أقام الفنان مؤيد محسن معرضه الموسوم (مشهد الشمس) على قاعة the gallery   ببغداد اشتمل على 12 لوحة كبيرة الحجم تصل قياساتها بعضها الى 3 أمتار بحضور عدد كبير من المختصين في الفن التشكيلي، أو من خلال الجمهور الاعتيادي الذي حضر هذا العرض، وهم جمهور القاعة والمؤسسة التي تحتوي على معاهد ومراكز تدريبية، وهذا ما يجب فعله إزاء كل الفعاليات الفنية التي يتوجب حضور الناس إليها لكي يصل الفنان بتجربته الى المجتمع. مؤيد محسن الذي يواصل عمله الفني منذ 4 عقود باستثمار معطيات الواقع ولوائح الرسم الأكاديمي التي يتقنها بمهارة، لكن عنايته بالموضوع الذي يثير تساؤلاته الكبرى اقتراناً بالوجود الفعلي على الواقع، توازي عنايته بالشكل واخلاصه له واستثمار جهده الكلي ووقته الطويل من أجل أن يكون عمله بهذه الصيغة التي يتمظهر بها وينطوي عليها، فهو ينتحي أُسلوباً خاصاً به منذ تكريس تجربته وحضور إسمه داخل مشهدية الرسم العراقي تخلى عن واقعية الرسم الى ما بعد الواقع أو ما فوقه، لامكانيته التشييدية في البحث عن مضامين محظورة أو مسكوت عنها في التجربة العراقية يفرضها الواقع أو الحتميات التاريخية التي فرضت سلطتها على الحياة والطبيعة وحاولت تغيير تضاريسها، بما ينسجم مع التطلعات الجديدة.

ولأن الفن هو محاولة لردم الهوة بين الواقع والمتخيل وادارة هذه الثنائية العميقة، فإنه ذهب الى المتخيل الكامن في الاسطورة العراقية، والبابلية تحديداً وحاول التعامل معها بروح المعاصرة بما يبعث الحزن أحياناً على تلك التجليات التي لم تك في التصور أو الحسبان، عندما يرسم الرئيس الامريكي (أوباما) وهو يرتدي ملابس الرياضة ليمارس رياضته اليومية الأثيرة على أرض بابل، وهكذا فعل من قبل مع وزير دفاعه (رامسفيلد) عندما صوره بدون رأس. ارى إن محاولات (محسن) المعاصرة هي من موحيات الجرح العراقي الذي داهم روحه وأرواح الآخرين عندما أُنتهكت أرض الميلاد والحضارة من قبل قوى بربرية لم تجد قيمة واضحة لهذه الأرض التي تحمل تاريخ الانسانية. فهو مهووس بالبحث عن أمكنة تحيل الى تواريخ المدينة، إذ أن معرضه الموسوم (مشهد الشمس) مستوحى من مشهد يمارس فيه طقساً دينياً بالأسم ذاته أو مشاهد مجاورة، لكي لا يذهب بعيداً عن متناولاته الأساسية أو الروحية التي تشغله على صعيد الحياة اليومية أو على صعيد الفن ومقارباته الموضوعية مع كل ما يحيط به. انه منشغل بهذه المسائل الكبرى ويريد أن يمنح أثره الفني أهمية توازي أهمية الروحي والتاريخي فيه، فيلجأ الى تفصيلات دقيقة تفصله شهوراً بينه وبين انجاز العمل الفني بصورته النهائية من حيث المزاوجة بين الرؤية الكلية والتمثلات التفصيلية أو المونادات التي تؤسس البنية الكلية للوحته أو لمجمل خطابه الذي يعكف على بلورته منذ سنين. ولذلك فأن اللحظة التاريخية المعاصرة أتاحت له تتويجاً مضمونياً جديداً يتوافق مع شكله القديم باستخدام مفردات محلية تندمج مع المحلي (العراقي) والبابلي على وجه التحديد، فتظهر مفردات مثل الثور البابلي المجنح، أو الزقورات والجنائن المعلقة ومسلة حمورابي ومشاهد دينية بكثرة في أعماله الفنية، وبذات الوقت استطاع اضافة ما يمكن إضافته في المتغير العراقي الراهن في الألفية الثالثة وأضاف شخصيات جديدة شغلت مكانها الجديد في الذاكرة العراقية مثل (رامسفيلد) الذي صوره وهو يركب العربة الخشبية المتوافرة في أسواق مدينته أو مدن الوطن، بمعنى نزوله الى قاع المجتمع وأضحى مواطن يُمارس حريته في التنقل والتجوال داخل الأزقة والحارات الشعبية، أو عندما يمارس (أوباما) كرة السلة في ملعب أمام الجنائن المعلقة، وغيرها من المفردات التي جعلتها تلك اللحظة حاضرة في ذاكرتنا وستمكث طويلاً .

إن ما يميز مؤيد محسن هو منظومته اللونية التي تنتمي الى لون الحقول المحيطة بالأثر وتتداخل معه، وهو ما يضفي على لوحته قيمة جمالية ترتقي الى الواقعة المحلية المقترنة بالواقع المعيش والطبيعة، فضلاً عن دلالة الاخضرار والاستمرار الذي يورق بعيداً عن أقدام الغزاة والقتلة وسرف الدبابات واطارات العجلات التي حاولت أن تقتل تلك الخضرة والديمومة المرتبطة بالعمق التاريخي، لذلك لجأ الى تلك التفصيلات التي دون فيها الأزهار الصغيرة النامية على قلب الأوراق ونسغها الممتد الى نسغ الحياة نفسه. فعندما كان سابقاً ينزاح الى مناخات حلمية أو متخلية إرتكن في معرضه الأخير الى واقعية الأشياء التي بدأت تتجلى في خطابه وكأنها تصوير فوتوغراقي للنخلة والأشجار وصولاً الى الشخوص.. كما يتجه الى قطع رؤوس شخوصه ويرسمهم بجثث كاملة فقط استناداً الى غياب الوعي واتباع الفطرة في اتخاذ القرار، بما أوقعهم في الهاوية التي جلبت وستجلب لهم الويلات، فأصبحت تلك الأجساد معلقة بأعمدة الكهرباء أو على صخور الأثر البابلي أو مستلقية في عربات الباعة الخشبية في حالات أُخرى. وفي كل الحالات فإن (مؤيد) لا يولي أهمية لحدي المعادلة البصرية (الشكل والمضمون) على حساب الآخر، فهما متعادلان في رؤيته وخطابه، ولذلك امتلك تفرد خطابه عن الآخرين وذلك باخلاصه لفنه واستثمار طاقة اللون والعلامة والاتجاه في مجمل خطابه البصري.

 

عرض مقالات: