تمر اليوم ٦٦ سنة على اندلاع ثورة ١٤ تموز الباسلة ، التي قلبت الموازين وفتحت الآفاق امام تطور بلدنا على مختلف الصعد .
الثورة التي ليس ذنبها اطلاقا ، ولا ذنب قادتها وداعميها ومسانديها ، والاغلبية الساحقة من المواطنين التي ضجت بها الشوارع ابتهاجا وسرورا بحدوثها الذي كان منتظرا .. ليس ذنبهم جميعا ، انها أحدثت ذلك الاختراق غير المتوقع لجبهة من كان يردد ان «دار السيد مأمونة» ، وانها وقعت في منطقة نفوذ حساسة بالنسبة لمصالح الدول الاستعمارية ، التي وجدت من يتماهى مع خططها انطلاقا من مصالح ضيقة وانانية ، وعلى حساب مصالح الوطن والشعب. فبعض لم يكن يريد ان يفقد الامتيازات والنفوذ الذي حصل عليه من مكرمات النظام المباد واسياده ، فيما اخرون لم يرق لهم ، من منطلقات فكرية وايديولوجية ، ان تسود الأفكار والقيم الوطنية والتقدمية والتحررية في مجتمعنا.
والجانب الاخر الذي تتوجب الإشارة اليه ، والذي يروجه البعض وجاء على لسان احد اعضاء مجلس النواب لتبرير اتخاذه موقفا معاديا للثورة ، ويبدو انه احد أسباب عدم ادراج ١٤ تموز في قانون العطلات الرسمية وإقراره كيوم وطني ، هو القول ان «الجدل ما زال مستمرا بشان ما اذا كان ١٤ تموز ثورة أم انقلابا؟». وواضح انها حجة واهية لا تستند الى معطيات علمية بشأن مفهومي الثورة والانقلاب.
فصحيح ان الحراك الاولي للثورة كان عسكريا ، ولكنه كان استجابة لارادة شعبية ، وان من حسم الموقف لصالح ذلك التحرك ، ومنذ اللحظات الأولى، هو الجماهير الواسعة التي أمسكت بزمام المبادرة وشلت حركة القوى المعادية. إضافة الى ان الحراك لم يكن بمعزل عن نضالات وانتفاضات وثورات سابقة وتقديم تضحيات وشهداء ، على مدى ٣٨ سنة. كما لم يكن قطعا بمعزل عن عمل منظم للقوى الوطنية ، ومنها الحزب الشيوعي العراقي ، والتي وحّدت جهودها في اطار جبهة الاتحاد الوطني وشكلت القاعدة السياسية – الجماهيرية للثورة ، وكانت عاملا مهما في انتصارها .
والأمر الاخر في مسلسل الحجج الواهية ، هو ربط الموقف من الثورة بما حصل للعائلة المالكة. فكل المنصفين يؤكدون ان ما حدث لم يكن مخططا له ، ولم يكن ضمن توجهات الضباط الاحرار ، وقد ذكر انهم كانوا بصدد التعامل في هذا الخصوص مثلما تعاملت ثورة ٢٣ تموز ١٩٥٢ في مصر .
ان من الخطأ والاجحاف ان يجري تقييم ثورة كبرى مثل ثورة ١٤ تموز انطلاقا من ثغرات ونواقص ، ومن تصرفاتٍ لبعض من كانوا يحسبون على معسكر الثورة ، او أخطاءٍ حصلت هنا وهناك ، بضمنها ما هو عفوي او جاء كرد فعل.
وبشان العنف نتساءل: ألا يحصل عنف في الثورات الكبرى؟ وهل ننسى المثال الأبرز هنا وهو الهجوم على سجن الباستيل ( فرنسا ) في ١٤ تموز ١٧٨٩؟ فهل توقف الفرنسيون عن الاحتفال بثورتهم وبعيدهم الوطني؟
نقول هذا وهو في جميع الأحوال ليس دفاعا عن العنف، او تبنيا له .
ان ما قامت به الحكومة الحالية وما اقرّه مجلس النواب بشأن عيد 14 تموز هو الاجحاف بعينه. فحين يتحدث الدستور عن جمهورية العراق ويقوم مجلس النواب بإلغاء يوم تاسيسها ، فهي المفارقة التي لا تعكس الا رغبة في ثأر وانتقام من هذه الثورة العملاقة ، التي حررت العراق من الاستعمار ومن سلطة عميلة له ، واستعادت سيادة العراق وعززت وحدة الشعب الوطنية .
كل هذه العناوين يجري التفريط بها اليوم على يد منظومة المحاصصة ، حامية الفساد والمتماهية معه ، والعاجزة عن صيانة القرار الوطني العراقي المستقل ، وتأمين سيادة البلد وانتزاع حقوقه مثلما فعلت ثورة ١٤ تموز.
لكن قرارات المتنفذين والفاسدين والفاشلين لن تمحو ذكرى الثورة المجيدة ، ولن تخدش قوة مثلها في انقاذ وطننا وشعبنا وتخليصهما مما هما فيه اليوم من واقع مرّ وأليم .