اخر الاخبار

عشقتني بالخنجر والهجر بلادي

القيت مفاتيحي في دجلة ايام الوجدِ

وما عاد هنالك في الغربة

مفتاح يفتحني

ها أنذا اتكلم من قفلي

من اقفل بالوجدِ

وضاع على ارصفة الشام سيفهمني

من كان مخيم يقرأ فيه القرآنُ

بهذا المبغى العربي ...... سيفهمني

من لم يتزور حتى الان

وليس يزاود في كل مقاهي الثوريينَ.... سيفهمني

من لم يتقاعد كي يتفرغ للغو

سيفهم أي طقوس للسرية في لغتي

وسيعرف كل الارقام وكل الشهداء وكل الاسماء

وطني علمني ان اقرأ كل الاشياء

نعم قرأ كل الاشياء انه العقل العربي الجامع و المثقف والسياسي البارع انه الاديب،  والفنان، والشاعر،

انه المدرسة الفنية المرتكزة على أسس ومقومات متينة، نابعة من صميم الواقع العراقي، والناقد لها يجب ان يكون خريجاً منها، كون مدارس النقد بقيت محافظة على كلاسيكيتها وربما قد تفتقر لروحية هذا اللون الادبي السامي، فهو قد استمد ركائز لونه الادبي – الشعري- من الواقع المتباين لطبيعة ارض العراق، وما فيها من جزئيات الحركة الايقاعية، والصور المتعددة الشاملة لمجمل ما يدخلها من الطبيعة والمحيط وحركية التراث للواقع التعايشي بين الافراد من حيث السياسة والاقتصاد والمعتقد الفكري وغيرها من العوامل ونشاط الافراد داخل المجتمع، فتلك الصورة الكبيرة وما فيها من الحركة والالوان والثوابت الطبيعية، دخلت شعر النواب بحالة اللاشعور.

امتاز النواب بلونه البكائي الفريد المحبب... الذي تكاد تخلو الساحة الأدبية من هذا اللون الفراتي الاصيل المفعم بروح الحزن والقراءة الذكية في التاريخ العربي والاسلامي، وهو ما يؤكد الاستجابة السريعة بين قول النواب والمتلقي، كما ان شعره مليء بموسيقى نابعة من الحركة والتفكير والشعور الباطني الذي يختلج ذات المتلقي، حتى اسهمت عن سرعة التوافق والانسجام والشدّ المتين للاستجابة، وكثيراً ما كان يخلق الدهشة على الرغم من استخدامه بعض العبارات الغريبة في التركيب، بيد انها جميلة المعنى، محببة على نفس السامع حتى إنّه استطاع ان ينّزع من اللفظ الفاظاً متعددة او بما يسمى اشتقاق اللفظ موظفاً ذلك بانسجام جميل مع المفردة التاريخية والحدث التاريخي، وعليه كان الشاعر سهلاً في شعره، سهلاً في حياته مرناً في أختياره، صادقاً بقوله، حتى غلب في شعره السهولة الممتنعة. وفي بعضها متعالياً بلغته ومفردته الغريبة المحببة (الغريبة: بما فيها من الغرابة)، وقد اكثر الشاعر منها وخاصة في عناوين ومقدمات قصائده، والذي تعمّد على وضعها بهذا الأسلوب الذي يثير رغبة العقل في التفتيش عن مضمون ما أراده، فهي تغني عن بحث او مقال كامل امثال (وتريات ليلية/ كيف نبني السفينة في غياب المصابيح والقمر، عروس السفائن)، واستطاع النواب ان يوقف عجلة الزمن لقراءة الحدث التاريخي وعصرنته ضمن القصيدة المعاصرة فنرى في ذلك الأغراض المتعددة ضمن القصيدة الواحدة المشحونة جميعها بلون الحزن العراقي الأصيل، حتى اصبح بحق ((مالئ الدنيا وشاغل الناس)) لما تميز بعربية اللفظ، وحالة الاستشهاد للموقف عربيا وعراقيا ، في كافة اشكاله الحياتية وبالأخص الفرد العراقي كون النواب ابن هذه البيئة، معرفة العارف بنفسه فلم يكن انساناً وشاعراً عادياً او كلاسيكياً كباقي الشعراء بل كان مناضلاً، شهدت له السجون العراقية والايرانية الكثير من المواقف، حاول الهروب من العراق مرات عديدة ولم يفلح.

حتى عاش حياةً مريرة مُلِئت بالمواقف والغرائب والهدف من وراء ذلك ايصال رسالته الانسانية الى العالم اجمع .

من هذا الماسك كل زمام الانهار                        

يسيل على الغُربات كعري الصبح

يراوغ كل الطرقات المألوفة في جنّات الملح

يواجه ذئبية هذا العالم

مع كل ما يحيطه من الخوف والحذر، من الجوع والحرمان، فضلاً عن انّه كثير الترحال .

في تلك الساعة حيث تكون الاشياء             

بكاء مطلقْ

كنت على الناقة مغموراً بنجوم الليل الأبدية                     

استقبل روح الصحراء                                        

يا هذا البدوي الضالع بالهجرات                                  

تزوَّد قبل الربع الخالي                                          

بقطرة ماءْ

فهو البطل الذي صنع من نفسه اسطورة عصرية، تتناقلها الأفواه بكافة مستوياتها العلمية والاجتماعية مع انه لم يكن قائداً، او فاتحاً، او زعيماً سياسياً، وإنما كان شاعراً مثقفاً قرأ مجمل الثقافات العالمية وافكارها المتنوعة، درس اللغة العربية واصبح فيها استاذاً، اكمل ثقافته الأكاديمية في باريس في حقل الدراسات العليا لنيل شهادته في علم الباراسايكولوجي ناصر الفقراء والمظلومين وافرط في حب الوطن والانسان والجمال فأهدر الحكام دمه، فيما احبه الشعب وحفظ شعره وخبّأهُ واعتز به، وتناقله سِراً وعلناً، فالقارئ المتبحر في شعره، يراه شعلة ثقافية ثورية، إنسانية .

خذني وامسح فانوسك في الليل                                

نشع بكل الأسرار                                             

لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر                               

 فالجوع ابو الكفار                                               

مولاي                                                          

انا في صف الجوع الكافر                                      

ما دام الصف الأخر يسجد من ثقل الأوزار                    

واعيذك ان تغضب مني                                        

انت المطويُّ عليك جناحي في الأسحار

حاك النواب الخيوط الذهبية لنسيج القصيدة المعاصرة من بنيتها الإيقاع والموسيقى، القافية الأغراض المتعددة، ولم يتخلف النواب عن كتابة القصيدة الكلاسيكية- العمودية- فعندما كتب وجدانياته في هذا الإطار، كانت هي الاخرى حاملةً الروعة في دقة الوصف وما تخللها من مجموع الصور الفنية الرائعة.

دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي             

يقودني شبح مضنى الى شبح

ضيعت منك طريقاً كنتُ أعرفه                

سكران مغمضة عيني من الطفحِ

اصابحُ الليل مصلوباً على جسدٍ               

لم أدرِ أيّ خفايا حسنه قدحي

أسى حريرٍ شآمي يداعبه                     

إبريق خمر عراقي شجٍ نضحِ

دفعتُ روحي على روحي فباعدني            

نهدان عن جنةٍ في موسم لقحِ

أذكي فضائحه لثماً فيطردني                  

شداً اليه غريرٌ غير مفتضحِ

عشق النواب الأرض العربية، وكان ذلك العشق مادته الاولى، مستمداً منه القوة والعزم لحالة التغيير والإصلاح على مجمل اراضيها، حتى انه جوبه برأي الاخرين حول تركيزه على الهم الفلسطيني في منفاه دون بلده العراق فقال: [ - اسرائيل ليست رقعة الوطن المحتل فقط، اسرائيل انتشرت.... هذا الطغيان لقيمة العملة على قيمة الانسان....له جذر صهيوني... الرحيل الاجباري المستمر المفروض على الشعب الفلسطيني....الابعاد المقصودة الى تونس واليمن....والسودان... بعيداً عن تراب فلسطين... هو مقدمة لرحيل عربي واسع...هو مقدمة لنصبح نحن يهود التاريخ .                                                

ونعوي في الصحراء بلا مأوى                                          

وهي نبوءة (او قراءة) استشرافية لواقع الألفية الثالثة وما هو عليه من تشرد الجموع الانسانية من الوطن العربي، حتى قال :

[ أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة لن يبقى عربي واحد إن بقيت حالتنا هذي الحالة بين حكومات الكسبة]

فكان بحق صاحب القصيدة الممنوعة المهربة، المطارد ضمن سجون هذا الوطن الممتد من المحيط الى الخليج الذي تلاصق جدران سجونه، حتى بات سجناً عربياً كبيراً، والنواب طائر يحلق فيه من سجن الى آخر.

   فقد يستشف القارئ الحالة التشاؤمية واليأس في قول النواب، ولكن يؤكد النواب على انه [ داعية فتح العيون على الواقع ومن ثم في الأفق ضوء]، ثم يعود النواب ليعلن حبه للعراق مؤكداً ان للعراق لِبْ القلب مؤكداً ذلك من مقدمة للريل وحمد [ ما اظن ارضاً رويت بالشمس والدم كأرض ولا اظن حزناً كحزن الناس فيها لكنها بلادي... لا اضحك من القلب... ولا ابكي من القلب، ولا اموت من القلب الا فيها]

حقاً انها فلسطين التي اخذت منه مأخذاً في العديد من قصائده الثورية ففي “الوتريات الليلية” يبكيها بكاءً مريراً مشخصاُ فيها الواقع المأساوي ومعطياً لها اسباب الضياع، معطياً لها مفاتيح العودة للوطن .

اولئك اعداؤك يا وطني

من باع فلسطين سوى اعدائك اولئك يا وطني؟

من باع فلسطين وأثرى بالله

سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكامِ

ومائدة الدول الكبرى

عرض مقالات: