اخر الاخبار

تشكل  نظرية العوالم الممكنة في مناخ القرن الحادي و العشرين  بكل مناحيها المختلفة منذ انفصالها من الإطار الفلسفي و المنطقي ، و الاقتصار على كونها تحليلاً للقص  فرصة مناسبة لدراسة رواية كتبت في القرن العشرين ( لوليتا/ فلاديمير نابوكوف ) لكنها تركت آثاراً عميقة بسبب عالمها القصصي التي  لم تمح  لحد الآن إذ حملت  في سرديتها عوالم ممكنة متشظية يمكن قراءتها منفصلة أولاً عن أصل الرواية التي تنتمي لعالم كاتبها الحقيقي( أو الضمني ) و ثانياً يمكن إدراك تعدد قراءاتها ، و نحن نقرأ  عن الفروق بين منحى عالمين  للرواية رواية القرن  العشرين –رواية القرن الحادي و العشرين (بيتر بوكسول) لاسيما  و إن هذه الرواية ( لوليتا) عاندت عالمها القصصي الكلاسيكي  ، و لتخرج علينا بقراءة منفصلة في عوالم ممكنة  على يد الكاتبة  و الاكاديمية الإيرانية   ( آذر نفيسي)  في عنوان  لافت ذي مغزى واضح متطرف ( أن نقرأ  لوليتا في طهران ) ليس في هذه القراءة ( آذر نفيسي) سوى وضع رواية ( لوليتا) في قائمة الدروس التعليمية  التي خصصت لطلبة الجامعة ( خمس فتيات يقرأن  الروايات الممنوعة من ضمنها لوليتا ) فكيف يمكننا أن نقرأ العوالم الممكنة من واقع هو في الأصل  افتراضي ، أي إننا  نحلل واقعاً افتراضياً من نتاج تحليل قصصي ، فيتحول إلى بحوث في موضوعين رئيسين  ثقافيين  متداخلين ، من الصعب الفصل بينهما إلا وفق قراءات للخلفيات الفكرية و الفلسفية التي يضخان بهما عالم الرواية هذه ، فالدين و الجنس  ، في قراءة نفيسي للرواية ( لوليتا) حصل على أثر مرحلة شديدة الخطورة عام 1979 في إيران عام الثورة  التي أدت إلى قيام النظام ( الجمهوري) على حساب  نظام سياسي( ملكي) اعتبره غالبية الشعب لا  يمثل حقيقة تطلعات الجماهير الإيرانية الغفيرة ، بيد إن كل نظام جديد لا يمكنه إظهار حدود تناقضاته ، سواء  أكانت  في حسناته أم في عيوبه  المجتمعية  و الاجتماعية، في حمى الهيجان الراديكالي للغالبية العظمى من فئات  الشعب الفقيرة ؟ كانت الأمور مختلطة و متشابكة و ملتبسة آنذاك ، أي إن الإيرانيين  لم ينزلقوا  بعد إلى معسكرين ، متناقضين، لكن تبينت إن الأمور كانت ميالة نحو الصبغة الدينية  التي استطاع النظام الجديد تثبيتها  نهاية المطاف ، لهذا كانت رواية ( لوليتا) بمثابة أحد العوالم الممكنة التي تنتهك المسكوت عنه  في إيران المحافظة ، و رواية كهذه  تثير تساؤلات جمة تتعلق ليس في المسائل الصعبة الحرجة  التي تكتظ بها أية دولة مازالت تعيش على حواف العلاقات المتشابكة بين السياسة و الجنس  و الدين  ، بل في  كيف تقرأ تلك المسائل  بطريقة لا تستفز الآخرين ، لهذا ظلت نفيسي تدرك إن المخاطر تترصد  مشروعها القرائي ، وصولاً الى استكمال مشروعها القرائي  الذي تعرض لمضايقات (النظام الأصولي) كان لا بد من ترحيله لقراءة في المنفى  في العالم الغربي ، و بذلك أصبحت  رواية ( لوليتا) ساحة تحارب  في قراءة  فكرتها الأساسية ( العهر) حيث إن الرواية الأصلية  فضحت مفهوم ( البيدوفيليا) الغلمانية/ مرض جنسي شاذ يكمن في عشق الأطفال-  إذا ما قيست بطلة الرواية  على قوانين عالمنا اليوم  بما يطلق عليه ب( جنس  القاصرات) و لأن زاوية نظر  الفرقاء القراء في مجتمعات الكتابة أو القراءة ( روسيا إيران أمريكا)  اختلفت سواء بإدانة فعل ما تعرضت له بطلة ( لوليتا) أم  بما عالجته المقاربات الفكرية و الفلسفية و الأدبية والدينية النقدية  التي وظفتها ، فإن ( بيتر بوكسول) يرفض عدم التمييز في قراءة الرواية بين عالم القرن العشرين ، عن قراءة رواية  الحادي و العشرين( و إن كانت تلك الرواية لا تصنف على القرن21) و هذه النقطة تدخلنا جميعاً في محنة العوالم الممكنة ، التي تتمرأى على قدر ما تفعله القراءات

رواية – لوليتا / نابوكوف  و عالمها القديم.. توقفا عن العمل  الإبداعي ( الانتاج التسويقي) و فقدت الصلاحية التي يمكنها من بناء سرديتها، تحولت ( خردة) في عوالم أخرى ؛بمعنى إن إحياء ( لوليتا) من العدم المطلق فقط لانتشال ( الصندوقين الأسودين) الخاصين، أولاً إن الصورة التقريبية ل( لوليتا) نابوكوف   قد تخطت تاريخانيتها ، وانتقلت إلى القرن الواحد و العشرين ، وهي لا زالت محتفظة بمواقفها  الأخلاقية التي نستغرب كيف لم تنزلق إلى بذاءات عصرنا ؟ هذه الصورة المنضبطة لها ، جعلتها أحدى المراجع في الدراسات النقدية لما يعرف ب( الممكن المتخيل أو المرجعية السياسية في الرواية  انظر د – عبد الرحمن التمارة)  حيث نجد ان العلاقة  بين السياسة و الرواية شهد في عصرنا اهتماماً متزايداً  (في السياسة مدخل نظري) وثانياً الدراسات التعليمية  الجامعية في طهران ، و أمريكا على يد الكاتبة الإيرانية الامريكية ( آذر نفيسي) و من سار على منوالها في دراسات الرواية بوصفها بحثا لم تحظ بنتيجة مثمرة بتلك الأريحية التي كانت الكاتبة تتوقعها لسرعة تطور الحوادث السياسية ، و الصعود السريع القوي للنخبة الدينية الإيرانية، تقول نفسي: قبل سنوات عدة أصدرت كتابي ( التحدث مع الرواية ) منتبهاً إلى إن رواية عظيمة كـ ( لوليتا) لا تموت فالمواقف التي تحملها كبيرة ، في كتاب (  الجنس و السياسة  والتدبير  السياسي)  إلى العلاقة القاتلة التي تحكم ثقافتنا العربية  - الإسلامية و هي تجمع بين المحرمات الثلاثة : (الجنس  و الدين و السياسة)  و مركزها الجسد (لا سيما الجسد الأنثوي)  وهي علاقة معقدة  ممنوع التقرب منها بتاتاً ،  ولا زلنا نعاني منها الأمرين الكاتبة ( آذر نفيسي) تجاوزت الخطوط الثلاثة الحمر  في ( أن  تقرأ لوليتا في طهران – سيرة  في كتاب ) جازفت بحياتها و معها ( 5) فتيات في تحدي سلطة الدين و هو في ذروة صعودها  نحو السلطة ( 1979) حينما قامت بتشريح رواية ( لوليتا)  في عقر داره ، و على مرأى و مسمع من السلطة.

 الذي حدث في  الأمر هو إن  التفسير الخاطئ لمشروع الكاتبة  قد اضطر الكاتبة لترك البلاد ،  لكن القراءات  للرواية  أعيد  إنتاجه بصيغ أخرى  من فتيات ايرانيات  ، لكن ظلت الكاتبة  متهمة   في إن أفكارها  تنتمي للموقف المعادي للمبادئ  التي ينادي بها التيار الإسلامي المتشدد الذي  يعد ( الجسد) من محرماته، و لو يأتي القول عليه من باب التمثيل أو التمثل  ،  ومهما قيل عن تجربة قراءة ( لوليتا) بأنها تكشف العقدة  الثقافية التي تعاني منها  الدول الشمولية. 

عرض مقالات: