اخر الاخبار

مع تصاعد حظوظ اليمين المتطرف ذي السمات الفاشية، في العالم وخاصة لدى الناخبين في أوربا والولايات المتحدة، يسري قلق مشروع بين اليساريين، من تسرب بعض المفاهيم العنصرية والشوفينية إلى القاعدة الاجتماعية التقليدية لليسار وربما لبرامج بعض أطيافه، كما حدث في ألمانيا وفي دول أخرى متعددة القوميات، مما استلزم مناقشات واسعة لرصد الحالة وتقوية المناعة.

وفي مجرى هذا الحوار، وجه بعض اليساريين نقداً لاذعاً للأغلبية، التي اطمأنت لموت المفهوم البيولوجي للعرق، إثر دحضه علمياً، ففتر حماسها في التصدي للمساعي الهائلة التي يبذلها اليمين الأمريكي بغية إنعاش المفهوم ونشره.

ويعتقد هؤلاء بإن خطورة التضليل الذي يمارسه اليمين المتطرف، بتخليه الجزئي عن فكرة العرق الأدنى وإستبدالها بفكرة الدفاع عن الشعوب “المتحضرة” ضد “الغزاة المهاجرين المتوحشين”، وبالصراع بين ثقافة الغرب المتقدمة وحضارة الشرق التي تستلهم عنفها من العرق والدين، مع تذكير دوري بما كتبه آرثر جنسن وريتشارد هيرنشتاين وتشارلز موراي عن العلاقة بين معدل الذكاء و”العرق”، لا تقاس بخطورة نجاحه في تسريب هذه الأفكار لناخبي اليسار، وربما لبعض “اليساريين” الذين باتوا يتذرعون بها للتعرف على خواص العرق التي تعيق دمج “المتخلفين” في المجتمع “المتحضر”، أو لتفسير رضوخهم لقيادات عشائرية وإقطاعية أو قومية - دينية متعصبة، وهي حجج باطلة، إذ يبقى عدم الاعتراف بتكافؤ البشر، المعيار الأدق لعنصرية المرء وشوفينيته.

وتتقاسم أطياف يسارية كثيرة، وهي تواجه هذا الخطر، الرأي بأن الشوفينية و فكرة التفوق القومي هي نتاج للرأسمالية ومرتكز لتبرير لصوصيتها تجاه الشعوب وسياساتها العدوانية وحروبها التوسعية، وهو تبرير فشل في حجب التناقض بين ما تدعيه الدول الإمبريالية من قيم ديمقراطية وإنسانية وبين ما تمارسه من استغلال بشع للبشر وقتل وتدمير للحضارة وتخريب للبيئة واستهتار بحياة الشعوب وأمنها وتقدمها، كما حدث في جنوب شرق أسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والهند واستراليا، و في العراق والعالم العربي، وأخيراً في ما تشهده غزة من مجازر.

ولهذا فالخلاص من هذه الفكرة الشيطانية، التي يتبناها عتاة الإمبرياليين وأتباعهم، من ترامب وبايدن وميلوني وأوربان وحتى ميلي وبولسونارو وأردوغان، يتطلب أن تكون لليسار سياسة واضحة تجاهها، والنضال للقضاء على أصحابها الرأسماليين وتخليص البشرية من شرورهم. كما ينبغي تفعيل الكفاح الفكري والسياسي والاجتماعي ضدها، فرغم مرور أكثر من سبعة عقود على قرار اليونسكو بإدانة فكرة التفوق العرقي، ورغم ما كشفه علم الجينات من خرافة مفهوم العرق، فإن الجرائم البشعة التي ارتكبت بسبب هذه الفكرة، في الولايات المتحدة وجنوب افريقيا واستراليا والشرق الأوسط، لم تدن بشكل كاف ولم يُعاقب مرتكبوها كما ينبغي، مما أبقى معتنقيها فاعلين في هذه المجتمعات، محققين نشاطاً واسعاً ومقلقاً لكل قوى الخير والسلام في أوربا، خاصة وهي تتوجه للانتخابات في الأسبوع المقبل.

كما يؤكد اليساريون أيضاً على أن عدم عراقة النزعة الاستعمارية في بعض الدول، لا يمنح برجوازيتها طهارة ما، لأن قراءة التاريخ القريب سترينا بوجود هيمنة شوفينية حتى في عدد من البلدان المستعمَرة، كما تعلمنا بأن الدراسات البيولوجية والسيسيولوجية التي شكّلت قاعدة لفكرة التفوق، ولدت في معاهد دول لم تستعمر أحداً، قبل أن تتبناها الإمبريالية وتطبقها في سياسات الفصل العنصري الداخلية أو في سياساتها الإستعمارية. كما يرون بأن شعوب الدول التي كانت “رائدة” في تبني هذه الأفكار، أقل مناعة تجاه تصدير هذه المفاهيم اليها من جديد، قياساً بشعوب الدول ذات الإرث الاستعماري، لأن بقايا تلك الريادة، لا تزال محسوسةً ومؤثرة.

عرض مقالات: