اخر الاخبار

هنالك أشياء نقوم بها  يومياً، من دون تفكير، و أمكنة نأتيها بلا  تردد ،و أفعال  نزاولها بغير روية أو إعمال فكر، هذه المخلوقات التي إخترعناها  لحياتنا المعيشية، نقضي معها أوقاتاً  من أعمارنا التي صارت مزدحمة بمفرداتها، و لا نتأفف أو نضجر، لأنها تشكل جزءاً من حياتنا اليومية، منذ الولادة حتى الممات، إذ لا يمكننا الاستغناء عنها، و عن خدماتها الإجبارية، لهذا نحرص في أن نحسب لها حساباً  دقيقاً في أن تكون  مناسبة لراحتنا  في قدرتها التي تتطور مع مرور التاريخ على تلبية حاجاتنا  الضرورية، و هي لها تاريخ  و فلسفة و مفاهيم قارة في عالمنا الذاتي من كونها موجودة فينا بالقوة، باختصار الأشياء هي تعيش معنا  في المنازل، و خارجها  في المؤسسات  و الأسواق و الشوارع  و حتى الطرقات و وسائط النقل، تشكل  خريطة  العالم العريض  الذي   نحيا به، هي كثيرة و متنوعة،  وتقدم لنا خدماتها في كل الأوقات، نحرص على ارتيادها بخلوة  مقززة  مع راحة  عاصفة تشوبها لذة سريعة  و ألم  مكبوت،  يتناولها علم سوسيولوجيا  اجتماع البيئة   بدراسة  المعوقات السوسيولوجية  لمفهوم  الهوية المهنية   لبيئة  النظافة، وتمثل سوسيولوجيا  الحمامات  و أدوات الزينة  و التجميل  والماكياجات والاكسسوارات، وطوابير  المناشف  و الفوط، و أدوات  المطابخ  المتنوعة مثل أجهزة الطبخ  و البرادات  و الأواني  و مستحضرات التنظيف وسواها في عالم المعيشة التي لا غنى عنها لدى الإنسان منذ القدم، و ظلت مواكبة له طوال تاريخه الحافل بالتطور، لكنها  تقف  اليوم  كمعوقات تحتاج  لمناقشة، لعل تلك المعوقات السوسيولوجية هي عبارة عن نفايات إيكولوجية موقوتة،  أساسها الطعام  و الجسد و الفضلات  التي يتخلص منها الجسد بالمقابل، تتعامل كارول  م  كونيهان  في كتابها ( أنثروبولوجيا  الطعام و الجسد)  في هذه العلاقة الطعام – الجسد في حركة الامتلاء- التفريغ  التي تعتبر نمطاً أو أنماطاً ثقافية، فالطعام  شيء ضروري للحياة  بايولوجياً  و اجتماعيا،ً لهذا يتم تناوله يومياً من قبل الجسد، الذي بدوره يتعرض لتفاعلات  كيمياوية، في داخله  جراء الهضم، ليمكث  بعضه فيه، و يلفظ البعض الآخر خارجه على شكل فضلات،  و لعل الخبز  بوصفه عالماً هو البداية التي  تؤسس لها  (كونيهان)  أساس النظافة الجسدية من طريقة انتاجه إلى أن يتعامل كسمة بناء  ثقافية، فلولا الخبز لما احتاج الإنسان لابتكار فلسفة البيئة التي تعتني  ببكل  ما هو متعلق بالطعام  باعتباره غذاء للجسد تشكل الثقافة  جانباً سوسيولوجياً  فيه،  في ( البيئة و المجتمع  -  مقدمة  نقدية ) تأليف بول روبنس جون هينتز  ساردة أموراً  تتحدث عن  العلاقة بين البيئة و المجتمع المعاصر، و ظهور مفاهيم، و إشكاليات  مختلفة أثارها النمو السكاني الهائل ( عدد سكان الأرض  قارب السبعة مليارات نسمة  تقريباً اليوم) مما اقتضى نحو التفكير بإيجاد الحلول في توفير الطعام  أولاً، و ثانياً  تطوير الأنظمة البيئية  الصحية، كالحمامات و المطابخ، في عصر التكنولوجيا و الثورة الاتصالية المذهلة ، و شيوع ظاهرة التسوق  و المطاعم  و الكوفيهات التي  انشئت خارج البيوت، حيث تقدم وجبات  الطعام  بأصنافها، و السريعة منها بالأخص، مما جعل مشكلة التخلص من نفايات الطعام والتي تؤرق العالم، و ظهور مصطلح  الآيكولوجيا السياسية  و الآيكولوجيا التصالحية في مقدمة الفلسفة التي تعتني بحال البيئة  و الطبيعة و المجتمع، و ربما أثر النمو السكاني بأنواعه الهندسي و البيئي على مشكلة مواجهة النفايات  زو طرق التخلص منها بصورة منظمة لا تهدد سلامة السكان و نظافتهم،  في بروز ظواهر الأسواق المزدحمة  و البضائع  المكتظة،  و المؤسسات و العموميات، وبالتالي تطلب أن يكون هناك تخطيط عمراني للمدن و تصنيفها من حيث الايكولوجيا، يأخذ بعين الاعتبار هذا الانفجار السكاني، و تعقيد شبكات النقل و الإتصالات الالكترونية  و الكهرباء والماء و مجاري الصرف الصحي  الخ  لقد كان العالم القديم أقل بساطة و أقدر على استيعاب مستلزمات الناس القلائل بالنظر لما هو عليه الآن ، فمكان فضلات الانسان وهي بيوت الراحة  مكانها خارج المنازل، ربما في البرية، و كان أول عالم سجل  باسمه اختراع نظام صرفه المعروف جوزيف براماه  في  عام 1778 و مازالت تستخدم  حتى يومنا هذا، بيد إن هذه الاماكن العامة و الخاصة من أكثر معوقات التلوث في العالم، و تهدد فضلاتها الصلبة  الملوثة  المساحات  الطبيعية البيئية  للمجتمعات بمخاطر جمة، و ترتفع نسبة التلوث كلما تقدمنا  في  الزمن، فالمدن و الدول التي تعيش  تحت طائلة التلوث كثيرة، و الحمامات  الخاصة و العامة كذلك تعمل على ازدياد خطر تفاقم مضار البيئة من ناحيتها بعد ان ابتكر الحمام احد صناع  الأثاث  الفرنسيين  في آخر القرن  السابع عشر لحمام  العائلة المالكة  الفرنسية، و كان  من الخشب، لكن المعضلة الخطرة التي تواجه علماء الاجتماع المعاصرين   في  حقل النظافة البيئية  في ما يتعلق بالطعام، و انتشار الأكل في المطاعم ، و هي ظاهرة فرضتها رفاهية الحياة العصرية، و لذا فإن الأخلاقيات البيئية  و هي جزء من الفلسفة البيئية، و قد انتجتها الإشكاليات  البيئية  التي غيرت من نمط  تعامل العالم الإنساني، و مع  العالم غير الإنساني، كمسألة فضلات الطعام التي تدفع بها المطابخ الخاصة و  المنزلية  و العامة  و هي تهتم  بتوسيع  الحدود التقليدية  للأخلاقيات، التي تضم البشر  و لو قارنا بين حمامات الماضي و حمامات اليوم، و مطابخ الأمس و الآن، فاننا سنكتشف  العوامل المهددة لنظافة  العالم، وهي  تدق ناقوس خطر انتشار اخلاقيات مجتمعية  مغايرة، تؤدي إلى خروج  عن حدود السيطرة على القيم الفلسفية  الإنسانية التي تعطي للعيش الإنساني  المشترك فهماً أعمق من أجل مكافحة أسباب التلوث و انعدام النظافة، و عجز المؤسسات الدولية على إنقاذ عالمنا من فلسفة  الفوضى التي  رسم لبعض أركان خرابها عالم الاجتماع  السلوفيني المعاصر  سلافوي جيجك في نظرته متسائلاً: في عنوان فلسفة الفوضى الثانوي – هل ينقذ الدمار البشرية؟ إن إحدى صرخات فلسفة الفوضى هي غياب الحرص على نظافة كوكبنا  الأزرق الجميل من قذارتنا. 

عرض مقالات: