اخر الاخبار

يقول الدكتور حنا بطاطو في رسالة الدكتوراه المقدمة إلى جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الامريكية في العام ١٩٦٠ والمعنونة الشيخ والفلاح  ١٩١٧-١٩٥٨ عن الفلاحين العراقيين، إن الغالبية العظمى منهم ينتمون إلى تلك الطبقة الفقيرة من المزارعين في العراق والتي تعرف باسم )الطوايف(فهم العمود الفقري للبلاد لكنهم يكدحون وبالكاد يعيشون، ودشاديشهم الممزقة هي الملبس الوحيد الذي يمتلكونه، ويتكدسون في أكواخ من الحصائر والطين سوية مع جواميسهم أو أبقارهم، وغذائهم عبارة عن قليل من التمر والعدس يضاف إليه الشعير أو الرز وأشياء قليلة أخرى، ورفيق الفلاحين الدائم هو دودة الانكلستوما التي يقول عنها الأطباء انها تؤدي إلى فقر الدم الحاد وتقلل من القدرة على العمل.

السؤال الذي يطرح، كيف وصل الفلاح العراقي إلى هذا الحال؟ وهنا يمكن أن نتتبع مسألة الأرض ومن يتحكم فيها في العهد الملكي، فبموجب القوانين المتحكمة بمسألة الأرض ومنها قانون رقم ٥٥ لسنة ١٩٣٢ قانون تسوية حقوق الأراضي الذي أعطى الحكومة الحق لتسوية صنف الأراضي إلى الأراضي المملوكة والأراضي الموقوفة والأراضي الأميرية وهي أربعة أصناف اما مفوضة بالطابو أو ممنوحة باللزمة أو أميرية صرفة وكذلك الأراضي المتروكة، وقد حددت آليات تسجيلها في الدوائر الحكومية فمن يجلب الشهود أنه كان يستغل الأرض الممنوحة باللزمة لمدة عشر سنوات سابقة تسجل باسمه، وأكيد أن شيوخ العشائر قاموا بجلب الشهود مع فساد الموظفين وتفشي المحسوبية والمنسوبية وسجلت بأسمائهم زوراً والذي قام أيضاً باستغلال الأرض المفوضة بالطابو مدة خمسة عشر عاما سابقة لصدور قانون التسوية أيضاً تسجل باسمه، وهكذا استولى الشيوخ والإقطاعيون على الأراضي الممنوحة باللزمة وهي أصلا مقررة لكامل القبيلة أو العشيرة سكناً وزراعة )حسب نظام الديرة) منذ العهد العثماني، ومن خلال هذا القانون والقانون الذي سبقه والداعم له قانون نظام دعاوي العشائر المدنية والجزائية وتعديلاته الصادر عام ١٩١٨ تم الاستيلاء على الأراضي الزراعية بالمجمل فأصبحت مجموعة من السكان لا تتجاوز نسبتها من عدد السكان ١ بالمائة تستولي على ٧٥ بالمائة من الأراضي الزراعية، ومثال ذلك في العمارة ١٨١ ملاكا يسيطرون على ٣٦٤٧٧٩٣ ثلاثة ملاين وستمائة وسبع واربعين ألف وسبعمائة وسبعة وثلاثين دونما، وكذلك في قضائي الشامية وأبو صخير يسيطر عليها فقط ١١٥ من الملاك، في حين أن عدد العاملين في القطاع الزراعي حسب الإحصاء الزراعي للعام ١٩٥٢-١٩٥٣ يبلغ  ١٤٠٠٨٥٢،  يلاحظ من ذلك الفرق الشاسع في العدد أنهم يعملون لدى الملاك والإقطاعيين الذين يقبضون على الأرض بأيد غير منتجة و حسب نظام المحاصصة ووفق نظامين الأول وفق نسبة الثلث في حالة أن الفلاح يتحمل التكاليف مثل البذور وغيرها وكذلك نسبة الربع في حالة عدم تحمل التكاليف، وفي الحالتين هناك استقطاعات لصالح الملاك والاقطاعيين مثل حصة المضيف والسركال والحراسة وغيرها، وفي النتيجة لن يحصل الفلاح إلا على الفتات المتبقي في الأرض وكما يقولون  ) المسطاحة ( ويبقى مديونا لصالح المالك والاقطاعي، واذا حاول ترك الأرض يسجن بموجب قانون دعاوي العشائر  يضاف لهذا عمل السخرة في كري الأنهر والمبازل وما يحتاجه الاقطاعي من أعمال أخرى مع البناء في المعسكرات الانكليزية ودون اي مقابل او مردود مع عدم توفر الخدمات اللازمة في الريف من طرق وجسور ومستوصفات ومدارس وغيرها.

هذه الصورة المظلمة والواقع المزري الذي يعيشه الفلاح وعموم الريف العراقي هي من دفع الفلاحين في صبيحة يوم ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ إلى الوقوف معها صفاً واحداً ومؤازرتها، وقد أوفت الثورة وقادتها بالوقوف مع الفلاحين، وحيث كان لحزبنا الشيوعي العراقي وتنظيماته المنتشرة في عموم العراق الدور المشرف في تحقيق الكثير من الانجازات ومنها في يوم ٢٧ تموز ١٩٥٨ حيث صدر الدستور المؤقت وقد نصت المادة ١٤ منه على أن الملكية الزراعية تحدد وتنظم بقانون وفي اليوم التالي اي يوم ٢٨ تموز اي بعد مرور ١٤ يوما فقط على انبثاق الثورة أصدر مجلس الوزراء قراراً واستناداً إلى المادة ٩ من الدستور المؤقت والتي تنص على أن المواطنين سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات، و قرر الغاء قانون نظام دعاوي العشائر المدنية والجزائية وتعديلاته وذيوله. وهنا لابد من الاشارة إلى القرار الذي أصدره في ذات الوقت السيد وزير الزراعة الاستاذ هديب الحاج حمود بأن تكون قسمة الحاصل مناصفة عدا الحالات التي تكون فيها للفلاح حصة أكثر فأنه يأخذها ووفق المرسوم رقم ١ لسنة ١٩٥٤. وليستمر العمل على تغيير واقع الريف والفلاح العراقي فقد شكل مجلس الوزراء لجنة برئاسة السيد وزير الزراعة الاستاذ هديب الحاج حمود ومجموعة كبيرة من ذوي الاختصاص لإعداد قانون للإصلاح الزراعي وقد عملت اللجنة على ذلك وكان ذلك لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية.

ففي الجوانب الاجتماعية ينظر في تحقيق المساواة وازالة اللامساواة والغاء السخرة والتخلص من الظلم الاجتماعي وسوء توزيع الدخل بسبب سوء توزيع الملكية، وكذلك القضاء على النظم والأعراف والارتباطات القبلية والعشائرية.

اما في الجوانب الاقتصادية فهو يهدف إلى إضعاف تعلق فئة كبار الملاكين بالأرض الزراعية الملكية بشكل عام وتمركزها وتخصيص الجزء الأكبر من دخولهم لامتلاك أراض جديدة إلى القطاعات الانتاجية القومية الاخرى وهذا يعني العمل على كبح جماح رأس المال في شكل ملكية عقارية، إضافة إلى تحسين دخل المنتجين ورفع قدرتهم الشرائية وزيادة ميلهم الادخاري الذي يسهم بشكل او بآخر في تطوير الانتاج.

أما من الناحية السياسية فأن غاية القانون في هذا الجانب هي السعي إلى تجريد الإقطاع من نفوذه الواسع والحد من سلطته وتقليص امكانياته المادية والقضاء على الصراعات الطبقية الناجمة من العلاقات الاستغلالية التي تدعم أنظمة الحكم الاستعمارية، كما يساعد في تعبئة الفلاحين سياسياً وجماهيرياً.

لذلك كله انجزت اللجنة عملها وصدر القانون رقم ٣٠ في الأول من أيلول من عام ١٩٥٨ بإعلان ذلك من قبل رئيس الوزراء الشهيد عبد الكريم قاسم وكان له صداه في الريف والمدينة حيث بلغ عدد المستفيدين من القانون وممن حصلوا على قطعة ارض أكثر من ٤٠٠ ألف عائلة فلاحية ولم تستثن المرأة منها في التوزيع.

واستمرت الثورة وقيادتها في دعم الفلاح والريف من خلال تطوير الديمقراطية وهنا وقبل صدور قانون الجمعيات الفلاحية كان لرفاقنا الشيوعيين دور متميز من خلال الفرق التي شكلت برئاسة سكرتاريي المحليات والكوادر المتقدمة في الحزب حيث انتقلوا إلى الريف يجوبون القرى من شمال العراق إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه حيث شكلت ثلاثة آلاف جمعية فلاحية وقد توج ذلك بصدور قانون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية المرقم ٧٩ لسنة ١٩٥٩، وعلى الرغم من العراقيل التي واجهته فقد عمل الاتحاد ولازال يعمل حتى يومنا هذا كواجهة للفلاحين وللمطالبة  بحقوقهم.

لم تكتف الثورة الخالدة بإصدار القوانين  والنظم والقرارات والتعليمات التي تعيد للفلاحين حقوقهم المهضومة وأخذ دورهم في تطوير المجتمع بل عملت على تطوير البنى التحتية في الريف العراقي والتي تعمل على تطوير الاقتصاد الزراعي والفلاح العراقي وذلك من خلال بناء أربعة سدود هي دوكان ودربندخان واسكي في الموصل وأعالي الفرات كذلك قامت ببناء معملين أحدهما معمل الآلات والمعدات الزراعية والآخر مصنع الاسكندرية للجرارات الزراعية كما عملت على تطوير الصناعات التحويلية فقامت ببناء ٢٥ معملا للطحين و ١٤ معملا لكبس التمور ومعمل دباغة الجلود والسكائر في السليمانية والأسمدة الكيمياوية والورق في البصرة ومعمل ألبان أبوغريب مع آلاف المستوصفات والمدارس في أرجاء الريف مع تبليط آلاف الكيلومترات من الطرق الريفية واقامة القناطر عليها إضافة لمراكز النشأ الريفي ودعم المرأة الريفية في عموم الريف.