السياسية التي أعقبت الاحتلال سوى عن تدهور شامل في مستويات المعيشة، وارتفاع جنوني في معدلات الفساد، حتى باتت مؤسسات الدولة بأكملها مصابة بهذا الداء العضال.

الفساد لم يعد استثناءً، بل صار هو القاعدة، لا سيما في المؤسسات الأمنية التي يفترض أن تكون صمّام أمان الدولة والمجتمع. ففي الوقت الذي يعاني فيه الجنود في ساحات الواجب نقصا في التجهيزات والرواتب، يسرق الآمرون أرزاقهم، ويوزعون عليهم مؤناً منتهية الصلاحية، بل ويتقاضون أموالاً مقابل التغاضي عن غيابهم.

أما عناصر الأمن الداخلي، فحدث ولا حرج. بعد قرار الحكومة بغلق النوادي الترفيهية والبارات ومخازن المشروبات الكحولية في بغداد، لم يُفعّل القرار كإجراء قانوني، بل تحول إلى فرصة جديدة لجني الرشاوى. فأغلب مفارز الأمن باتت تبتز أصحاب المخازن، وتفرض عليهم رشاوى يومية تتراوح بين 30 إلى 50 ألف دينار لكل دورية، وأسبوعية تصل إلى 400 ألف دينار. بعض المخازن تدفع أكثر من 5 ملايين دينار شهرياً كي يُسمح لها بالبيع سراً.

وهذا مجرد مثال من أمثلة كثيرة: مراكز المساج، الكراجات غير الرسمية، والاستغلال العلني للطرق والشوارع العامة.. جميعها تتحول إلى مصادر غير شرعية لتمويل الفساد داخل الأجهزة الأمنية، من أدناها رتبة إلى أعلى الضباط.

إن ما يحدث لا يعكس فقط انتشار الفساد، بل يؤكد هشاشة الأجهزة الأمنية التي يفترض بها حماية البلد. فأجهزة تغرق في الرشوة والمحسوبية، لا يمكن أن تصمد أمام أي تهديد داخلي أو خارجي.

نحن أمام انهيار أخلاقي وسياسي عميق، يبدأ من مؤسسات الدولة وينتهي إلى المجتمع، وما لم تكن هناك إرادة وطنية جادة لكسر هذا النسق الفاسد، فإن العراق لن يخرج من أزمته، بل سينزلق أكثر نحو الضياع.

عرض مقالات: