اخر الاخبار

مشكلة بسطاء الناس من المستضعفين أنهم مستلبون دومًا ولا قدرة لهم على اتخاذ قرار في حياتهم من دون الاعتماد على مقولات شائعة في صناعة الرمز.. هناك آخر يصنع للجماعة رمزها، وهي تستجيب بحكم الموروث الديني او الاجتماعي الذي يحمله الرمز، فتكون رهينة لمقولاته من سؤال لماذا وكيف يمكن أن يكون هذا الشخص رمزًا؟، وقد يكون لديها الاستعداد للتضحيك بالنفس من أجل عدم مس هذا الرمز بكلمة، وإن سألت الكثير منهم عما يعرفوه عن تاريخ هذا الرمز الذي له كل هذا التأثير والسحر لدرجة التضحية بالنفس لما تمكن كثير منهم تقديم إجابة عقلانية لما هم مؤمنين به.. أغلب شعوب الأرض على اختلاف طبيعة الاستجابة للرمز بين مؤمن به من دون معرفة ومستفيد من ادعائه الإيمان به من دون علم بقيمة ما عنده إنما هم يستجيبون لأنهم ورثوا التقديس له والإيمان بزعامته بوصفه رمزًا، وقد ينطبق هذا لا على المتدينين الذين يُجيدون صناعة الرمز، بل وعلى كثير من العلمانيين الذين يعتقدون برموز صنعت لها تاريخ نضالي، ولكنهم لا يعرفون ما قدمه هذا الرمز.

 ذات مرة عندي اخ يُحب جيفارا ويلبس تيشيرت مرسوم عليه صورة جيفارا، فسألته من هو هذا الشخص المرسومة صورته على (التي شيرت) الذي تلبسه، فأجابني مندهشًا معقولة دكتور متعرف جيفارا، فأجبته قل من هو؟ فحار واحتار رغم أنه يُسمي نفسه (بهاء جيفارا) فوجدت أنه لا يعرف عنه غير أنه مناضل وثوري وغير هذا لا يعلم شيئًا.. الحال ينطبق على كثير من أبناء مجتمعنا الذين يُقدسون رموزًا دينية أو مدنية وإن سألتهم عن تاريخ هذه الشخصيات والرموز وما قدموه لمجتمعنا لا تجد عندهم إجابة كافية ووافية.. نحن نرث محبة الرمز مثلما نرث محبة العقائد الدينية والاجتماعية ونجد ونجتهد في الدفاع عنها لا لأننا عرفنا قيمتها التاريخية بما ينسجم والرؤية العقلانية للوجود والعالم والحياة، ولكن بحكم تعودنا عليها بأنها تستحق التقدير وأن تكون رموزًا لنا نهتدي بها. نحن مجتمعات ترث الرموز والقداسة ولا تمنح لنفسها أو لأفراد فيها أن يُشككوا في بعضها أو نقد بعض توجهاتها، لأننا مجتمعات نعيش على وفق إنموذج سبق، فمن شكك فيه فقد كفر، وفي أقل الأحوال فهو خالف الاجماع وأخل في معتقدات المكون الاجتماعي الذي ينتمي إليه. كلما اتسعت مساحة المقدس كلما ضعف فعل العقل، وكلما زاد عدد الرموز التي لا يمكن لنا نقدها كلما وجدنا مجتمعنا أكثر تخلفًا.. قد يكون لكل مجتمع رموزه، ولكنها ليست رموزًا لا يصح ان يمسها النقد لأن كل ابن آدم خطاء. يقول سقراط: "إن الحياة التي لا تخضع للنقد لهي حياة لا تستحق أن تُعاش".

عرض مقالات: