يشهد العالم منذ فترة حدثين مهمين، ولا أبالغ اذا قلت أنهما الأبرز على المستوى العالمي منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ولعل تأثيرهما هو الأبرز على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وهما التغول الاقتصادي للصين ومحاولة تصدرها الساحة الاقتصادية العالمية، وصعودها السريع كمنافس حقيقي للاقتصاد الامريكي، الذي يعد الأول على مستوى تقدم الاقتصاديات العالمية، وانفتاح الصين باتجاه تأسيس لوبي اقتصادي مواز، يسعى لمواجهة اللوبي الغربي لمجموعة أهداف، منها زحزحة مكانة الدولار الامريكي وكسر مقبوليته العالمية في التداولات الدولية، ويهدف لإعادة ترتيب السوق العالمي وفق الشروط الصينية، وبشكل مفاجئ وسريع كاد أن يدفع لحرب اقتصادية معلنة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية لولا الخروج المبكر للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من أروقة البيت الابيض لحساب مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن.
والحدث الثاني هو الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تكاد نيرانها تدفع العالم بأسره نحو حرب عالمية ثالثة، في حال أن خرجت الأمور عن السيطرة، وهو احتمال يبقى قائماً اذا ما أخذنا بالاعتبار تورط العديد من الدول الكبرى بشكل او بآخر في هذه الحرب من خلال الدعم العسكري او الاقتصادي او المواقف السياسية الداعمة لهذا الطرف او ذاك، وبشكل بدأ يعيد لأذهان العالم شكل التحالف الشرقي والتحالف الغربي الذي شطر العالم إلى معسكرين متقاطعين في القرن الماضي، ومن جهة اخرى فان تداعياتها تطال معظم دول العالم من خلال عوامل عديدة منها أن 40في المائة من واردات العالم من الحديد القمح والزيت والمواد الغذائية الأخرى هي كلها من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الغاز والبترول في العالم كله والذي اثر بشكل او بآخر فيكل الدول بدون استثناء.
ولعل ما يهمنا في هذين الحدثين ويثير الاهتمام، ليس نتيجة الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، ولا نتيجة الحرب العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، بقدر ما يهمنا التكتلات الدولية والاصطفاف في محور شرقي بقيادة روسيا والصين وآخر غربي بقيادة أمريكا والغرب من ورائها، والذي يكاد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية العالمية ويعيد تمركز القوى بين الدول اعتمادًا على مواقفها الاقتصادية والعسكرية من جهة ومدى نفوذها وتأثيرها في محيطها الاقليمي من جهة اخرى، ولا شك ان هناك دولاً صاعدة وغيرها هابطة وأخرى تستمر في هبوطها وأفول نجمها، وبرغم المحاولات ( الخجولة ) للحكومات المتعاقبة للنهوض بالبلاد ودفعها باتجاه مكانتها الدولية والإقليمية فإن دور العراق لايزال أقل من ثانوي في المعادلات الناشئة، بل لعلي لا أجانب الصواب اذا خشيت أن يتحول بشكله الحالي إلى مجرد ورقة من أوراق الضغط بيد القوى العالمية والاقليمية تدفع بها للضغط او المساومة فيما بينها، ولعل ما يؤلم أن أرض السواد لم يعد لها من التأثير ما لبعض الدويلات في المنطقة والتي لم يمكن لها في أحسن الأحوال سوى أن تكون سوى صفحة في تاريخ العراق، ولكنها في نفس الوقت أدركت نقاط قوتها وحاجة الآخرين لما يملكونه، فاحسنوا المناورة في الوقت الذي شغلتنا حروبنا في الداخل او الخارج . لا أريد في هذه السطور الخوض في تاريخنا وتاريخ غيرنا بقدر ما أريد التنبيه إلى حجم الفرص المهدرة في الوقت الذي يعاد فيه رسم خارطة القوة والنفوذ في العالم، وتقرر فيه مصائر الشعوب، وكما قيل قديماً فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، ولن أطيل على القارئ وسأكتفي بالإشارة إلى عاملين يجب على الحكومة التركيز والاتكاء عليها كمفتاح يرغم الآخرين على الاستماع لصوتنا، واعادة الاعتبار لما يمكن ان نمثله من ثقل اقليمي ودولي.
إن العراق يملك رابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بواقع 145.019 مليار برميل ويأتي بعد كل من فنزويلا التي جاءت أولا والسعودية ثانيا وإيران ثالثا، وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) مع العلم أن من الممكن زيادة احتياطيه النفطي إلى 270 مليار برميل ليحتل المركز الأول في العالم من خلال تحويله من احتياطي محتمل إلى احتياطي مؤكد بشرط زيادة الجهد الاستكشافي للقطاع النفطي في العراق، كما تجدر الاشارة إلى أن العراق ينتج قرابة ٤مليون برميل نفط في اليوم بنسبة تصل 11% من انتاج اوبك بلس، وهو بذلك ثاني أكبر منتج في أوبك، فيما يعتزم البدء في زيادة طاقة تصدير النفط لإضافة ما مجموعه مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، فيمكن للقارئ ان يتصور حجم التأثير الذي يمكن أن يلعبه العراق في المعادلة الدولية اذا اخذنا بالاعتبار ان العراق يأتي كثالث أكبر مصدر للنفط إلى المصافي الصينية الحكومية بعد السعودية وروسيا .
الوضع الدولي المرتبك والحاجة الملحة إلى الطاقة في ظل الظرف الذي فرضته الحرب الروسية الأوكرانية وحاجة اوربا المتزايدة للطاقة وتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا على إثر الحصار الذي المفروض على روسيا والذي اتخذته اوربا كورقة ضغط دولية لوقف القتال، أدى في النهاية إلى ارتفاع أسعار الطاقة لإضعاف عديدة، مع ملاحظة الحصار القديم على صادرات النفط والغاز الايراني والذي فرضته أمريكا والزمت به معظم دول العالم، وما شكله ذلك من احراج للحكومات الاوربية والغربية، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية اتجاه حلفائها، مع بقاء احتمال ان تتفاقم هذه الأزمة إلى درجة قد تودي إلى عدم القدرة على توفير احتياجات المواطنين الاوربيين، الأمر الذي دفع الدول الأوروبية إلى الدعوة لزيادة إنتاج النفط، والبحث عن تلبية احتياجاتها من بلدان أخرى، منها العراق.
في الختام للقارئ ان يتصور الفرصة المتاحة امام العراق لاستغلال رصيده الضخم من النفط، والحاجة الدولية له في فرض مواقف اقتصادية وسياسية تصب في صالحنا وتساعد البلاد في الخروج من النفق الذي تاهت في ظلماته البلاد منذ أكثر من اربعة عقود ولغاية الآن.