في ظل الأوضاع المتردية التي يعانيها العراق على مختلف المستويات والجوانب والقطاعات، وانعكاس ذلك على المجتمع بشكل عام والفرد بصورة خاصة، وتفاقم الوضع من سيئ إلى أسوأ بسبب عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتفشي الفساد وغياب الكفاءة.. في ظل كل ذلك، لا يزال القطاع الصحي، شأن غيره من القطاعات الخدمية، يعاني مشكلات كبيرة لم تجر معالجتها رغم الأموال الطائلة التي تُخصص له سنويا.
وهنا سأنقل بعضا من مشاهداتي اثناء مراجعتي مستشفيات حكومية وأهلية:
عند مراجعته المستشفى الحكومي، لا يجد المريض الكثير من العلاجات الأساسية، والعديد من أجهزة الفحص الضرورية، وأحيانا لا يجد حبة دواء أو حقنة بسيطة. فيما يواجه أطباء سيئيّ المزاج، لا يكشفون عن حالته المرضية بدقة، ولا يجيبون عن استفساراته. وبالتأكيد أنا لا أخص جميع الأطباء، إنما أولئك الذين لا يتعاملون مع الحالات المرضية بدقة وانتباه، والذين يصفون للمرضى أنواعا كثيرة من الأدوية، معظمها غير متوفر في المستشفى، ما يضطره إلى شرائها من الصيدليات الأهلية بأسعار باهظة.
والطامة الكبرى حينما يضطر المريض إلى المكوث في المستشفى يوما أو أكثر. فالوضع سيكون أكثر بؤسا وسوءا. فأحيانا لا يجد حتى سريرا يرقد عليه، وبالتالي يضطر إلى افتراش الأرض! الأمر الذي يدفع الكثيرين من المرضى إلى مغادرة المستشفى الحكومي والتوجه إلى المستشفى الأهلي مباشرة.
اللافت للنظر والمثير للاستغراب، هو كثرة أعداد المستشفيات الاهلية، وتزايدها باستمرار. وان غالبية الأطباء وخيرتهم يعملون فيها. وهناك يجد المريض ما يرجوه من تعامل فوق الجيد، يبدأ من الاستعلامات مرورا بالنظافة والخدمة الطبية وانتهاء بالعلاج. كما يجد جميع الأدوية متوفرة في صيدلية المستشفى، لكنها بالتأكيد تباع بأسعار مضاعفة!
جميع الأجهزة المتطورة موجودة في المستشفيات الأهلية، كالإيكو والمفراس والرنين والسونار وأجهزة الأشعة والتخطيط. ولا يحتاج المريض إلى الانتظار فترات طويلة كي يأتي دوره للفحص في تلك الأجهزة، مثلما في المستشفيات الحكومية، إنما يُفحص على وجه السرعة.
وعندما يدخل المريض إلى مستشفى أهلي، يطلب منه الطبيب إجراء جميع الفحوصات، وهنا يضطر إلى الرضوخ لأمر الطبيب. وبالتأكيد ان أسعار تلك الفحوصات مرتفعة. بعدها يُطلب من المريض المرور على أطباء بمختلف الاختصاصات، وكل طبيب تبلغ كشفيته نحو 75 ألف دينار. والغريب في الأمر، هو ان المريض في معظم الأحيان لا يحتاج إلى إجراء كل تلك الفحوصات، لكن المستشفى يفرض عليه إجراءها. وفي النهاية يدفع المريض، فيما إذا بقي يومين في المستشفى، مبلغا يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين دينار. أما إذا بقي لساعات فيصل المبلغ إلى مليون دينار!
وبكل تأكيد، لا يستطيع الفقير وذو الدخل المحدود مراجعة تلك المستشفيات، ما يجعله مواجها المضاعفات الصحية، والموت!
كان الأجدر بالدولة ووزارة الصحة، جعل المستشفيات الحكومية نموذجية، مع تزويدها بكل الخدمات والمستلزمات المتوفرة في المستشفيات الأهلية. فهذا واجب وليس فضلا، على اعتبار أن حق الرعاية الصحية مكفول دستوريا للمواطن.
أقول: لك الله أيها الفقير والبسيط.. فالدولة تبدو بعيدة كل البعد عن هموم الشعب، غير مكترثة لصحته. وهذا لا تتحمله وزارة الصحة فقط، بل الدولة بمختلف مفاصلها. فالجميع مشارك في ما يمر به اليوم وطننا من أزمات سببها الفساد وغياب الكفاءة!